شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

قوانين مثيرة للجدل تنتظر افتتاح البرلمان 

القانون التنظيمي للإضراب وقانون المسطرة الجنائية ومشروع إصلاح أنظمة التقاعد 

سيترأس الملك محمد السادس، يوم الجمعة المقبل، الجلسة الافتتاحية للسنة التشريعية الرابعة من عمر الولاية البرلمانية الحالية، في ظل تزايد انتظارات المواطنين لتجاوز الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وكذلك تجاوز الأعطاب التي تعرفها المؤسسة التشريعية في ما يخص ممارسة الصلاحيات الواسعة التي منحها لها الدستور الجديد، وستكون ضمن جدول أعمال هذه الدورة العديد من الملفات والقوانين ذات الأهمية البالغة، ومنها قوانين مثيرة للجدل، فبالإضافة إلى مشروع قانون المالية الذي يأتي في ظل استمرار الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، هناك مشاريع أثارت احتجاجات، مثل مشروع القانون التنظيمي للإضراب الذي ترفضه المركزيات النقابية، ومشروع قانون المسطرة الجنائية الذي ترفضه جمعية هيئات المحامين وجمعيات حماية المال العام، بسبب تضييق الخناق عليها بخصوص تقديم الشكايات حول الجرائم المرتبطة بتبديد واختلاس الأموال العموميـة، وينضاف إليها مشروع القانون المتعلق بدمج صندوق منظمات الاحتياط الاجتماعي «كنوبس» في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو المشروع الذي ترفضه كذلك النقابات والتعاضديات، فضلا عن قانون إصلاح أنظمة التقاعد، الذي أصبح يفرض نفسه بقوة على الحكومة والبرلمان، بعدما أصبحت صناديق التقاعد مهددة بالإفلاس.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

الحكومة تشرع في إعداد قانون إصلاح أنظمة التقاعد

 

من المنتظر أن تشرع الحكومة في إصلاح أنظمة التقاعد، من خلال إخراج قانون جديد سيحال على المؤسسة البرلمانية للمصادقة عليه في الدورة التشريعية المقبلة، خاصة أن إصلاح هذه الأنظمة أصبح يفرض نفسه بقوة على الحكومة، في ظل توالي التقارير الصادرة عن مؤسسات وطنية تحذر من خطر الإفلاس الذي يهدد هذه الأنظمة في السنوات المقبلة.

وسبق لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن أعلن تحت قبة البرلمان، عن شروع حكومته في إعداد تصور للإصلاح، من خلال إيجاد حلول واقعية ومستدامة، وأكد أخنوش أن الحكومة لن تقبل على نفسها، مهما بلغت الكلفة السياسية، أن تعمل على توريث هذا الملف مع تعميق أزمته، وتم تشكيل لجنة تقنية مكلفة بملف إصلاح أنظمة التقاعد، عقدت عدة اجتماعات، أسفرت عن وضع السيناريوهات الممكنة لإنقاذ صناديق التقاعد، وكذا وضع المبادئ الأساسية الموجهة لهذا الإصلاح، وذلك بعد إدخال إصلاحات مقياسية تدريجية ذات طابع استعجالي، وسيتم تنزيل المرحلة الثانية من الإصلاح على المدى المتوسط، وتروم إرساء منظومة تقاعد ثنائي القطب (عمومي وخصوصي) في أفق اعتماد نظام أساسي موحد على المدى البعيد.

وأفادت  مصادر حكومية أن وصفة إصلاح أنظمة التقاعد أصبحت جاهزة، حيث من المنتظر عرضها على المركزيات النقابية لإبداء الرأي بشأنها، قبل إحالة المشروع على المجلس الحكومي للمصادقة عليه، وأكدت المصادر، أن الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد أصبح يفرض نفسه على الحكومة، بعدما فشلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومات السابقة في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التقاعد، التي أصبحت مهددة بالإفلاس مع حلول سنة 2028.

وسبق لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن تعهد أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد خلال السنة الحالية، حيث شرعت لجنة إصلاح أنظمة التقاعد، في عقد اجتماعات من أجل التوصل إلى السيناريوهات المقترحة لتجاوز أزمة صناديق التقاعد، لبلورة مشروع قانون سيحال على المؤسسة البرلمانية للمصادقة عليه، وخلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد.

