كانت المعارك في بدايتها تمتد إلى مشارف العيون وطرفاية قبل أن ينهي الجدار الأمني توغل فلول البوليساريو
مانسيناكش علي عثمان (طيار مغربي أسير سابق للبوليساريو):
19 فبراير، 2024
حسن البصري
حين مات بومدين هل اعتقدتم أن الوضع سيتغير نحو الانفراج؟
بعد وفاة بومدين تم تعيين الشاذلي بن جديد، وهو نسخة من سابقه. تابعنا وفاة رئيس الجزائر كسجناء لا رأي لنا في ما حصل والتغيير لم يكن تغييرا لأسلوب الحكم بل تغييرا من شخص لآخر. طبعا هناك إعلام يحاول إعطاء صورة سوداء عن المغرب، مثلا حين هاجمت فلول عسكرية من البوليساريو مدينة طانطان سنة 1979، في هذا الهجوم الغادر تم اختطاف مئات المواطنين. في ذاك اليوم عبر الجزائريون عن سعادتهم بهذه العملية التي خلفت ضحايا كثرا، بل إن الإعلام الجزائري تحدث عن احتلال مدينة طانطان رغم أنهم قاموا بعملية امتدت ساعتين، علما أن العديد من الأسرى سقطوا ضحية هذا العمل الذي تعددت تفسيراته.
ما السجن المرعب الذي عشت فيه تجربة الاعتقال؟
أجزم أنه سجن الجزائر العاصمة، وهو سجن تم ترميمه أخيرا، لأن الجزائر تهتم كثيرا بالسجون فهي عديدة وكبيرة، ولا يمكن أن يمر عام دون بناء سجن أو توسيعه، علما أن فرنسا خلفت وراءها العديد من المعتقلات المعروفة والسرية. بالنسبة لسجن الجزائر المركزي، حين دخلته لأول مرة اعتقدت أنني أمام شباك تذاكر سينما، بعدها سأكتشف أنني في سجن كبير جدا، هناك أزاحوا عني بذلة الطيران وارتديت بذلة عسكرية قصيرة.
اختلست النظر في السجل الذي كان يتضمن أسماء الوافدين، وقرأت عبارة: «المؤسسة العقابية المركزية للجزائر»، بعدها سيتم تصويرنا ومنحنا أرقاما ودخلنا مرحلة الاستنطاق من طرف ضباط جزائريين، وسط قمع لا حدود له. هناك تم وضعي في الغرفة رقم 10 وهناك ذبلت ونقص وزني بشكل رهيب، وكانت تبعات التعذيب والتهديد تأكل جسدي.
تهديد بماذا؟
كانوا يرددون على مسامعنا اسم البوليساريو، وكانوا يقولون «راه نرجعوكم للجبهة تحبسكم وتعذبكم»، وكانت غرف التعذيب تحتوي على عتاد التعذيب. قضيت شهورا وأعادوني إلى سجن البليدة الرهيب، هناك لم يتعرف علي السجناء بسبب وزني الذي تضاءل في سجن الجزائر. كنا نعيش الموت البطيء والرعب اليومي في سجون الجزائر التي حشرت أنفها في قضية لا تعنيها.
هل كان هناك سجناء جزائريون بينكم؟
من خلال اختلاطي بالجزائريين، خاصة في السجون أو مع المحققين، أكاد أجزم بأن شخصية الجزائري جد معقدة، شخصية غريبة جدا وهذا راجع لكون الجزائر لم تكن يوما دولة قائمة الذات. الانتماء للوطن غائب عندهم، لأنهم عاشوا تحت وصاية العثمانيين وبعدها أصبحوا تحت تصرف الفرنسيين. الغريب أن هذا البلد المستقل يستعين بجلادين فرنسيين أو من دول أخرى لتعذيب السجناء، مرة جاء كومندار فرنسي وهدد جميع السجناء.
هذا رغم أن الجزائر بلد غير معني بالأسرى لأنهم اعتقلوا من طرف البوليساريو..
في عهد هواري بومدين، على الخصوص، كان النظام الجزائري يضمر للمغرب كراهية لا حدود لها، في المراحل الأولى من المعارك في الصحراء، وقبل بناء الجدار الأمني، توغل الجيش الجزائري إلى أماكن لا نزاع حولها، على غرار الهجوم الكاسح في يناير 1979 أو ما يعرف بمعركة لمسايل شمال العيون العاصمة، قرب طرفاية، حيث غنم خلالها الجزائريون العديد من الأسرى بمساعدة البوليساريو، عبر حرب عصابات تم تدريب الصحراويين عليها في دول المعسكر الشيوعي. خلال سنة 1979 بلغت قوة البوليساريو أوجها، حيث تجاوز عدد المقاتلين الصحراويين حاجز العشرة آلاف انفصالي.
هل كانت تدريباتهم تتم أيضا في الجزائر؟
في سجن بوغار شاهدت مجندين في جيش البوليساريو وهم يتدربون على الهجمات المباغتة والمداهمة على يد ضباط أجانب غالبا من المعسكر الشرقي.
في الفترة التي نتحدث عنها كان البوليساريو فتح جبهة أخرى ضد موريتانيا..
هناك عمليات عسكرية قام بها البوليساريو ضد موريتانيا، وهنا أذكر معركتي تيشلا وأم كرين ثم معركة أوسرد. وهي معارك قديمة من حيث الزمن وأعقبت حصول المغرب على الصحراء وتخصيص منطقة وادي الذهب لموريتانيا، عندما دخلت قوات الجيش الموريتاني الجزء الجنوبي من الصحراء، التي كانت المنطقة المتفق على أن تضمها موريتانيا في اتفاق مدريد. ووجهت القوات الموريتانية من مقاتلي جبهة البوليساريو، ما اضطر الجيش المغربي للتدخل لصالح موريتانيا. بنهاية عام 1975، سيطرت موريتانيا على النصف الجنوبي أو ما يعرف بجهة وادي الذهب. إبان المعارك التي كانت مشتعلة في الجبهة الجنوبية والتي استهدفت موريتانيا، ساهمت بدوري في المعارك بالتصدي لفلول البوليساريو حين طلبت موريتانيا دعم الطيران المغربي.