قيادات من رحم المخيمات
زعماء وسياسيون وفنانون ورياضيون تخرجوا من مدارس التخييم الصيفية
ليست الحركة التخييمية في المغرب وليدة مرحلة الاستقلال، بل كان لها حضور حين كان المغرب تحت الحماية الفرنسية بالخصوص من خلال جمعيات كولونيالية، كما ظهرت جمعيات مغربية قبل الاستقلال اهتمت بالتخييم من خلال الكشفية التي كانت تشجع الشباب على أنشطة الهواء الطلق، لكن لا يمكن عزل التربوي عن السياسي في هذه الحقبة الدقيقة من تاريخ المغرب.
في كتابه «مسارات التخييم بالمغرب» يتحدث محمد القرطيطي بصفته قطبا من أقطاب الجامعة الوطنية للتخييم، يؤكد أن المعطيات المتوفرة حول نشأة المخيمات بالمغرب «شحيحة وناتجة عن غياب الدراسات والبحوث الميدانية التي لم تواكب المرحلة»، لكنه لا ينفي اعتماده على تجارب خاصة في بحثه.
من جهته يصر الخبير المالي إدريس الأندلسي، الذي كان فاعلا في الحركة التخييمية، على زواج التربوي بالسياسي في بدايات التخييم في المغرب، ودور حزب الاستقلال ومن خلاله الكشفية الحسنية ومنظمة الكشافة الإسلامية في عهد محمود العلمي أحد قدماء ثانوية مولاي إدريس بفاس، و»لاميج» وحركة الطفولة الشعبية ومنظمة الطلائع والشعلة والأوراش وغيرها من التنظيمات النقابية والسياسية التي جعلت من المخيمات مدارس لتلقين أفكارها للطفولة والشباب.
لا يمكن تبخيس الدور الذي لعبه محمد الكحص صاحب مشروع «العطلة للجميع»، الذي استهدف مئة ألف طفل، ووفر الإمكانيات ورفع من منحة التغذية التي لم تكن تتجاوز ستة دراهم، رغم أن أغلب الجمعيات التي نشطت في السبعينات كانت ذات مرجعية سياسية، وغالبا ما كانت تجد في سلسلة الأطلس فضاء لأنشطتها خاصة في عين خرزوزة وبن صميم وعائشة مبارك، دون أن ننسى المعمورة.
ويبقى مخيم طريق الوحدة تحت إشراف محمد الخامس وولي عهده مولاي الحسن أكبر تجمع للطاقات الشابة، وأول مدرسة للوطنية المغربية.
باجي قائد السبسي رئيس تونسي في مخيم صيفي بإفران
بعد حصول المغرب على الاستقلال، تدخل الملك محمد الخامس من أجل تكوين الجامعة الوطنية للكشفية المغربية، كما احتضن المغرب سنة 1959 تجمعا للكشافة على المستوى المغاربي بمدينة إفران، جمع أقطاب الكشفية في المغرب والجزائر وتونس ثم ليبيا، وكان من بين ممثلي الكشفية الحسنية شاب يدعى محمد بن حسونة الباجي قائد السبسي، الذي سيصبح يوما رئيسا للجمهورية التونسية.
استقبل الأمير مولاي الحسن الرئيس الشرفي للكشافة، الضيوف المغاربيين، كما رفع الملتقى برقيات إلى ملك المغرب ورئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ولرئيس الجمهورية التونسية وملك ليبيا يحييهم ويبشرهم بتوحيد المناهج الكشفية في بلدان المغرب العربي ويعبر عن أمله في تحرير الجزائر.
يقول قائد السبسي في خطاب أمام تجمع للمحامين: «تعلمت الترافع منذ صغري وأنا في مخيم بمدينة إفران المغربية، حيث كنا نلعب كل مساء لعبة المحاكمة وكنت أتولى دور الدفاع عن متهم مفترض»، وهو ما يؤكد مكانة هذه المخيمات في حياة هذا المحامي الذي سيصبح رئيسا لحزب سياسي ولتونس.