وترأست نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، عدة اجتماعات للجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي تندرج في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي الموقعين في 30 أبريل من السنة الماضية.

وقدمت الوزيرة وصفة الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد، بناء على الدراسة المنجزة من طرف أحد مكاتب الدراسات، خلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد، ومن أجل التوفيق بين كل هذه الأهداف، المتناقضة أحيانا، تقترح الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، كما تقترح تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة، مع رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.

واستعرضت الوزيرة أمام أعضاء اللجنة، تشخيصا وتحليلا للوضعية الراهنة، وذلك بعد تنزيل الإصلاح المقياسي لسنة 2016، حيث سيستنفذ نظام المعاشات المدنية لاحتياطياته (68 مليار درهم) بحلول سنة 2028. وللوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام، وأكدت الوزيرة أن هذا النظام يعد حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016، بحيث أن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في الماضي، ويعرف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزا تقنيا مهما بلغ 3,3 مليار درهم سنة 2021، و بفضل المستوى المهم لاحتياطياته (135 مليار درهم)، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني.

أما بالنسبة للقطب الخاص، يتوفر نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام 11,89%، وسن الإحالة على التقاعد 60 سنة، ينتظر أن يستعمل النظام احتياطياته قريبا، غير أن أفق استدامته يظل بعيدا نسبيا (2038)، نظرا لعدة عوامل، بينها أن النظام غير منصف حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على

كحد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، كما أن المحرك الديموغرافي الإيجابي يجلب السيولة للنظام حاليا ولكنه بالمقابل يثقل دينه الضمني.

رهانات تشريعية على جدول أعمال مجلسي البرلمان  

 

يشرع البرلمان بمجلسيه، النواب والمستشارين، خلال الأسبوع الجاري، في افتتاح الدورة الأولى من السنة الرابعة للولاية التشريعية الحادية عشرة، في ظل استحقاقات رقابية وتشريعية عنوانها الأبرز إخراج نصوص تشريعية على قدر كبير من الأهمية إلى حيز الوجود، حيث تعد هذه الدورة البرلمانية محطة، أيضا، لتجديد هياكل مجلس المستشارين وانتخاب رئيس للمجلس لما تبقى من الولاية البرلمانية (2021- 2027).

وهناك إجماع من طرف أغلب الفرق البرلمانية على «هزالة» الحصيلة التشريعية للبرلمان بغرفتيه، وذلك مقارنة مع العدد الكبير من القوانين التي تنتظر العديد من مكونات الشعب المغربي إخراجها إلى الوجود، ورغم أن الفرق البرلمانية تبرر ضعف الأداء التشريعي للبرلمان بهيمنة الحكومة على العمل التشريعي، فهذا لا يبرر أداء الفرق البرلمانية في أخذ المبادرة التشريعية وفق الصلاحيات التي خولها لها الدستور الجديد.

وأبانت الحصيلة التشريعية عن هيمنة الحكومة على جل الإنتاج التشريعي، حيث أغلب النصوص القانونية المصادق عليها يكون مصدرها الحكومة، في حين توجد في رفوف اللجان البرلمانية الدائمة العديد من مقترحات القوانين، يصل مجموعها حوالي 300 مقترح قانون، بعضها مرت عليها سنوات دون أن تدخل إلى المسطرة التشريعية للمصادقة عليه، ومنها قوانين مثيرة للجدل، ما جعل بعضها تدخل طي النسيان.

ومن بين الانتقادات الموجهة لفرق المعارضة البرلمانية، في مجال التشريع، أنها لم تقدر على وضع مقترح قانون تنظيمي يحدد كيفية ممارسة الحقوق التي منحها لها الدستور بموجب الفصل العاشر، وترى فرق الأغلبية أن المعارضة تنتظر من الحكومة وضع قانون يحدد للمعارضة كيف تعارضها.

