شوف تشوف

الرأيالرئيسية

كرة خرجت من الهامش

يونس جنوحي

ما زالت الطريقة التي بدأت بها كرة القدم في المغرب بحرا متلاطما من الروايات المتضاربة.

أحيانا، يغلب طابع التعصب والانتصار للفريق على بعض المحاولات التوثيقية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتاريخ فريقي الرجاء والوداد.

فعندما يتعلق الأمر باللونين الأحمر والأخضر، يغيب الحياد، أثناء محاولات التوثيق لبدايات الكرة في المغرب.

والحقيقة أن كرة القدم قد ظهرت في المغرب مع مجيء الجاليات الأجنبية. ففي الوقت الذي كانت فيه الدار البيضاء في طور البناء، بعد قصفها سنة 1907، كان أوائل المعمرين الفرنسيين، من موظفين وعمال بناء، يروحون عن أنفسهم ويمارسون كرة القدم التي سرعان ما بادر المغاربة إلى ممارستها بدورهم ونقلوا عن الفرنسيين قواعدها.

أما في شمال المغرب، فقد عرف المغاربة الكرة قبل هذا التاريخ. إذ كان معروفا أن الجاليات الأجنبية التي كانت تسكن المنطقة الدولية، أحضرت كل رياضات أوروبا إلى المدينة. حتى أن هناك اليوم صور تجمع بين الإثارة والعجائبية، لأجدادنا بجلابيبهم الرثة وهم يتابعون مباريات التنس، فوق رمال شاطئ طنجة. وقبل التنس تعرفوا على لعبة الغولف. وقد أشار صحافيون أجانب إلى أن لعبة الغولف دخلت إلى المغرب قبل الحماية الفرنسية، وكان البريطانيون أول من أسسوا ناديا لها باتفاق مع الوزير الأسبق المغربي المهدي المنبهي، والذي طردته تداعيات السياسة من فاس، وهرب بجلده إلى طنجة تاركا وراءه وزارة الحرب والسلطة المطلقة على الوزراء، وبدأ حياة جديدة في أقصى شمال المغرب، ونسي مرارة الهزيمة أمام «بوحمارة» بالانشغال في تعلم الغولف، حتى أن هناك أجانب زعموا أن الأرض الشاسعة التي أقيم فوقها أول ملعب غولف في المغرب، كانت هدية منه إلى البريطانيين.

أما كرة القدم في الشمال فقد بدأت مع الإسبان، وسرعان ما انخرط فيها «الطنجيون» وبرعوا فيها، وتفوقوا على اللاعبين الإسبان في الدوريات التي كانت تستضيفها المدينة.

وأصبحت كرة القدم مع نهاية العشرينيات الرياضة الأكثر شعبية في المغرب، وبدأت تتفوق على أساليب الفرجة الأخرى.

ففي الوقت الذي تأسست فيه فرق مغربية في ألعاب السيرك، والتي تُعرف بـ«الأكروبات»، ووصل صداها إلى أوروبا وشاركت في عروض سيرك مرموقة، كان لاعبو كرة القدم المغاربة في الأحياء الشعبية يقضون سحابة يومهم في محاولات صناعة كرة قدم يدوية من الجلد، لمحاكاة مباريات كرة القدم التي كانت يُقيمها الأجانب.

ومثل ما حدث مع رياضة الدراجات الهوائية التي ولدت للمغاربة نجوما وأساطير تفوقوا على الفرنسيين، مثل الراحل «الگورش»، فإن كرة القدم بدورها أنجبت عددا من الأسماء التي انتبه إليها الأجانب في الدار البيضاء وطنجة، قبل أن يظهر العربي بن مبارك الذي كان نتيجة مباشرة لاقتحام المغاربة لكرة القدم بشكل احترافي، وبداية خوضهم لمباريات ضد الفرنسيين في الدار البيضاء.

وعندما ذهب العربي بن مبارك للاحتراف في فرنسا، أصبحت العائلات المغربية، خصوصا في الأحياء الفقيرة تضرب به المثل، لأنه استطاع التفوق على الفرنسيين في لعبتهم الأكثر شعبية، وعرضوا عليه أن يلعبها في بلادهم.

الذين يستغربون اليوم كيف لكرة القدم أن تسحر العالم بهذه الطريقة، وتجعل أكثر من 5 مليارات متابع يشاهدون مباريات كأس العالم في قطر، عليهم أن يستحضروا أن هذه اللعبة الساحرة كانت دائما مُتنفسا للشعوب، لكي تُظهر للعالم كيف بمقدورها أن تضع الكرة في الشباك.

دول كثيرة لم يحالفها الحظ، يشجع أبناؤها المنتخب المغربي، ويتحمسون له، علّ نسخة قطر تكون فرصة لاستعادة المنتخب الوطني لوهج «أيام زمان»، عندما كانت كرة القدم تخرج من الأحياء الشعبية لتصل إلى العالم. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى