كان يا ما كان…
سعيد الباز
كثيرة هي الأمور المحكومة ببداياتها، وأحيانا بمساراتها. اتحاد كتاب المغرب يعيش في هذه الآونة الأخيرة أحلك فترات حياته، خاصة في مؤتمره الأخير الذي عقد في طنجة صيف العام الماضي وانتهى به الأمر إلى الفشل. هذه المنظمة الثقافية التي ظلت تقدم نفسها بكونها تجمعا للكتاب المغاربة يسعى إلى النهوض بالشأن الثقافي في البلاد في استقلالية عن الدولة والتجاذبات السياسية كما هو الحال في الكثير من البلدان العربية في ذلك الزمن حيث كانت جلها مجرد أدوات تابعة للسلطة الحاكمة.
ظهر اتحاد كتاب المغرب تحت مسمى آخر وبطموح أكبر من حجمه، كانت الفكرة قد راودت ذهن الكاتب والفيلسوف محمد عزيز الحبابي، وأراد أن يجعل منه إطارا ثقافيا وفكريا لا يجمع فقط الكتاب المغاربة وحدهم، بل يوسع رقعته لتشمل الجزائر وتونس، فسماه «اتحاد كتاب المغرب العربي». لكن الفكرة لم يكن الواقع السياسي يسمح بتحقيقها فاقتصر في النهاية على الكتاب المغاربة، وزالت تلقائيا كلمة العربي من اسمه واختفت.
انطلق اتحاد كتاب المغرب بشكل سريع كواجهة ثقافية ذات إشعاع كبير، فأصدر مجلته «آفاق» واتخذ له مقرا «دار الفكر» حيث كانت تعقد الندوات الفكرية والأمسيات الأدبية. وخلال كل هذه النجاحات الباهرة، ظهر على السطح الخلاف بين الأعضاء وبين جناحين تحديدا، جناح غير مسيس أو ليست له ارتباطات حزبية، ويمثله محمد عزيز الحبابي ومناصروه، وجناح يجمع بين الانتماء الحزبي وعضويته في اتحاد كتاب المغرب من أبرزهم عبد الكريم غلاب ومحمد برادة. النهاية كما هو متوقع آلت الرئاسة إلى الأخيرين الأول رئيسا والثاني نائبا. في هذه المرحلة بالضبط أصبح اتحاد الكتاب انعكاسا للحياة السياسية وصراعاتها في المغرب نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، بعدها بدأت مع محمد برادة مرحلة تعاقب العديد من الرؤساء والمكاتب كان فيها للاتحاد الاشتراكي حضور لافت، وتمت إدارة مشاكل اتحاد كتاب المغرب في كل مرة بأسلوب التوافق والتراضي ساهمت بشكل أو بآخر في تجاوز بعض العراقيل والمطبات أو تأجيلها إلى حين. لم يكن هذا الترابط بين السياسي والثقافي محل رضى بين الجميع، بل ظل سببا من أسباب الصراع الداخلي وتبادل الاتهامات التي كثيرا ما كانت تتفجر في كل محطات اتحاد كتاب المغرب، خاصة أثناء انعقاد مؤتمراته في جو صاخب وعنيف أحيانا، سرعان ما تخمد حدته بمجرد أن تنتهي مشاورات غامضة ومجهولة في مكان ما، لتعود الأمور إلى الهدوء وإعادة الترتيبات وتقديم التنازلات من هنا وهناك.
يبدو الأمر اليوم مختلفا، فالارتباط السياسي والحزبي لم يعد بتلك القوة كما هو في السابق، واتحاد كتاب المغرب في حالة شلل عام، ومن الموضوعية لا من التشاؤم القول إن اتحاد كتاب المغرب يواجه موتا سريريا بطيئا ومن المتعذر حاليا إعادته للحياة دون تفكير في جدواه وضرورته في ظل التراجع المهول للشأن الثقافي والفكري بشكل عام في المغرب.
إن الصراع في اتحاد كتاب المغرب اليوم ليس صراع أفكار أو برامج من قبيل الوضع الاعتباري للكتاب، قضايا النشر والتأليف وإشكالاته، سبل تأطير الفعل الثقافي المغربي داخليا وخارجيا وكيفية تثمينه وإبرازه خاصة في البلدان العربية حيث يحظى الكتاب المغربي بالكثير من الاهتمام… بل صار، للأسف، صراعا من أجل المناصب والمكاسب التي أضحت معلومة ومكشوفة.
إن فك الارتباط بين السياسي والثقافي الذي فرضه الواقع الحالي أدى إلى انهيار رمزية ووظيفة اتحاد كتاب المغرب وبالتالي وجد نفسه مجرد حلبة صراع على ما هو غير ثقافي، ولأن الأمور محكومة ببداياتها ومساراتها يصبح قول المولى عبد الحفيظ: «داء العطب قديم» صحيحا.