وتمر عملية التشريع التي تنتج القوانين تحت قبة البرلمان بعدة مراحل، قبل الوصول إلى تطبيق هذه القوانين بعد نشرها بالجريدة الرسمية. فطبقا للنظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، تودع بمكتب المجلس مشاريع القوانين المقدمة من لدن الحكومة أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ومقترحات القوانين ومقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من لدن النواب أو المحالة من مجلس المستشارين للمصادقة، ويأمر مكتب المجلس بتوزيعها على النواب. ويحيل رئيس المجلس مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب إلى الحكومة في أجل 20 يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة، وإذا انصرم الأجل يمكن للجنة الدائمة المختصة برمجة دراستها للمقترح، ويحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة. ويتعين على اللجان النظر في النصوص المعروضة عليها في أجل أقصاه 60 يوما، من تاريخ الإحالة، لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة للمناقشة والتصويت.

ويتكلف رئيس المجلس بإحالة، على اللجنة الدائمة المختصة، كل مشروع قانون تم إيداعه أو مقترح قانون تم إيداعه لدى مكتب المجلس، وتبرمج مكاتب اللجان دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها، وتنظر اللجان في النصوص المعروضة عليها، أولا، بتقديم النص من طرف ممثل الحكومة بالنسبة لمشروع القانون، أو من طرف واضع مقترح القانون، ثم يتم الشروع في المناقشة العامة للنص، وبعد انتهاء المناقشة العامة، يحدد مكتب اللجنة موعد جلسة لتقديم التعديلات كتابة، وتجتمع اللجنة بعد 24 ساعة للنظر في التعديلات بعد مناقشتها، ثم بعد ذلك يتم التصويت على كل تعديل قبل التصويت على النص التشريعي برمته.

وتضع الأجندة الرقابية والتشريعية الحافلة للدورة الربيعية للبرلمان، التي تكتنفها رهانات اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة، المؤسسة التشريعية في قلب النقاش العمومي، وهو ما يستدعي من مكوناتها توظيف كافة الآليات المتاحة لهم على المستويين التشريعي والرقابي، بهدف إخراج النصوص القانونية المتسقة وطبيعة المرحلة الراهنة والمستجيبة للتحديات المطروحة، كما يمثل الاستحقاق الرقابي والتقييمي الهام المتمثل في تقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان طبقا لمقتضيات الفصل 101 من الدستور، لحظة سياسية ودستورية رفيعة وتمرينا ديمقراطيا وتواصليا يعكس نضج الممارسة البرلمانية المغربية والتفاعل البناء بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فضلا عن كونه فرصة لإطلاع الرأي العام الوطني على المنجز الحكومي ومدى وفاء الحكومة بتعهداتها المتضمنة في برنامجها الحكومي باعتباره أساسا تعاقديا مع المواطنين.

وفي هذا السياق، أعلنت هيئة رئاسة الأغلبية الحكومية، في بلاغ سابق، أنها تعتزم إطلاق نقاش عمومي حول الحصيلة الحكومية سواء داخل مؤسسة البرلمان أو في وسائل الإعلام والفضاء العمومي بشكل عام، معتبرة أنها «حصيلة إيجابية تترجم الإرادة السياسية القوية للحكومة في أجرأة الإصلاحات الاقتصادية، وتثبيت ركائز الدولة الاجتماعية، وتعكس الوفاء بالالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي»، مشيدة بـ«روح الانسجام والتعاون الذي يطبع علاقة الحكومة بفرق الأغلبية البرلمانية، وبالأدوار الكبرى التي تقوم بها هذه الفرق على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي، وكذا على مستوى الدبلوماسية البرلمانية»، مؤكدة على ضرورة مواصلة تقوية روح التضامن والتعاون والتعاضد بينهما، في إطار من التكامل وإحكام التنسيق، بالإضافة لمواصلة الإنصات للمعارضة والتفاعل مع مكوناتها.

قانون المسطرة الجنائية ومنع الجمعيات من تقديم شكايات جرائم الأموال

 

 

سيتم في الدخول البرلماني المقبل الشروع في دراسة مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، الذي صادق عليه مجلس الحكومة في اجتماعه المنعقد، يوم الخميس الماضي، ومن المنتظر أن يثير هذا المشروع الكثير من الجدل، خاصة بعض المستجدات التي يتضمنها المشروع، ومن بينها منع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكايات تتعلق بجرائم الأموال.