أسدى الحسن الثاني للكشفية الحسنية أجل الخدمات، وقدم لها ما يساعدها على القيام برسالتها، من أجل ذلك قرر المكتب الكشفي العالمي منحه عام 1963، لقب الرئيس الشرفي للمجلس الأعلى للحركة الكشفية العالمية، الذي يضم ملوك ورؤساء الدول المنخرطة، وتم ذلك بواسطة مبعوث خاص حظي بمقابلة جلالته بالرباط لهذه الغاية، بل إنه منح إذنه الشريف بتنصيب ولي عهده سيدي محمد يوم 7 أبريل 1968 شبلا أعظما.
بعد عشرين سنة، وجه الملك الحسن الثاني يوم 26 ماي 1988، وهو يفتتح أشغال المجلس الأعلى للماء نداءه التاريخي إلى شباب هذه الأمة، ويلفت انتباهها إلى أهمية الحركة الكشفية فقال: «أدعوكم لاستلهام روح وفلسفة ومتعة التربية الكشفية، فنحن الذين أدركنا حقيقة قيمة التربية الكشفية، وعرفنا مصالحها وما في طياتها من نعم، نأسف عميق الأسف لأن أبناءنا وحفدتنا لا يعرفونها وربما لن يعرفوها».
أحمد اليزيدي.. من التخييم إلى رئاسة جامعة الكرة
شجع الملك محمد الخامس الشباب بولوج العمل التطوعي، وظلت ذكرى عيد الشباب فرصة لوضع ولي العهد مولاي الحسن في دائرة القرار الجمعوي والسياسي، لذا حرص الملك على الدفع بابنه في المعترك الشبابي، وفي عهد الحماية نظم بالقصر الملكي حفل بمناسبة عيد الشباب دعيت إليه أطياف من الهيئات الجمعوية.
كان بعض ممثلي الجمعية الرياضية الرباطية السلاوية المؤسسة بالرباط، حاضرة في القصر، وهي الجمعية التي انبثقت عنها مجموعة الكشاف المغربي، تحت إشراف الوطني أحمد بن غبريط ورئيس الفرقة، وأحمد اليزيدي والسيتل العيساوي وغيرهم. هؤلاء كانوا من يشكلون الرعيل الأول للشباب المستفيد من المخيمات تحت إشراف مكتب للشباب مكون من الفرنسيين، وشكل هؤلاء الشباب النواة الأولى للحركة الشبابية.
كشف اليزيدي للملك محمد الخامس عن نشاطه الصيفي والتمس منه ليأذن لولي عهده مولاي الحسن برئاسة هذه الجمعية الكشفية والإنعام عليها باسم صاحب السمو (الكشفية الحسنية)، فيقبل محمد الخامس الفكرة ورد بالقبول. يقول أحمد معنينو في مقال صدر بمجلة دعوة الحق:
«أخذ الملك باقة زهرية بيده وخرج إلى مكان الاستقبال دون علم ولا دراية لباشا الرباط وسلا والحكومة بكل ما لديها من أعوان وأنصار، وعلم بالأمر بين الشباب فحضرت عناصر الكشافة بزيها الرسمي، وبلغ عدد الأفراد نحو 20 شخصا، والتف حوله شباب العدوتين: سلا والرباط بباب زعير، هناك وقف اليزيدي أمام العلم المغربي الزاهي، والباقة الزاهية العطرة بين يديه لتقدم لولي العهد، لكن المراقبة والجواسيس اندهشوا جميعا من هذه المغامرة، حيث البوليس السري والجهوي الكشافة وأبعدهم عن مكان الاستقبال الرسمي، وفي هذه الدقيقة الفاصلة ينطلق صوت شباب العدوتين وكأنه الرعد القاصف «يحيى جلالة الملك، يحيى ولي العهد».
بعد مشاورات مع ولي العهد تم تأسيس العصبة المغربية الحرة لكرة القدم بالمغرب، وكان يرأسها أحمد اليزيدي وكان أعضاء مكتبها: عبد السلام بناني من البيضاء، إدريس ابن شقرون من مراكش، السيتل العيساوي الكاتب العام من الرباط، الحاج عبد اللطيف الغربي من الرباط، أحمد بن بوشتا من فاس، عبد السلام الجزولي من الجديدة وغيرهم.
بعد الاستقلال عين محمد الخامس ولي عهده رئيسا شرفيا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بعد ميلادها، كما وافق على تعيين أحمد اليزيدي كأول رئيس فعلي لها، مما حول منصب رئيس الجامعة إلى «مجال محفوظ للملك».
الفلوس.. التقى الملوك الثلاثة وجمع بين المسرح والكشفية والسياسة
يعتبر عبد الكريم الفلوس واحدا من رواد الكشفية المغربية الأوائل في المغرب، فقد حرص منذ طفولته على الانخراط في قطاع كان يشكل فسحة للتوعية والتثقيف والاعتماد على النفس، لاسيما في ظل وجود هيمنة على الحركة الكشفية من طرف المستعمر الفرنسي الذي كان يخشى أن تتحول إلى مدرسة لإنجاب قيادات معارضة لنظام الحماية.
انخرط عبد الكريم مبكرا في حزب الاستقلال وأصبح ذراعه الشبابي، في ما يشبه الشبيبة الاستقلالية، واقترب أكثر من رموز المقاومة، بل إنه استطاع استقطاب كثير من المقاومين للحركة الكشفية.
كشف عبد الكريم عن مؤهلاته خلال الإعداد لمشروع طريق الوحدة، وانضم لخلية التنظيم التي اتخذت من قرية إيكاون مقرا لها، هناك كتب له أن يلتقي بالملك محمد الخامس في الخامس من يوليوز 1957 وقدم له عرضا حول البعد الوطني لمشروع طريق الوحدة، ورافقه في رحلة تفقدية بمختلف مخيمات المشروع، لقد تبين أن عبد الكريم الفلوس، الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية، كان من أهم الأطر المنظمة لطريق الوحدة.
التقى عبد الكريم مباشرة بالحسن الثاني وهو حينها وليا للعهد، وتبين لهذا الأخير أن الكشفية مدرسة حقيقية استحقت أن تحمل اسمه. وخلال المؤتمر الكشفي العربي الخامس الذي أقيم بالمغرب سنة 1962.اختير الفلوس عضوا باللجنة الكشفية العربية إلى غاية 1964 وكان له جهده المشكور في إثراء أعمال هذه اللجنة. وفي عام 1980 منحته الهيئة الكشفية العربية قلادة الكشاف العربي نظرا لجهوده البارزة على المستوى العربي والمحلي.
لكن المسرح يظل أبرز اهتمامات الفلوس، حيث كان وراء تغلغله إلى وجدان المغاربة، بل إنه كان وراء تأسيس مدرسة المعمورة من أجل احتراف التمثيل مع فرقة المسرح المغربي التي كان يرأسها، في منتصف الأربعينات.
خلال هذه المحطات التقى عبد الكريم بالملوك الثلاثة، مع محمد الخامس في فترة الإعداد وأثناء تنفيذ ورش طريق الوحدة، وفي الورش مع الحسن الثاني الذي كان وليا للعهد، كما التقى بمحمد السادس وهو لازال طفلا يخطو أولى خطواته في درب الكشفية. وفي كل المحطات يكبر الرجل في عيونهم بفيض طموحه ووطنيته الجارفة، لذا تم تكريمه بإطلاق اسمه على أكبر مركز للكشفية في المغرب.
عبد الواحد الراضي.. يتلقى دروس الوطنية بالمعمورة
بدأت علاقة القيادي الاتحادي عبد الواحد الراضي بالتخييم التربوي منذ أن كان عمره لا يتجاوز العشر سنوات، الذي بدأه منذ العشر سنوات الأخيرة من الحماية ومرحلة الاستقلال، إذ ترجع أول علاقة بالمخيم لسنة 1949 حين خضوعه لتدريب تحضيري خاص بأطر المخيمات الصيفية بغابة المعمورة بضواحي مدينة سلا، الذي كان الأول المنظم باللغة العربية، بعدما لم تكن تلك المخيمات في مرحلة أولى، متاحة على مستوى الاستفادة والتأطير إلا للفرنسيين وحدهم، ليشمل هذا النشاط التربوي في ما بعد ذلك تلاميذ المدارس العمومية المغربية، وأقرانهم بالمدارس الحرة لا حقا.
يتناول كتاب «المغرب الذي عشته ..سيرة حياة» والذي حرره حسن نجمي، مسألة التخييم الصيفي فيقول: من تحرير حسن نجمي، يحكى الراضي عن ذلك بالقول: «في لحظة معينة بدأ التفكير في تنظيم مخيمات خاصة بالمغاربة. لكن ما كان ينقص أساسا هو الأطر المغربية، وهو ما دعا إلى المبادرة بتنظيم تدريب تكويني خاص بالأطر التي ستشرف على تسيير المخيمات الموجهة إلى المغاربة».
كانت المعمورة في عهد الاستعمار مدرسة فلاحية قبل أن يتم تفويتها لمصالح الشبيبة والرياضة التي كانت إدارتها في ظل الحماية، وفيها تم تنظيم المخيمات الصيفية لأطفال المناطق الداخلية، حيث كان المؤطرون يأخذونهم إلى المناطق الساحلية، وكان الراضي واحدا من القادمين من عمق سهول الغرب.
في نفس السيرة الذاتية يتحدث عبد الواحد عن التدريب التكويني في مجال تأطير المخيمات: «في هذا التدريب التكويني، التقيت من بين المؤطرين الذين تكلفوا بتأطيرنا وتكويننا الهاشمي بناني سي محمد الحيحي، سي العبدي، سي عبد اللطيف الباشا، وكذا سي محمد بنسعيد الذي جاء بدوره مثلي قصد اجتياز هذا التدريب، حيث كان هؤلاء جميعا من أبناء الحركة الوطنية ومن الأطر الاستقلالية . كما كان باقي الأطر الفرنسية من العناصر التقدمية تقريبا، بل إن بعضهم كان من الذين شاركوا في حركة المقاومة الفرنسية المسلحة ضد الاحتلال النازي لفرنسا».
وحسب الراضي فإن الهدف الرئيسي من التكوين في مجال التخييم، هو تعلم تقنيات وأساليب تدبير الحياة، «لم نتكون فقط، كي نتقن أسلوب تدبير مخيم صيفي، وإنما أصبحنا بدورنا مؤطرين ومكونين نشرف على دورات تكوينية جديدة، للمزيد من الشباب المغربي، ونستفيد من التكوين في بناء شخصياتنا». لهذا أضحت جميع العطل المدرسية مبرمجة للمشاركة في المزيد من دورات التكوين والتأطير والإشراف، إلى جانب الأطر الفرنسية على استقبال وتكوين أفواج الوافدين الجدد من الشباب.
محمد الحيحي.. صديق الملك «يمغرب» التداريب التربوية
ولد محمد الحيحى سنة 1928 بحي المشور في تواركة بمدينة الرباط، وكان من أصدقاء الملك الحسن الثاني حين كان وليا للعهد، تتلمذ على يد كبار مشايخ عصره وعلى رأسهم شيخ الإسلام مولاي العربي العلوى. في سنة 1940 التحق بثانوية مولاي يوسف بالرباط التي طرد منها سنة 1944 بسبب مشاركته في انتفاضة التلاميذ في أعقاب تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال خلال ذات السنة. وفي سنة 1947 انخرط محمد الحيحي في سلك التعليم الوطني الحر.
أثناء عملية التحضير لورش طريق الوحدة، أسند له المهدي بن بركة مسؤولية تأهيل وتأطير الشباب لإعدادهم لمواجهة تحديات بناء المغرب الجديد، علما أن الزعيم السياسي كان قد تعرف على الحيحي في غمرة التظاهرات المناوئة للنظام الاستعماري، واختاره لقيادة فرقة من الشبيبة الاستقلالية سنة 1950، ومنذ ذلك التاريخ أصبح مسؤولا عن تأهيل الشباب وتكوينهم. كما أشرف سنة 1948 على أول تدريب ينظم باللغة العربية لفائدة الأطر التربوية ضمن التداريب البيداغوجية التي كانت تنظمها إدارة الحماية الفرنسية لفائدة أطر ومدربي المخيمات الصيفية. مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال ساهم محمد الحيحى رفقة المقاوم عبد السلام بناني في تأسيس جمعية «لاميج» وتولى كتابتها العامة، وذلك قبل أن يلتحق سنة 1957 بوزارة الشبيبة والرياضة التي تولى فيها المسؤولية نائبا لرئيس قسم الشباب والطفولة، بقرار من الملك محمد الخامس.
وحسب الكاتب محمد الحافظ، فإنه خلال ذات السنة تولى الحيحي مسؤوليات في مشروع طريق الوحدة بتوجيه من المهدي بن بركة، «أسندت له مهام الكتابة الإدارية والاشراف على متابعة الدراسات وإعداد الملفات الخاصة بالمتطوعين المرشحين للمشاركة في طريق الوحدة المشروع الوطني الشبابي الكبير». وفى سنة 1958 أسس محمد الحيحي من قدماء متطوعي مشروع طريق الوحدة جمعية أطلق عليها اسم «بناة الاستقلال»، إضافة إلى ذلك يرجع للحيحي كذلك الفضل في التأسيس لتجربة أوراش الشباب خاصة منها عمليات التشجير التطوعية للشباب التي ساهمت في إحداث غابات في كل من مناطق بوقنادل شمال مدينة سلا وبوسكورة جنوب الدار البيضاء والهرهورة بعمالة تمارة.
بعد عامين شارك في أول إضراب للوظيفة العمومية يوم 25 مارس 1960، تعرض على إثره للطرد التعسفي نتيجة لمواقفه السياسية والنقابية.
عبد القادر جلال مدرب الرجاء وطباخ ولي العهد في المخيمات
اشتغل عبد القادر جلال الذي يعد من أوائل مدربي الرجاء البيضاوي، وكان من الأطر الرياضية المغربية الأولى التي اشتغلت في قطاع الشباب والرياضة مع الفرنسيين، كان حارسا للمرمى مع الوداد أولا والرجاء قبل أن يدخل عالم التأطير ويعتبر أول مدرب حراس مرمى في المغرب، حيث كان يخصص في المخيمات الصيفية حصصا لتدريب حراس المرمى، حيث انكب على أوراش العمل جاعلا منها مدارس للتكوين يتلقى فيها المتطوعون دروسا تربوية وتداريب ميدانية وعسكرية، تجعل منهم مواطنين صالحين قادرين على تحقيق مشاريع أخرى في مناطقهم، وذلك تجسيدا لفكرة التجنيد والخدمة المدنية لبناء المغرب الحر المستقل.
لكن عبد القادر لم يكن مجرد حارس مرمى، بل كان قيد حياته مفردا بصيغة الجمع، إذ انخرط في الحركة الوطنية مبكرا، قبل أن يستقطبه الفرنسيون لتأطير قطاع الرياضة والشباب بعد أن لمسوا فيه شعلة متوقدة من الحماس.
أشرف بعد اعتزاله تدريب الرجاء البيضاوي على تأطير الشباب في الأحياء الشعبية، مستلهما أفكاره التقنية من مقاربة جديدة، تجاوزت فيها علاقة المدرب باللاعب حدود المستطيل الأخضر، إذ عمل على إشراك اللاعبين الناشئين في المخيمات الصيفية وضم الشبان منهم لأقسام التكوين المهني، خاصة في المخيم الحضري لالة مريم.
