شوف تشوف

الرأي

كازاخستان و«الحماية» الروسية

 

مقالات ذات صلة

عبد الوهاب بدرخان

 

مطلع السنة الجديدة، الكل يراقب الوضع على الحدود بين أوكرانيا وروسيا، ويترقب محادثات أمريكية روسية وأطلسية روسية، بحثا عن تسوية تخفض التوتر وإن لم تحل الأزمة، فلا حل ناضجا بعد، ولا صيغة يمكن أن ترضي الروس والأمريكيين والأوروبيين في آن معا.. لكن المفاجأة جاءت من كازاخستان، الدولة الأكثر استقرارا في آسيا الوسطى، سواء لأنها على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا، أو لأنها الأغنى في المنطقة ولديها اقتصاد قوي بفضل احتياطيها من النفط والغاز، وكونها المصدر الأكبر لليورانيوم المستخدم في المفاعلات النووية. وقبل ذلك، كانت بيلاروسيا مسرحا لحراك شعبي، احتجاجا على نتائج انتخابات غشت 2020.

هل من علاقة بين الحالات الأوكرانية والبيلاروسية والكازاخية؟ لعل أبرز المشتركات في ما بينها، أنها لا تزال تُعرف كدول «سوفياتية» سابقة، أما وجودها على تماس حدودي مع الاتحاد الروسي، فيجعلها عرضة مباشرة لنفوذه المتمدد. لم تجد روسيا صعوبات تُذكر لإبقاء بيلاروسيا وكازاخستان في فلكها، إذ ضمنت علاقة وثيقة معهما من خلال استمرار رأسيهما ألكسندر لوكاشينكو ونور سلطان نزارباييف في السلطة، بعد استقلال الدولتين عن الاتحاد السوفياتي عام 1991.

أدى الاستقلال إلى تغييرات شكلية في النظامين ولم يشكل فارقا جوهريا على مستوى الحريات العامة والحقوق، غير أن كازاخستان عدلت نظامها الاقتصادي وقوانينها لتتمكن من استقبال استثمارات غربية، خصوصا في قطاعها النفطي. اختلف الأمر بالنسبة إلى أوكرانيا واقترن استقلالها في العام نفسه، بالبحث عن هوية جديدة أسوة بدول اشتراكية سابقة سارعت إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لتصبح تلقائيا لها عضوية في حلف الأطلسي (الناتو). ومع أن «الثورة البرتقالية» (2004) بدت حاسمةَ في التوجه غربا، إلا أن الموقع الجغرافي لأوكرانيا والانقسام السياسي الداخلي والتحذيرات الروسية، وحتى الحذر الأطلسي، ساهمت في تأخير هذه الخطوة.

ثم إن عودة أنصار روسيا إلى الحكم في عام 2010، سمحت لزعيمهم فيكتور يانكوفيتش بفرض مزيد من التأخير، إلى أن طلب في مطلع 2014 وقف إجراءات الارتباط بأوروبا الغربية، فواجه انتفاضة شعبية واضطر عمليا إلى التنحي والفرار إلى شرق البلاد. اعتبرت روسيا ما حصل مخططا غربيا، وردت عليه بضم شبه جزيرة القرم ودعم تمرد أقاليم شرقية على السلطة في كييف. لم تردْ كازاخستان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولا بيلاروسيا بطبيعة الحال، بل التحقتا بمعاهدة الأمن الجماعي التي هندستها روسيا. لكن أوضاعهما الداخلية مضطربة، اقتصاديا وسياسيا. قبل نحو عامين طالب الشارع الغاضب لوكاشينكو بالتنحي، فاشتكى من «عدوان خارجي» وبادر إلى طلب «حماية» روسية، وتمكن من إخماد الاحتجاجات.

أما نزارباييف فتنحى تلقائيا عام 2019 وحافظ على نفوذه، بعدما اختار قاسم جومرت توكاييف خلفا له، لكن قرار رفع أسعار الوقود أطلق حملة احتجاج بدأت بالظروف المعيشية، ثم ظهرت دوافعها السياسية عندما توسعت ورافقتها أعمال عنف واعتداءات على المقار الحكومية. وبعدما حذر توكاييف من تعرض بلاده لـ«خطر إرهابي» لم يتأخر التدخل الروسي، بموجب المعاهدة، «للقضاء على تدخل خارجي» حرصت واشنطن على نفيه، تماما كما تنفي موسكو التدخل السيبراني في الانتخابات الأمريكية والأوروبية. كل شيء يبدأ داخليا ثم يتدول، فمنذ تجربة ما سمي «الربيع العربي» وتداعياته، أصبحت هناك خشية من «العدوى»، وكازاخستان بالنسبة إلى موسكو هي ركيزة الاستقرار بالمنطقة الواقعة بينها وبين الصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى