يونس جنوحي:
دائما عندما يتعلق الأمر بمشاركة مغربية في مهرجان كان السينمائي، يركز تيار من الصحافة الدولية على المخرجين والممثلين المغاربة أكثر من الأعمال التي يشاركون بها في المهرجان.
إذا ظهر السبب يبطل العجب، إذ إن هؤلاء الصحافيين الأجانب لا يفرقون بين المغرب وإيران، ولا بين جبهة النصرة ومجلس مدينة الدار البيضاء.
ورغم أن الأفلام العالمية التي تصور سنويا بالمغرب في تزايد مستمر، إلا أن هؤلاء الصحافيين يحاولون دائما تقديم المخرجين المغاربة على أساس أنهم يسبحون ضد تيار ما، وأنهم أخرجوا أفلاما سينمائية في بلد لا يعترف بالفن.
والحال أن المشاركة المغربية في مهرجانات وتظاهرات فنية أجنبية تعود إلى سنوات طويلة، قبل حتى أن تولد هذه المهرجانات، مثل «كان» وأخواته.
ففي سنة 1911 مثلا، شارك المغاربة لأول مرة في عرض مسرحي أقيم في نيويورك، وكان وصولهم إلى أمريكا لوحده حدثا حظي باهتمام أكثر مما حظيت به المسرحية نفسها.
يتعلق الأمر بخمسة وعشرين مغربيا يتحدرون من منطقة الريف، جاء بهم منتج أمريكي من أصل مغربي اسمه سي الحسن بن علي، اشتهر بالاشتغال في العروض المسرحية، خصوصا المرتبطة بالسيرك والعروض الراقصة.
هذا المنتج المغربي ربطه عقد بمسارح «برودواي» الأمريكية العملاقة التي تعد اليوم من أضخم شركات الإنتاج العالمية، وعملاقا في عالم الترفيه. وبموجب العقد، أحضر من المغرب خمسة وعشرين رجلا بالجلباب الريفي لكي يشاركوا في عرض من عروض الفرجة، حيث كان يتعين عليهم أداء رقصة محلية، بالإضافة إلى عروض تمزج بين الأداء المسرحي والحركات الرياضية ومحاكاة المعارك واستعمال البنادق.
المسرحية التي تعاقدت «برودواي» مع المنتج المغربي لإنجازها، حملت عنوان «جنة الله»، لكن الصحافة اهتمت بالمشاركين المغاربة أكثر مما اهتمت بالمسرحية.
والسبب أن المنتج كان ذكيا في التسويق للعمل المسرحي، وجعل المشاركين المغاربة يتجولون في نيويورك في شهر أكتوبر 1911، بالجلباب الريفي، وهو ما كان مشهدا استثنائيا.
رؤية هؤلاء الريفيين المغاربة يتجولون بالجلباب الصوفي الداكن والقصير، بين ناطحات السحاب في نيويورك، خلقت حالة من الاستنفار، وتجمع سكان المدينة لكي يشاهدوا «مغاربة» يتجولون بلباسهم التقليدي في أهم الساحات، وفي اليوم الموالي للجولة، صدرت الصحف مخصصة صفحاتها الأولى بعناوين بارزة ومثيرة توثق للحدث الذي كان أهم من المسرحية نفسها.
المثير للانتباه أن أولئك المغاربة كانوا يحملون أرقام ترتيب مغروزة في الجلباب. وتهافت المصورون لالتقاط صور لهم وهم يجولون بأبصارهم بين المارة، موزعين نظراتهم الحائرة بين وجوه سكان نيويورك وبين البنايات الشاهقة والسيارات.
بقي هؤلاء الفنانون المغاربة الأوائل في نيويورك لمدة، واشتغلوا في أعمال مسرحية مع مخرجين أجانب، ولم يمانعوا عندما عرض عليهم مرة أن يؤدوا دور أتراك في مسرحية تركية، واستبدلوا العمامة المغربية بالأخرى العثمانية، وتولى الحلاقون تعديل لحاهم وشواربهم لكي تناسب منظر الأتراك. فيما استغل مخرجون ومنتجون آخرون وجود هؤلاء المغاربة في أمريكا، لكي يخرجوا مسرحيات تتناول مواضيع عربية، وكانوا في حاجة إلى وجوه مسلمين بملامح عربية.
مؤسف ألا أحد من الصحافيين الذين وثقوا للحدث تجرأ على الحديث إلى هؤلاء الممثلين المغاربة الأوائل، لتوثيق قصة مجيئهم إلى نيويورك بحرا. اكتفى المصورون بالتقاط صور صامتة لهم، وتهافت عليهم المخرجون المعجبون بجلابيبهم أكثر من العروض التي قدموها، والتي كانت لا تختلف أبدا في شيء عن العروض التي ما زالت إلى اليوم تؤدى في الأسواق الأسبوعية والساحات.
قبل «كان»، كان وجود المغاربة في تظاهرة فنية حدثا لوحده، وها نحن اليوم ما زلنا نسجل استمرار العادة الغريبة نفسها. تتغير المظاهر، والتفاصيل واحدة.