شوف تشوف

الرأي

كرة الثلج

عبد الرزاق الحجوي

مع تسرب أنباء عن سن قوانين جديدة لمنع استيراد الكثير من المواد من الخارج، ومع قرار شركة «هيونداي» بعد «فولكسفاغن» الخروج من السوق الجزائرية، بعد بلوغ عجز الميزانية الجارية 22 مليار دولار وهبوط احتياطي العملة الصعبة إلى 40 مليار دولار، قد لا يكون سيناريو يشبه سيناريو انهيار اقتصاد فنزويلا الكارثي أبعد عن الوقوع، خلال سنتين كأقصى تقدير. وهو ما لا تتمناه قيادة المغرب ولا شعبه، حتى لا يصنف مثل هذا الحديث في خانة التشويش المعنوي على هذا الجار. فلا يستبعد بأن يكون هاجس تفادي مثل هذا السيناريو هو وازع مد اليد من جديد، مع تبرئة قيادتي البلدين من أخطاء وقرارات الماضي بشكل جريء وغير مسبوق، في الخطاب الملكي الذي عبر عن عقيدة المغرب الراسخة، مثلما عبر الرد عليه عن عقيدة قصر المرادية الثابتة.
فحتى لا تستفز دراسة وتحليل اتجاه الأحداث أحدا، وجب التأكيد على أن الحديث في هذا الموضوع سيكون في حدود ما يهم المغرب وليس في أسباب هذه الأزمة الاقتصادية ولا في حلولها، فبعد قطع علاقات كانت شبه ميتة، لن يجدي التوسع في الموضوع ولا العودة إلى الحديث عن فوائد وثمار تحقيق الانفراج في هذه العلاقة، لأن الذي يبحث عن السلام عليه أن يستعد جيدا للمواجهة، خصوصا مع نضوب ما تبقى من دماء في جسم العروبة، والذي قد لا يحتاج إنعاشه سوى إلى بذل الجهود والجهود والجهود في سبيل تليين الخلافات وتقوية الروابط، لأن وحدة الأوروبيين ليست مبنية لا على التطابق ولا على الخضوع، مثلما يميل إليه الصدر العربي، بل هي مبنية بالأساس على الكثير والكثير من المفاوضات والنقاشات، التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد والتي تشبه الصراعات في شكلها، فتعفي منها في النهاية. وهو ما يضيق به الصدر العربي عكس نظيره الغربي، وإلا كيف يرغب البعض عن جزيل غلة التسامح ويختار تأبيد أتفه المواقف بأي ثمن؟ وما هو دليل بقاء هذا الدم حيا عند الوجهاء، عندما لا تحل الخلافات أثناء فترات خبوها قبل موجات التشنج والتصعيد؟
فعلى المغرب وضع سيناريو متكامل لهذا الاحتمال، وألا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتهيأ لها وأعد لها العدة، مستفيدا من تراجيديا نزوح الشعب السوري بالملايين نحو الحدود التركية، مثله مثل شعب فنزويلا الذي ما زال غارقا في جحيم الجوع والفقر والنزوح على الأقدام نحو دول كان أغنياؤها قبل فقرائها يحلمون بالعيش في فنزويلا، قبيل سنوات.
فمع تحول منطقة الساحل إلى مرتع للجماعات المتطرفة، سيكون الاحتياط من التسللات الملغومة مانعا لفتح الحدود أمام الهجرات الجماعية، أيا كان منبعها أو سببها، حفظا للأمن بالمملكة، كما أن اختيار مواقع التجميع لأجل تقديم الخدمات الإنسانية من جهة الصحراء سيكون قاسيا مناخيا، لذلك قد يستحسن اختيار مواقع بأقصى شمال منطقة الشرق، على عكس ما يتمناه جيراننا الأوروبيون بالابتعاد عن حوض المتوسط وعن مدينة مليلية المغربية. هذا زيادة على ضرورة مضاعفة نقاط الحراسة وتجهيزها تقنيا، حتى لا تسبقنا ولو بساعة واحدة، كرة الثلج التي يتوقع سقوطها فوق رؤوسنا.
شخصيا مثلما أحلم بالرخاء والازدهار لوطني الصغير ولوطني الكبير تظل نفسيتي مستعدة للعكس وبالقدر نفسه، فالعالم لن يخلو يوما من التناقضات، ولا من الذين يختارون بكامل إرادتهم أخطر وأصعب الخيارات، فالأنظمة التي تسبح ضد التيار وضد مصلحة شعوبها، هي أنظمة لها خصوصية موحدة، لأنه ليس من الصدفة تحليق الجزائر خارج جميع قياسات الطبيعة والتاريخ ضمن سرب يضم بعد فنزويلا كلا من إيران وجنوب إفريقيا. مثلما أنه ليس من الصدفة معاناة شعوب هذه الدول، رغم ما تسبح فوقه أوطانها من ثروات ومن خيرات طبيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى