تلقى كارلوس، منذ سنة 2017، اتهامات كثيرة بالمبالغة والكذب عندما أتى على ذكر بعض الشخصيات العربية. لكن المثير أن الجزائريين لم يقوموا بأي رد على أقواله حتى عندما عرض الإعلام الفرنسي صورا حية وثقت لزياراته إلى الجزائر مرات كثيرة بل وكان في استقباله في المطار أمنيون جزائريون من مستوى رفيع يتقدمهم وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة الذي أصبح رئيسا للجزائر عندما أصبح كارلوس محبوسا في زنزانته بمركزية «بواسيي» الفرنسية وتتابع الصحف جلسات المحاكمة أولا بأول، وتنقل للفرنسيين ألغاز الجرائم التي ارتكبت في فرنسا ودول أخرى وراح ضحيتها شخصيات سياسية ومعارضون كبار لأنظمة عربية.
لماذا لم يرد الجزائريون؟
سؤال ملح فعلا، خصوصا وأن كارلوس لم يكن نادما على أي عملية نفذها، بل وقدم نفسه مدافعا عن الثوار والقضية الفلسطينية، في حين أن بعض العمليات التي نفذها لم تكن تمت بصلة لقضايا التحرر، وإنما كانت خدمة لأنظمة دكتاتورية، مثل نظام الهواري بومدين في الجزائر، أو القذافي في ليبيا، وحتى مع حافظ الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق.. وكلها أنظمة تهاوت لاحقا وانتهى مؤسسوها نهاية مأساوية.
المثير أن كارلوس ذكر أن عبد العزيز بوتفليقة سلمه مبالغ مهمة جدا، وهما على أرضية المطار وفي مناسبات متفرقة. أموال قدمت لكارلوس كتحفيز لكي ينفذ مخطط الهواري بومدين في المغرب. وكانت تمنح له في حقيبة مغلقة وهو في الثواني الأخيرة يستعد لركوب الطائرة التي يضعها بومدين رهن إشارته ما بين سنوات 1976 و1978، ويتحرك بجواز جزائري. كانت تلك الطائرة تنقله إلى اليمن، السودان، والأردن وسوريا، وعندما ينزل في المطارات لا يكون مضطرا لكي يقدم ما بحوزته للتفتيش. جوازه الجزائري الرفيع، جواز خدمة، كان يعفيه من الانتظار والإجراءات.
بالنسبة للهواري بومدين، لا داعي طبعا أن نذكر أنه توفي سنة 1978، وهي السنة نفسها التي ضرب خلالها الموعد لكارلوس لكي ينفذ عملية اغتيال الملك الحسن الثاني في المغرب. بل يؤكد كارلوس أن وفاة الهواري بومدين هي وحدها التي أنهت العملية، وأصابت الجنرال الدليمي بالإحباط.
شعور الدليمي بالإحباط
حسب رواية كارلوس التي نقلها إلى الصحافي لاسلوليسكاي، والتي ركز معه فيها على قضايا شمال إفريقيا والشرق الأوسط وعلاقاته مع زعماء عرب خلال فترة السبعينيات، ذكر كارلوس أن معرفته السطحية بالجنرال الدليمي والتي لم تتطور إلى صداقة نهائيا، جعلته يتأكد أن الجنرال أصيب بإحباط كبير عندما توفي الهواري بومدين، لأن الأمر كان يعني بالنسبة له نهاية الصفقة.
كان المال، حسب كارلوس، هو المحرك الأكبر لكل شيء. كارلوس نفسه لولا المال لما انخرط في العملية التي كلفه بها الهواري بومدين ووضع رهن إشارته مدير المخابرات الجزائرية ومسؤولا أمنيا جزائريا آخر، بالإضافة إلى وزير الخارجية نفسه، عبد العزيز بوتفليقة، لكي يتابعوا معه العملية بل ولكي ينفذوا تعليماته.
لماذا لم يرد الجزائريون على هذه الاتهامات سنة 2017، علما أن الشخص الذي يقول كارلوس إنه كان شريكا له هو رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي كان صديقا لفرنسا.
حسب كارلوس دائما، فإن الجنرال الدليمي كان يعرف خلفية كارلوس جيدا، ويعرف أعماله وتحركاته، والسبب أن الجنرال الدليمي كان يتابع، وهو على رأس «لادجيد»، وبصفته أيضا مسؤولا أمنيا كبيرا في الدولة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، العلاقة بين كارلوس والمعارضين المغاربة.
والأكيد أن الجنرال الدليمي كان يعرف أن كارلوس كان يتحرك في مجال الحركات التحررية ونصرة القضية الفلسطينية، لكن ما كان يهمه هو المال، لذلك تعامل معه بحذر. فقد كانت المخابرات المغربية تعرف أمورا كثيرة عن كارلوس، بفضل مخبريها في فرنسا، أولها أن كارلوس كان يقدم خدمات لمعارضين مغاربة وحصل منهم على المال ووعدهم بتمكين بعض الشباب من دخول الأراضي الفلسطينية، بل وتنفيذ عمليات استشهادية هناك.
استغل كارلوس حماس الشباب المغربي وطموحات المعارضة التي كانت ترى في محمد الفقيه البصري قدوة لها، لكي يراكم المال.. لكن هل ستنطلي الحيلة على الجنرال الدليمي؟