لا زالت أسرة الراحل تتذكر ما بذله الوالد عبد القادر رفقة مئات الشبان المتطوعين أثناء صيف 1957 من جهود جسيمة، حين دعاهم ولي العهد الأمير مولاي الحسن للعمل في مشروع طريق الوحدة، حيث حضر عبد القادر لقاء تحضيريا في فاس ترأسه ولي العهد مولاي الحسن والمهدي بن بركة، وتم خلاله تقسيم لجان العمل، حيث انضم عبد القادر إلى لجنة التموين والتغذية، كما تعهد بخلق أجواء محفزة على العمل استنادا لما راكمه من تجربة بين الملاعب ودور الشباب، وكان يشرف على التمارين الصباحية للمتطوعين، بل إنه حول منحدرا جبليا إلى ملعب لكرة القدم زاد من حماس المشاركين في المشروع، خاصة بعد أن أصر الأمير على الخضوع لتداريب صباحية تحت إشراف مدرب محنك.
الحسين الراديف.. عضو جامعي وفاعل في الحركة التخييمية
يعرفه الرياضيون المغاربة بصفته عضوا جامعيا ورئيسا لعصبة سوس لكرة القدم وفريق النجاح، لكن الوجه الآخر للعملة هو أن الرجل ترك بصماته واضحة في كل المجالات التي اشتغل بها وشكلت همه اليومي، ابتداء من ناديه جمعية نجاح سوس، وعصبة سوس لكرة القدم، والكشفية الحسنية المغربية، وكذا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
كان الحسين الراديف رجل أفعال لا أقوال، وكان يتكلم دائما لغة الإنجاز. فمنذ التحاقه بجمعية نجاح سوس، سنة 1978، استطاع أن يطور هياكل هذه الجمعية ويحولها إلى ناد يسيره مكتب مديري هو الأول من نوعه بمنطقة سوس، وكان هذا النادي يتوفر على فروع لكرة القدم، وكرة اليد، والكرة الطائرة، والشطرنج، وفنون الحرب، بالإضافة الى كرة القدم النسائية. كما تمكن الفقيد من أن ينجز مقرين خاصين بنجاح سوس، أحدهما، وهو الأقدم، يوجد بحي إحشاش الذي انبثقت منه جمعية النجاح. ثم مقر ثان يوجد بحي تيلضي، وكانت الفرق الزائرة تقيم فيهما.
ساهم في تمكين حركة الكشفية السوسية، باعتباره قائدا للكشفية الحسنية المغربية، من أن يمكن هذه الأخيرة من التوفر على مقر خاص بها أطلق عليه اسم «دار الكشاف»، فضلا عن مبادرات أخرى، وأثناء تواجده بمكتب الجامعة الملكية لكرة القدم، سنة 1993، ثم سنة 1999، كان خير مدافع عن الأندية السوسية، مرافعا على المقاربات التربوية في كرة القدم.
لقد آمن الحسين الراديف بأن زلزال أكادير سنة 1960، يعد أكبر امتحان للحركة التطوعية في المغرب، لذا جعل من شباب سوس قاعدة للعمل التطوعي في المجالات الإنسانية بالخصوص، بفريق عمل مكون من قادة همهم الكبير العمل الاجتماعي، على غرار القائد لطيف عبد العزيز الذي كان له دور كبير في الرقي بالعمل الكشفي والتربوي على المستويين المحلي والجهوي والوطني، متحديا مختلف الصعاب واعتبر نموذجا للشباب المؤمن بنبل الرسالة الكشفية وأهدافها.
فنانون دخلوا عالم الفن من منصات المخيمات الصيفية
خلال إقامته في مقر الجمعية الخيرية الإسلامية بالمشور بالدار البيضاء، برز الطفل مصطفى الداسوكين بنشاطه وأدائه الجيد لمعزوفات وأناشيد ومسرحيات، تقدم في ساحة المؤسسة بحضور المقيم العام الفرنسي كان يحضر أنشطتها، وهو ما منحه تأشيرة المشاركة في المخيمات الصيفية المنظمة من طرف الجمعية الخيرية. هناك التقى الداسوكين أحد زملائه القدامى الذين عاش معهم فترة الخيرية، فاقترح عليه الانضمام إلى سلك المؤطرين، بعد أن ارتأت الجمعية الخيرية الإسلامية لعين الشق إلحاق مجموعة من الأشخاص بالطاقم التربوي تتوفر فيهم شروط معينة أبرزها المعرفة المعمقة بنفسية النزيل، وعلى الفور تقلد مهمة مربي، مما فسح له الباب للإبداع وتكوين الكفاءات في مختلف المجالات.
كانت دار الأطفال عين الشق هي النواة الأولى للثنائي الساخر الداسوكين والزعري، فقد انضم هذا الأخير إلى الطاقم التربوي بعد أن التقى بالمسؤولين خلال إحدى جولاته المسرحية. ونظرا إلى صعوبة التوفيق بين الشغل التربوي والعمل المسرحي، قررا معا إنهاء مسارهما داخل دار الأطفال والتفرغ للفن الكوميدي، وسط حسرة النزلاء والمسؤولين.
وكان المخيم بالنسبة للفنان عبد القادر مطاع واجهة للانفتاح على الجمهور، بدأ الفتى عبد القادر علاقته بالتمثيل داخل مخيمات الكشفية الحسنية التي التحق بها مبكرا، تعلم في حضن الكشفية قواعد التنشيط ومواجهة الجمهور الناشئ، لاسيما وأنه كان معجبا بالأعمال الفنية للبشير لعلج والقدميري والهرنونية، قبل أن يوجه له محمد الخلفي دعوة لمشاركته عرضا مسرحيا بمناسبة عيد العرش في الهواء الطلق بزنقة علال بن عبد الله بالدار البيضاء أمام جمهور غفير.
في إحدى حواراتها تحدثت سميرة بن سعيد عن دور المخيم في صقل موهبتها، حين استعادت ذكريات غنائها خلال فترة الطفولة، وعمرها لا يتجاوز 13 سنة، قالت سميرة في حوار بإحدى الفضائيات المصرية: «كنت شقية جدا في صغري وطفلة مشهورة، حيث جعلتني الشقاوة أتعامل مع الكبار كأني واحدة كبيرة، فكانوا يقولون عني إنني موهوبة، وهذا بسبب احتكاكي منذ صغري مع أناس بعمر أكبر مني بملحنين كبار، حيث لم أكن أتعاون أو أتعامل مع أطفال أبداً، كزملائي في المدرسة لم أكن مختلطة معهم كثيرا»، ولأن والدها كان منخرطا في حزب تقدمي فقد ساعدها على المشاركة في المخيمات الصيفية هناك كانت تغني في الحفلات. «كان أحد أعمامي رافضاً لمبدأ الغناء وممارسة ما أحبه، وبدؤوا يهاجمون والدي لذلك السبب، ولكن والدي كان مختلفا عن باقي العائلة، حيث كان متفتحا كثيرا لعمله بالحزب وله أصدقاء كثيرون في المقاومة، مما أكسبه وعياً وثقافة».
ويمكن اعتبار الفنان التشكيلي عيسى يكن، واحدا من أقطاب الحركة التخييمية في المغرب، بل وكان متعدد الاهتمامات والعطاء، حيث تمكن من ملامسة جوانب إبداعية متعددة شملت، بالخصوص، حقول الفن التشكيلي والشعر والرواية والتشكيل. دعم فرقة المعمورة بعدد من الأعمال المقتبسة عن كبار رجال المسرح العالمي من قبيل شكسبير، حين كان إطارا بوزارة الشبيبة والرياضة. يقول الكاتب جمال المحافظ: «ساهم الراحل يكن، لدى تحمله مسؤولية مدير الشباب والطفولة ومديرا للمعهد الملكي لتكوين أطر الشباب والرياضة في أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، في دعم هذه الحركة التربوية وتشجيع التخييم وأنشطة الهواء الطلق، حيث بادر إلى إحداث اللجنة الوطنية للتخييم سنة 1983 والتي تمكنت في ظرف وجيز من تنظيم خمس مناظرات وطنية خصصت لهذا القطاع الحيوي، كما عمل على إحداث آلية للتدبير المشترك بين الوزارة والجمعيات الوطنية الذي انطلق من مخيمات إفران.