شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

كاميرا غبية

لطالما أثار استغرابي الربط العجيب بين صيام رمضان والحاجة الملحة إلى الضحك. ما سر رغبة الصائمين في «التكرشيخ» ساعة الإفطار؟ وهل هناك تفسير علمي لهذه الظاهرة السيكولوجية المقلقة؟ لماذا يصر المغاربة على الدخول في هيستيريا ضحك جماعي مباشرة بعد أذان المغرب؟ هل الأمر متعلق بنسبة حموضة المعدة بعد ساعات طويلة من الصيام؟ أو بتركيز حموضة الحريرة البلدية، حتى يشعر الصائم بشكل لاإرادي بالحاجة إلى المزيد من الحموضة حتى يعادل مستويات PH في دمه؟ يظل إيجاد تفسير منطقي لظاهرة الفكاهة الرمضانية أمرا مستعصيا على الفهم.

مقالات ذات صلة

إذ كيف تحولت الروحانيات المرتبطة بشهر الصيام إلى مقاطع هزلية رديئة وصراخ وألفاظ نابية؟ ماذا دهى الذوق العام للمغاربة حتى يطبعوا مع التفاهة، بل، الأسوأ من ذلك، أن يتم تجريد شهر رمضان من هالته القدسية وطقوسه الروحانية التي من المفروض أن تجلب الأمان والطمأنينة للنفس البشرية؟ ما المغزى من قضاء يوم صيام طويل، لتفطر بعدها على وقع أصوات نهيق الكاميرا الخفية، أو المشاهد الهابطة لمجموعة من الحلايقية وهم يتفوهون بأغبى «الإفيهات» وأحمض المقاطع؟ يبدو أن المغاربة حريصون جدا على التنزيل الفعلي للمثل الشعبي القائل: صام حتى صام وفطر على بصلة، غير أن للبصل قيمة غذائية عالية بخلاف تفاهة التافهين.

من المثير للاهتمام كيف أن المغاربة هم في الأصل شعب خفيف الظل محب للنكتة والتقشاب. فلماذا، إذن، يعجز «فنانونا» عن تقديم كوميديا واقعية تحاكي الحس الفكاهي الشعبي؟ لماذا يملك المغربي قدرات فكاهية عالية، سواء في الشارع العام أو الأسواق، أو التجمعات العائلية أو الحلقة أو جلسات البرلمان، بينما تتبلد مشاعره أمام الكاميرا؟ من المعلوم أن معاناة الشعب المغربي مع حموضة الإنتاجات الدرامية، خلال شهر رمضان، كانت ولازالت حديث الساعة كلما اقترب الشهر الفضيل.. حيث يعبر المواطنون عن تأففهم واشمئزازهم من الأعمال المعروضة، بل يقسم معظمهم بأن يقاطعوا القنوات المغربية. غير أن أرقام المشاهدات المرتفعة للمسلسلات والسيتكومات تقول عكس ذلك، فلماذا يدعي المغاربة مقاطعة التفاهة علنا، ليتابعوها سرا؟

من الإنصاف الاعتراف بجودة الإنتاج الدرامي المغربي في الخمس سنوات الأخيرة، حيث لاحظنا تحسنا طفيفا من حيث نوعية المواضيع المختارة، وتقدما محترما من حيث تقنيات التصوير والأداء والحوار. إذ ظلت التلفزة والسينما في بلادنا، ولعقود طويلة، حبيسة الأسلوب الفرنكفوني الباهت في السيناريو والإخراج، لتقدم لنا أعمالا بطابع بدائي بسيط مقارنة مع ما تقدمه مصر وسوريا، مثلا. غير أن هبوب رياح الاستثمارات الشرقية على المشهد التلفزيوني المغربي ساهم في تحسين جودة بعض الإنتاجات الدرامية، وخاصة الرمضانية. إذ تناولت العديد من المسلسلات مواضيع اجتماعية كانت إلى وقت قريب تعد من الطابوهات، مثل الإدمان والعنف الأسري، والتحرش في أماكن العمل أو الجرائم الإلكترونية وغيرها من القضايا المجتمعية الراهنة. غير أن العنوان العريض للإنتاجات التلفزية يظل عبارة عن سطحية في الأفكار وركاكة في الأداء، بل، الأسوأ من ذلك، نلاحظ أن مجموعة كبيرة من المسلسلات ما هي إلا نسخ رديئة من الدراما الأمريكية أو اجترار وإعادة تدوير للخردة التركية والكورية. في ظل هذه «الحصلة» الفنية التي نقع فيها كل سنة، نتساءل ما تطلعات وانتظارات المغاربة من دراما رمضان 2024؟

يجوز لنا القول إن الفن ليس فقط محاكاة للحياة بل هو واقع مواز نستطيع من خلاله اختبار الممكن والمستحيل. من المؤسف أن الدراما المغربية تحصر نفسها في مواضيع تجارية مستهلكة تم التطرق إليها آلاف المرات، في الوقت الذي يعج واقعنا بقضايا ملحة تستحق تسليط الضوء عليها بطريقة احترافية ومبتكرة. وكمثال على ذلك، الهجوم الكبير الذي تتعرض له بلادنا من طرف المتربصين بتراثها وتاريخها وماضيها. من المعلوم أن الأفلام والمسلسلات تعتبر وثائق تاريخية مهمة، بل وتعد أرشيفا نرجع إليه كلما أردنا الاطلاع على أحداث فترة زمنية معينة. صحيح أن الأرشيف الفني المغربي يحتوي على بعض الأعمال التي توثق للزي والتقاليد المغربية، مثل فيلم «البحث عن زوج امرأتي» أو فيلم «كيد النسا»، أو مجموعة أعمال المخرجة فاطمة بوبكدي. غير أن هذا الأرشيف يظل هزيلا مقارنة مع الزخم التاريخي والغنى التراثي للمملكة.

لكن يبدو أن بوادر التغيير تلوح في أفق دراما رمضان لهذا العام، في ما يتعلق بالأعمال التراثية، حيث شاهدت أخيرا إعلانا لسلسلة سوف تتطرق إلى فن عيش المغاربة قديما، من خلال عرض قصص لأهل فاس وحرفها التقليدية وتراثها العالمي. الاهتمام بالماضي لا يجب أن يشغل كتابنا عن تسليط الضوء على قضايا سياسية راهنة، خصوصا أن سريالية المشهد السياسي في بلادنا تحمل جميع مقومات عمل تراجيدي ينافس على «الأوسكار».

لماذا يخشى السيناريست السياسة؟ ولماذا يشيح المخرج بكاميراته عن الدراما السياسية؟ يظل هذا السؤال استنكاريا نعلم إجابته جميعا. ختاما لا نملك إلا مناشدة القائمين على الإنتاج الرمضاني لهذا الموسم، ضرورة مراعاة أمراضنا العضوية المزمنة، كالسكر والطونسيو والمرارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى