سهيلة التاور
الرغبة في الحصول على بشرة بيضاء ولامعة تجعل السيدات ذوات البشرة السمراء، يلجأن إلى عدة طرق لتحقيق هدفهن. معظمهن يستعملن الكريمات المبيضة للبشرة، التي تباع في الصيدليات أو المتاجر الصغيرة والتي يتم الحصول عليها عن طريق التهريب أحيانا، أو عن طريق الخلطات «السحرية» التي تباع في العطارات، والتي لا تعرف مكوناتها بتاتا. كل هذه الوسائل تؤدي إلى عدد من الأمراض المزمنة ومنها السرطان.
من أهم المواد التي بدأ التركيز على خطورة وجودها ضمن تكوينات كريمات وصابونات تفتيح البشرة، مادة «الهيدروكينونhydroquinone » والمواد ذات الأصل الزئبقي، بالإضافة إلى الكورتيزون و«بيروكسيد الهيدروجين peroxyde hydrogène »، وهذه المواد جميعا هي مستحضرات طبية لا ينبغي استخدامها إلا بوصفات من الطبيب.
والهيدروكينون هي المادة الأساسية الموجودة الآن داخل أغلب تلك الكريمات، وقد خلفت الزئبق كمادة أساسية للتفتيح، بعد اكتشاف أن الزئبق يتسبب في حدوث إتلاف للجلد والمخ والأعصاب، إلا أن الهيدروكينون ليست أفضل منه بكثير، وقد كانت النسبة المسموح بها لتلك المادة في مستحضرات التجميل داخل أوروبا 2 في المائة، إلا أن بعض الدول قد منعت وجودها نهائيا في جميع مستحضرات التجميل .
كما أن الهيدروكينون تعمل من خلال وقف إنتاج الميلانين، وهي المادة الموجودة داخل الجلد والتي تتسبب في إعطاء اللون الأسمر، وعند بداية استخدام الكريم الذي يحتوي على الهيدروكينون يبدو للمستخدم أن البشرة قد تفتحت بالفعل، إلا أنه حين يتعرض المستخدم لأشعة الشمس يكون مفعوله عكسيا، مؤديا إلى زيادة في الاسمرار (لتأكسد الهيدروكينون في وجود الضوء والأكسجين إلى مادة الكينون ذات اللون البني الغامق)، وبالتالي يعاود المستخدم دهن المزيد من الكريم، ولكن التحذير هنا أن استخدام الكريم لمدة طويلة يؤدي إلى حدوث بقع داكنة بالجلد ووقوع آلام به وظهور حب الشباب، بالإضافة إلى إمكان حدوث سرطان الجلد على المدى البعيد بسبب الاستخدام لسنوات طويلة، أو حدوث اضطرابات بالكبد والكلى نتيجة امتصاص المادة عن طريق الجلد.
إلا أن نسبة وجود الهيدروكينون داخل تلك المستحضرات ليست هي العامل المهم، بل المهم هو تراكم المادة داخل أنسجة الجسم بسبب الاستخدام المكثف على مرور السنين، ويقول تقرير لمنظمة الصحة العالمية إن استخدام الكريمات الحاوية للهيدروكينون بنسبة 2 في المائة يؤدي إلى ما يعرف بـ«Ochronosis»، وهو عبارة عن ترسب مادة الميلانين داخل بعض الأنسجة مثل الغضاريف وداخل المفاصل، بالإضافة إلى تسببه في الإصابة بحساسية الجلد في بعض الحالات.
ومن الآثار الجانبية لاستخدام مادة الهيدروكينون أنها تؤدي إلى تهيج الجلد وتقلل من كثافة طبقته الخارجية، مما ينتج عنه ظهور التجاعيد بشكل أكبر. كما تربط التقارير الطبية أيضا بين استخدام كريمات التفتيح وسرطان الجلد، بسبب إضعاف إنتاج الميلانين. ومن أضرار تبييض الجلد كذلك تلف الكبد والكلى، والذهان، والسرطان، وتلف دماغ الجنين في رحم المرأة.
