شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

«كارول».. علاقة مثلية ممنوعة في الخمسينات

فيلم «كارول» للمخرج تود هَينز، الذي يتناول قصة حب ممنوع في خمسينيات القرن الماضي تربط بين شخصية مرموقة في المجتمع (تقوم بدورها الممثلة كيت بلانشيت) وعاملة في متجر (تجسدها الممثلة روني مارا)، أحد أفضل الأفلام التي أُنتجت هذا العام، على حد قول النقاد. وهو مأخوذ عن رواية «برايس أوف سولت» (ثمن الملح) للكاتبة باتريشيا هايسميث، التي صدرت عام 1952، باسم مستعار للكاتبة.

طبيعة التصميم الفني لـ«كارول» تجعله يبدو، مثل «فار فروم هيفن»، عملا سينمائيا تقليديا يستهدف استدرار الدموع، ولكنه يتضمن في جوهره تماما ما يمكن اعتباره حدثا أسطوريا وقع في زمن غير زمنه، ألا وهو علاقة حب مثلي ممنوعة.
واختار أن يعكس لنا الصورة الحقيقية التي كانت عليها الحياة في تلك الفترة، فالحياة كانت أكثر قتامة واهتراء وسكونا وأيضا غموضا، مع إشارات ضمنية مستمرة طيلة الأحداث لأجواء الكآبة التي سادت أواخر عقد الأربعينيات.
كما أنه فضل أن يستهل الفيلم بمشهد افتتاحي، تدور أحداثه في قسم لعب الأطفال بأحد المتاجر خلال احتفالات عيد الميلاد، بطابع عصبي تقريبا، ينبع من ذاك الجمود والسكون الذي تتسم به تفاصيله التي تعود إلى عصر ما قبل الثورة التكنولوجية. والذي يعتبر مكانا مثاليا لكي تلتقي شخصيتان؛ أولاهما تريس (روني مارا)؛ فتاة من هؤلاء الفتيات العاملات في المتاجر، تكسوها الكآبة، التي لا تتناقض معها سوى قبعة سانتا كلوز (بابا نويل)، التي ترتديها وتشكل الشيء الوحيد المبهج المرتبط بها. أما الثانية فهي كارول (كيت بلانشيت)، سيدة جذابة للغاية وقادرة على إغواء الرجال، ترتدي معطفا من فرو المنك. وتبدو في المشهد على وشك افتراس «تريس» بنظراتها الناضجة على نحو فاحش، كما تحدثها بصوت مختال ذي طبيعة أرستقراطية يلمح بالخطيئة في طياته. وسلوكها المليء بالإيحاء هذا دون أن تفصح عما تريده كان مبرر للغاية، فمع أنها سيدة ثرية ذات وضع اجتماعي متميز، إلا أنها عالقة في مجتمع لا مكان فيه لرغباتها، ولذا لا خيار لديها تقريبا سوى الإيحاء بما ترغب فيه. فبدأت كارول غزل مشاعر الحب والعلاقات الغرامية مع قلب تريس، والتي كان لابد من إسدال غطاء التكتم والسرية عليها نظرا لأنها كانت تحاول توسيع مدارك الفتاة الأخرى الأصغر منها سنا، على مشاعر لم يكن هناك وقتها من يمكن حتى أن يتحدث بشأنها، خلال وجبة غذاء.
قصّة حب مرهفة هادئة رقيقة أنثويّة في مجتمع هائج متوتّر كانت الذّكورية فيه، من الزّوج حتى القضاء، النّقيض المقابل لجميلتين تعيشان اللحظات الأولى من علاقة حب. كارول لم تستسلم لهذا التسلط الذكوري الذي كان يمارسه عليها زوجها السكير المهووس بالغيرة وحب التملك، بل طلبت الطلاق والحضانة المشتركة لابنتهما الصغيرة. وهذا ما يفسر الإرادة والرغبة الجنونية في حياة يمكن أن تحدد فيها رغباتها في عز النهار. متحدية بذلك المضايقات القضائيّة من زوجها السابق ومن عائلته التقليديّة، وقيود الزواج من رجل نشاهد عنفه اللفظي وتهديداته، فيحاول الأخير الاحتفاظ بابنتهما متهماً كارول بالانحراف بعدما كلّف عميلاً بالتنصّت عليها هي وتريس في فندق على الطّريق، مسجّلاً أصواتهما أثناء ممارستهما الحب ليُستخدم التسجيل ضمن ملفّات قضيّة النزاع على حضانة الطفلة المتعلقة بأمها. وفوق كل هذا تتحدى المجتمع الذي يستنكر علاقة مثليتين في تلك الحقبة، باحثة عن حب هادئ لم تجده سوى لدى تريس.
الفيلم عكس الجمال والحب وهو الشيء الذي بدا بارزا من خلال ملصق الفيلم. الذي ظهرت فيه بلانشيت بجمالها الجذاب الراقي الهادئ، وبالتالي كان الملصق الطُّعم الحلو الذي أودى بنا إلى فيلم قد يكون أجمل ما يمكن أن تبدأ به السنةُ الجديدة سينماها. الشيء الذي يفسر بنيله للعديد من الجوائز في العديد من المهرجانات كما أنه مرشح لنيل جائزة الأوسكار في فبراير الجاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى