كحل يشوه الوسائد..
أن تكون كاتبا.. ذلك يعني أنك لن تملك «قلبك» يوماً ما.. يعني أن تكتب بماء عينيك.. وتغرق وأنت مبتسم.. ثم تجد نفسك وحيدا في الشاطئ.. حيا.. لكنك تدرك في قرارة نفسك.. أنك لم تنجُ..
تتملكني حالة غريبة.. أشعر بروحي وكأنها تشبه إلى حد ما ورقة خريف هاربة.. مزاج حساس للغاية يشبهُ في حدّته الشعور بـ»الحاجة» للكتابة..
إنها الواحدة صباحا.. بعد منتصف الشوق..
الواحدة حُلما.. الواحدة وهما.. لا أدري لمَ يصرّ عقلي اللاواعي على إيقاظي في هذا الوقت تحديدا من كل يوم.. أمر غريب.. ومربك.. لكأنه يخبرني بأنه قد حان وقت الاعتراف.. وقت الكتابة..
الوقت الذي نتعرى فيه عن أرديةِ الصمت.. ونتحرر فيه من قيودنا.. ثم نعود ببراءةٍ مطلقة.. مخفّفين من أوزار الذاكرة.. إلى مهد اللغة..
ترى ما الذي يدفعني للاستيقاظ في ليلتين متتاليتين بعد منتصف الليل بذهنٍ يقظ.. وذاكرةٍ هائجة؟
أذلك لأَنِني عزفت عن محاولة التفكير في ما يقلقني.. فصار ما يقلقني شبحا يطاردني عند انتصاف الوقت.. فيوقظني.. لأسهر معه في ليلة طويلة مؤرّقة؟
حسنا كائنا من كنت.. يا من أيقظتني.. تحمّل فاقتي للطمأنينة وعوزي القديم للشعور بالأمان..
ضمّني إليك.. طوّقني بألف ذراعٍ ودثرني بملاءاتِ الأناة الدافئة.. فقلبي الغرّ.. كم نهش الصقيعُ جداره.. سأكتب عنك.. في هذا الوقت تحديدًا..
لأنك نور ينبت في طريقي.. وأغنية خالدة تهتز في رأسي.. لا أدري لمَ أتيت إلى حياتي هكذا.. كفرحة ناقصة ومبتورة.. ففي كل مرة تقذفك الصدف أو اللقاءات المفتعلة.. تطوق عنقي بقلائد حب دافئة وحميمية جدا.. حدّ الموت.. وما أن تستدير حتى تستحيل تلك القلائد إلى أوتاد قاسية.. تخنق مشاعري فأحتضر شوقا..
رأيتك في المنام.. فاتحا ذراعيك عن مداهما.. صارخا في وجه السماء..
– يا لطيف كم أحبها.. تبعثر صداك في المدى.. راحت العصافير تشدو.. والسماء تمطر وردا مختلف الألوان.. واستحالت الأنهار إلى بحيرات تتراقص فيها البجعات.. رأيت آنذاك أطفالا يولدون بلا ألم.. وعشاقا يفترقون دون سهاد..
رأيت أشياء كثيرة.. وحين التفتت لأرفل ناحية حضنك.. بعد أن شاكستني وخزة حب دافئة.. لم أجدك..
كان صوتك حاضرا بصداه.. وكنت غائبا.. غائبا.. دونما أمل.. أريد أن أكتبك.. أكتبك أكثر..
أسعفيني أيتها الكتابة المفعمة بالصواب والخطيئة..
ثمة امرأة هجرها الصخب.. وباعتها الضوضاء للسكون المظلم .. ثمة أوجاع.. رمادها لازال يسد فتحات المداخن.. ثمة صراخ مسجون في زجاجة عطر قديمة.. ثمة كحل يشوه الوسائد البيضاء..
أيتها الكتابة أسعفيني..