صالونات التجميل
مادة الهيدروكينون قد تستخدمها صالونات التجميل بتراكيز عالية من أجل تبييض وتفتيح البشرة. يتوافد على هذه الصالونات العديد من النساء والفتيات، ولكن لا يدركن مدى خطورة هذه الكريمات المبيضة التي تقوم بتفتيح البشرة. بناء على تجارب أجريت على مريضات متطوعات استخدمن هذه الكريمات، أثبتت أن هذه المادة تصيب الجلد بالبهاق وبالتجاعيد على المدى الطويل. كما أنها تزيد من الإصابة بالبثور السوداء وحب الشباب. فالهيدروكينون عند تعرضها لأشعة الشمس تتحول إلى مادة سامة. لذلك يجب استخدامها ليلا وعلى المناطق المصابة بالبقع أو التصبغات، حيث إن الهيدروكينون لها تأثيرات مسرطنة عند استخدامها على البشرة، وقد تتسبب في تشوهات الخلايا.
فلا يهتم الشخص الذي يبيع المنتج المزور إن كانت المشترية تملك رد فعل تحسسي من المواد المصنوع منها أم لا، بالإضافة إلى أن المنتجات المقلدة لا يقوم متخصصون أو مدربون بصنعها أو بمعرفة النسب المضبوطة لصنع المنتج، بل هم أشخاص يبحثون فقط عن المال. لذلك بشراء تلك المنتجات المقلدة من الصالونات، فإن السيدات يقمن بشراء مواد كيميائية مجهولة الصنع، وقد تؤدي إلى حساسية الجلد في النهاية.
ولا تصنع المنتجات المقلدة في الظروف وبالمعايير نفسها التي تصنع بها المنتجات الأصلية، فقد يتم صنعها في الغرف الخلفية أو مصانع صغيرة لا تخضع للرقابة، وبالتالي تتعرض هذه المنتجات للبكتيريا التي توجد في كل مكان بشكل أكثر خطورة، ليس فقط من القذارة الموجودة في المكان، بل أيضا من أيدي المصنعين الملوثة أو الحيوانات أو الحشرات.
الرصاص والزئبق
من المواد السامة الخطيرة الموجودة في مراهم عديدة، نسبة الرصاص التي قد تصل في المنتجات المقلدة إلى 19 ضعف النسبة المسموح بها؛ ويؤدي تراكم الرصاص في جسم الإنسان على مدار أشهر من الاستخدام إلى التسمم، الذي قد يفضي إلى فقدان الذاكرة، الصداع وآلام العضلات. أيضا لا تنجو المرأة الحامل من أضرار المكياج التقليدي، حيث تتعرض لخطر الإجهاض والولادة المبكرة.
كما أجريت اختبارات على بعض المنتجات المبيضة للبشرة، وتم اكتشاف احتوائها على نسبة عالية من الزئبق الخطير، والذي يعتبر عنصرا ساما. ويتسبب التسمم بالزئبق في حدوث ضرر للقلب والفشل الكلوي، وضرر لجهاز المناعة والرئة والدماغ، ويمكن أيضا لعنصر الزئبق أن يسبب شعورا بالصداع والطفح، أو الأرق، وإن كان موجودا في مكياج العيون يمكن أن يسبب ضررا في الرؤية لدى السيدات اللواتي يستعملنه.
سوق عشوائية
فوضى ورواج استخدام كريمات تفتيح البشرة والتبييض في الدول ذات البشرة السمراء، على الرغم من المحاذير الطبية، أديا إلى اللجوء إلى منتجات مغشوشة لا تحمل ديباجة التعريف، مع تزوير بلد المنشأ، وإخفاء نسبة التركيز في المادة الفعالة المبيضة، بالإضافة إلى ظهور خلطات مجهولة الهوية وكلها تأتي عن طريق التهريب.
كما أدى الإقبال الواسع على هذه المنتجات إلى ازدهار تجارة المستحضرات والمساحيق المبيضة بشكل عشوائي في مختلف الأسواق والمحلات، حيث إن هناك ما يتراوح بين 40 إلى 60 نوعا من الكريمات موجودة في الأسواق بأشكال صيدلانية مختلفة، تستخدم كمفتحات للون البشرة.
ودقت بلدان إفريقية عدة تنتشر في أسواقها دهانات التجميل ومحلولات تبييض البشرة، ناقوس الخطر وأصدرت قوانين تمنع تداول هذه المنتجات الخطيرة.
ومنعت حكومتا غانا وكوت ديفوار، قبل أسبوعين، تسويق الكريمات المبيضة للبشرة بصفتها منتجات مضرة بالصحة العامة. وأعلنت ميمي داركوا، رئيسة وكالة غانا للمنتجات الغذائية والدوائية، أن كريمات ودهانات تفتيح لون البشرة أصبحت ممنوعة داخل غانا، لانعكاسها السلبي على صحة مستخدماتها من الباحثات عن تبييض البشرة. وأكدت وكالة غانا للمنتجات الغذائية والدوائية أن منعها لمنتجات تفتيح لون البشرة يوسع قائمة المواد الممنوعة، ومن أشهرها مستحضر «هيدروكينون» الذي يحتل الرقم 418 على قائمة المواد المحرمة.
تحذير منظمة الصحة
في تقريرها عن الصحة العمومية والبيئة لعام 2015، دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، عارضة أرقاما مخيفة حول استهلاك مستحضرات التبييض في بعض الدول الإفريقية.
ويؤكد التقرير أن 25 في المائة من نساء مالي، و27 في المائة من نساء السينغال يستخدمن بانتظام مستحضرات التقشير، كما أن 35 في المائة من نساء جنوب إفريقيا، و59 في المائة من نساء الطوغو، و77 في المائة من نساء نيجيريا يستخدمن المستحضرات نفسها.
وتتحدث المنظمة ذاتها عن الآثار الجانبية الخطيرة لمستحضرات التبييض، ومن بينها سرطان الجلد، والسكري وارتفاع ضغط الدم، والروائح البدنية النتنة.
وتحدثت منظمة الصحة العالمية في مذكرة وزعتها في مارس 2017، عن احتواء منتوجات التبييض على كميات كبيرة من الزئبق غير العضوي.
وأوضحت المنظمة أن بلدانا عديدة تمنع استهلاك مواد التجميل المحتوية على الزئبق غير العضوي، لخطورتها الشديدة على الصحة البشرية. وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الزئبق هو إحدى عشر مواد كيميائية ذات خطورة بالغة على الصحة العامة، حيث إن هذه المادة قد تؤدي إلى الإصابة بسرطان الجلد.
وتحتل المرهمات المصنعة من «الكورتيكويد» ومواد التقشير ذات الأثر التبييضي القوي الصدارة في مواد التجميل المعروضة بالأسواق السينغالية، رغم خطورتها الصحية الواضحة.
شركات رائدة
تعد شركة «يونيلفرز فير آند لافلي Unilever’s Fair & Lovely » أشهر العلامات التجارية في بيع كريمات تفتيح البشرة بأسعار أقل من دولارين، بفعل رسائل تبثها بواسطة إعلانات توجه إلى النساء مؤداها أن هذا الكريم هو الحل لمشاكلهن العاطفية مع أزواجهن، وخلافاتهن في العمل، وطريقهن للتقدم المهني وتولي مراكز القيادة، وإذا لم يفعلن فسيفقدن اهتمام من حولهن، فقط لأنهن سمراوات.
وتأمن الشركة من المنافسة، فهي الأولى بآسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، وتبيع ملايين المنتجات سنويا، وبحسب محللين ماليين فإنها تحقق 500 مليون دولار سنويا من مبيعاتها في الهند وحدها.
وحاولت الشركة المذكورة أخيرا تغيير طريقة تسويقها، وإنشاء خط إنتاج جديد للسمراوات، في اعتراف ضمني بأن لون البشرة السمراء ليس طبقة من الوسخ يجب التخلص منها، ولكن من غير المحتمل أن تؤدي الطريقة الجديدة إلى عكس الأحكام المسبقة المتأصلة في المجتمع، واستغلتها الشركة لقرابة نصف قرن.
وهناك شركات عالمية أخرى متورطة في التسويق بناء على كلمات مثل: بيضاء، مشرقة، براقة، بياض اللؤلؤ، كشركة «لوريال L’Oreal» و«جونسون آند جونسون Johnson & Johnson»، وغيرهما ممن بدأت في الخضوع لشعارات التغيير ومناهضة العنصرية في الغرب، بعد حادث وفاة جورج فلويد في أمريكا عقابا على بشرته السمراء، لكن الصورة لم تكتمل وسط رفض شركات أخرى خوفا على مبيعاتها، أو رفضا للتغيير.