مالك التريكي
ليس صحيحا أن حبل الكذب قصير، إذ لا تزال حياة بوريس جونسون السياسية، مثلما كانت منذ البدء، مسلسلا طويلا من الأكاذيب والأباطيل.
وقد ظل يعمل في الصحافة لسنوات، قبل أن تكتشف جريدة «التايمز» آخر الأمر أن اقتباساته ملفقة، فتقرر طرده. وكان الظن أن كذبه بلغ ذروته في حملة البركسيت التي تزعمها عام 2016، وروج فيها افتراءات سريالية انجر أكثر من نصف الناخبين إلى تصديقها. إلا أن الأيام الماضية أثبتت أنه ارتقى في الكذب قمما شماء، حيث تبين أنه خرق إجراءات الحجر والتباعد، بمشاركته في عدة حفلات شراب، في مقر رئاسة الحكومة. ومتى كان ذلك؟ في فترة الإغلاق العام التي دامت أشهرا، والتي كان عموم المواطنين مجبرين فيها على ملازمة بيوتهم، ومحرومين من عيادة المرضى من أقربائهم وأحبائهم، حتى أن آلاف العائلات لم تستطع أن ترى مرضاها في ساعاتهم الأخيرة، ولم يسمح لها حتى بأن تشهد جنائزهم. أوجاع مقيمة لا تزال تقاسيها آلاف العائلات في بريطانيا، لتكتشف أنها بينما كانت تكابد ألم الفقد مع ألم الحرمان، حتى من نظرة الوداع الأخير، كان رئيس الحكومة يستمتع بالحياة وينعم بالحفلات! وعندما اكتشف أمر هذا السياسي الذي تلقبه الصحافة، هزؤا، «بوجو» قال، كاذبا، إنه كان يظن الحفل اجتماع عمل! وقد فضحه مستشاره السابق، الذي كان المهندس الفعلي للاستراتيجية الدعائية لحملة البركسيت، دومنيك كامنغز، قائلا إنه أبلغه أن أي حفل يقام في 10 داوننغ ستريت هو انتهاك للقانون. فبماذا أجاب الصحافة؟ «لا. لم يبلغني أحد».
وإذا كان بوجو قد نجا نجاة أكيدة من العواقب الصحية للكوفيد، حيث مرض في 2020 وشفي، فإنه لم ينج من عواقبه السياسية إلا نجاة مؤقتة. ذلك أن اعتقاد جمهرة من المحافظين أنه صار عبئا انتخابيا، قد أدى إلى تزايد المطالبات داخل الحزب بضرورة استقالته، حتى أن الوزير السابق ديفيد ديفيس خاطبه، بل نهره، في مجلس العموم متمثلا بقولة البرلماني ليبولد آمري لرئيس الوزراء، نفيل تشمبرلن: «لقد أطلت المقام هنا بما يتجاوز أي عمل أحسنته أو أي خير قدمته. فبالله عليك اذهب!»، كان ذلك في 7 ماي 1940، وفي 10 ماي استقال تشمبرلن، ليخلفه تشرشل. لكن بوجو لا يفقه معنى الاستقالة. لهذا يسعى عدد من البرلمانيين المحافظين الآن إلى إقالته. أي أن الرجل سيرغم (ربما قريبا) على أن «يذهب»… فيحسب في عداد ضحايا الكوفيد.
أما «بطل الكوفيد» الذي أحبه الجمهور في بريطانيا على مدى العامين الماضيين، فهو المستشار الطبي للحكومة جوناثان فان ـ تام. إذ كان إعلانه عن نهاية مهمته لدى الحكومة (دون أن يذكر بوجو بكلمة شكر أو ثناء واحدة!)، وعودته إلى البحث والتدريس في جامعة نوتنغهام، مناسبة لاستذكار الجمهور أسلوبه التعليمي التفسيري المبسط وتصريحاته الطريفة، أثناء المؤتمرات الصحافية اليومية، التي كانت تعقد في 10 داوننغ ستريت، بشأن أحدث تطورات الوباء. فقد كان فان – تام وثابا على أي فرصة تسنح لاستخدام الاستعارة والمجاز، كلما رأى أن ذلك يفيد في تقريب المسائل الطبية إلى الأفهام. على أنه كان يستلهم استعاراته من مجال وحيد وهو كرة القدم، باستثناء استعارتين تتعلقان بالقطارات والطائرات! هكذا قال في نونبر 2020، عندما أثبتت الاختبارات نجاعة لقاحي «فايزر» و«موديرنا» ضد الكوفيد، «إننا في وضع يشبه مرحلة ركلات الترجيح في نهائي الكأس. اللاعب الأول يتقدم، يسدد ويسجل. أي أننا لم نفز بالكأس بعد، لكن ما ينبئنا به هذا، هو أننا قادرون على هزم حارس المرمى». وعندما بدأ برنامج توزيع اللقاح في دجنبر 2020 قال: «واضح أن الفريق الزائر أعطانا طريحة (علقة) في الشوط الأول، وأصاب مرمانا بهدف. الآن بلغنا الدقيقة السبعين وسجلنا هدف التعادل. فمهمتنا إذن هي ضبط أعصابنا وعقد عزمنا على تسجيل الهدف الثاني. أما الأهم فهو عدم الخسارة». وعندما بدأ متحور «أوميكرون» في الانتشار في دجنبر 2021 وتأكدت الحاجة الملحة إلى جرعة التلقيح الثالثة، قال: «لقد أصيب لاعبان في فريقنا، عندما انتشر متحور «ألفا»، ثم متحور «دلتا»، فاضطررنا إلى تعويضهما بلاعبي احتياط… أما ما يعنيه انتشار متحور «أوميكرون»، فهو أن الحكم وجه إنذارين لاثنين من أفضل لاعبينا. ربما تمر المباراة بسلام، لكننا بدأنا نشعر أننا نواجه خطر الورقة الحمراء والاضطرار إلى اللعب بعشرة لاعبين فقط. إذا حصل ذلك، فإن من اللزام على كل لاعب في الميدان أن يجتهد ويحسن الأداء».
بوسطن يونايتد، الصغير الفقير، هو الفريق الذي يحبه هذا العالم ويشجعه حضوريا في الملاعب كل أسبوع. وما تشجيع الفرق الصغيرة بجديد على الشخصيات العامة في بريطانيا: إذ إن وزير الخارجية السابق، جاك سترو، يشجع فريق بلاكبيرن روفرز. أما رئيس الحكومة السابق، غوردون براون، فهو من أحباء فريق رايث روفرز الأسكتلندي، لأن ملعبه قريب من بلدته كيركالدي.
نافذة:
كان فان – تام وثابا على أي فرصة تسنح لاستخدام الاستعارة والمجاز كلما رأى أن ذلك يفيد في تقريب المسائل الطبية إلى الأفهام