وحسب مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي قدمه وهبي أمام مجلس الحكومة، فقد تم تعديل المادة الثالثة من القانون، وأصبحت تنص على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك.

خلافا للفقرة السابقة، تنص هذه المادة على أنه يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المشار إليها سابقا، إذا تعلق الأمر بحالة التلبس، تراعى عند ممارسة الدعوى العمومية، مبادئ الحياد وصحة وشرعية الإجراءات المسطرية، والحرص على حقوق الأطراف، وفق الضوابط المحددة في هذا القانون.

وطبقا لمقتضيات المادة نفسها، يبلغ الوكيل القضائي للمملكة كذلك بكل دعوى عمومية يكون موضوعها الاعتداء على أموال أو ممتلكات عمومية أو أشياء مخصصة للمنفعة العمومية أو الاعتداء على موظفين عموميين أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم، وتبلغ إلى الوكيل القضائي للجماعات الترابية الدعوى العمومية المقامة ضد أحد موظفيها أو عضو من أعضاء مجالسها أو هيئاتها، أو إذا كانت الدعوى العمومية تتعلق بالاعتداء على أموال أو ممتلكات تابعة لهذه الجماعات الترابية أو هيئاتها.

وسبق للوزير وهبي التأكيد، في جواب عن سؤال كتابي بمجلس المستشارين، أن موضوع الشكايات الكيدية والوشايات الكاذبة ضد السياسيين ورجال الأعمال هو محط اهتمام وزارة العدل. ولهذه الغاية، يضيف الوزير، فإن مشروعي مراجعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية قد نصا على عدة مستجدات وتعديلات بهذا الخصوص تهدف بالأساس إلى تقييد إجراءات البحث الجنائي، بناء على ضوابط محددة تضمن الاستثمار الأمثل للوشاية والشكاية كمدخل من مداخل البحث والحد من حالاتها الكيدية، وكذا التشديد في العقوبات المقررة لها .

ولم تتضمن النسخة الجديدة لمشروع قانون المسطرة الجنائية أي تعديلات بخصوص المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية المعمول به حاليا، والتي تنظم مسطرة الامتياز القضائي التي يستفيد منها الوزراء وبعض المسؤولين، وتنص هذه المادة على إذا كان الفعل منسوبا إلى مستشار الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة، مع مراعاة مقتضيات الباب الثامن من الدستور أو قاض بمحكمة النقض أو المجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المجلس الدستوري أو إلى وال أو عامل أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها، فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تأمر، بناء على ملتمسات الوكيل العام للملك بالمحكمة نفسها، بأن يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من هيئتها، وبعد إنهاء التحقيق يصدر قاضي أو قضاة التحقيق، حسب الأحوال، أمرا قضائيا بعدم المتابعة أو بالإحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، وتبت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في القضية، ويقبل قرار الغرفة الجنائية الاستئناف داخل أجل ثمانية أيام، وتبت في الاستئناف غرف محكمة النقض مجتمعة، باستثناء الغرفة الجنائية التي بتت في القضية، ولا تقبل أية مطالبة بالحق المدني أمام محكمة النقض.

ويتضمن المشروع الجديد مستجدات تتعلق بتعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة، وأكدت المذكرة التقديمية للمشروع أنه في إطار تعزيز مزيد من الضمانات والحقوق للأفراد وحرياتهم التي كفلتها المواثيق الدولية على نطاق واسع، تم إقرار مبدأي احترام قرينة البراءة، وتفسير الشك لفائدة المتهم المنصوص عليها في المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، وتعزيزها بمجموعة من المبادئ المتعارف عليها دوليا في مجال المحاكمة العادلة، خاصة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تم التنصيص ضمن مقتضيات هذا القانون على ضرورة مراعاة مجموعة من المبادئ الأساسية، كالمساواة أمام القانون، والمحاكمة داخل أجل معقول، واحترام حقوق الدفاع، وضمان حقوق الضحايا والمشتبه فيهم والمتهمين والمحكومين، وغيرها من المبادئ المرتبطة بحماية الشهود والخبراء والمبلغين ومراعاة مبادئ الحياد وصحة وشرعية الإجراءات المسطرية، والحرص على حقوق الأطراف خلال ممارسة الدعوى العمومية.

كما ينص المشروع على وضع آليات الوقاية من التعذيب، والتي من شأنها إضفاء مزيد من الثقة على الإجراءات التي تباشرها الشرطة القضائية، سيما خلال فترة الحراسة النظرية، وإضفاء مزيد من المصداقية على إجراءات البحث، نذكر من بينها، إلزامية إخضاع المشتبه فيه إلى فحص طبي يجريه طبيب مؤهل لممارسة الطلب الشرعي، أو طبيب آخر في حال تعذر ذلك، مع ترتيب جزاء استبعاد الاعتراف المدون في محضر الشرطة القضائية، في حال رفض إجراء الفحص الطبي المذكور.

ويتضمن المشروع مستجدات تتعلق بتعزيز مراقبة حقوق ووضعية المعتقلين، عبر إقرار إلزامية زيارة المؤسسات السجنية من قبل قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الأحداث وقضاة تطبيق العقوبات ورئيس الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف، وذلك بكيفية دورية ومنتظمة. علاوة على الدور الذي تقوم به اللجنة الإقليمية التي يترأسها الوالي أو العامل، والتي دعم القانون تركيبتها وإشراك فعاليات المجتمع المدني (الجمعيات المهمة)، وتوسيع دائرة القطاعات الحكومية المشاركة فيها، وتمديد صلاحياتها لتشمل مراقبة المؤسسات المكلفة برعاية الأحداث الجانحين.

ومن بين المستجدات كذلك، تطوير وتقوية آليات مكافحة الجريمة، وأشارت المذكرة التقديمية للمشروع إلى أن خطورة الجريمة وتهديدها للمجتمعات أصبحت تتطلب من آليات وأجهزة العدالة الجنائية اللجوء إلى أساليب متطورة لمكافحتها. ولذلك أصبح الأمر يتطلب تنظيم استعمال بعض التقنيات الحديثة في البحث والتحري أو التحقيق أو المحاكمة، وتقوية صلاحيات أجهزة العدالة، وفق ضوابط ومعايير محددة تضمن التناسب مع المصالح الأساسية المحمية في مجال الحقوق والحريات، تفاديا لكل استعمال من شأنه المس بها.

 

قانون دمج «كنوبس» في «الضمان الاجتماعي» يثير احتجاج التعاضديات

 

 

أثار مشروع القانون 54.23 المتعلق بالضمان الاجتماعي، والقاضي بإدماج صندوق «كنوس» في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الكثير من الجدل، حيث عبرت إدارات تعاضديات القطاع العام وشبه العام والجماعات الترابية عن «الصدمة الكبيرة» من إصدار الحكومة لهذا المشروع، بشكل «أحادي ودون استشارة ولا إشراك التعاضديات المنخرطة في الصندوق».

وأكدت التعاضديات السبع في بلاغ مشترك موجه إلى عموم منخرطي ومنخرطات تعاضديات القطاع العام وشبه العام والجماعات الترابية، أن «الإجراء الحكومي الجديد يتضمن تداعيات سلبية كبيرة على مشروع تعميم التغطية الصحية الشاملة ككل، وعلى حقوق ومكتسبات أزيد من 3 ملايين مستفيد من خدمات «كنوبس» والتعاضديات، وعلى مستخدميها الذين ساهموا بشكل فعال في إنجاح نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاع العام وشبه العام».

ونبهت التعاضديات إلى «عدم انسجام المشروع مع توجيهات الملك الداعية إلى تطوير النظام التعاضدي وإشراك التعاضديات في المشاريع الاجتماعية، ومتعارض مع المقتضى الدستوري في الفصل 31 القاضي بالحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة»، معتبرة أن «مشروع القانون الجديد يتجاهل مبدأ المسؤولية المشتركة الوارد في المادتين 9 و10 من القانون الإطار 2109، المتعلق بالحماية الاجتماعية، ومع مبدأ انخراط كل المتدخلين في السياسات والاستراتيجيات والبرامج المتعلقة بالحماية الاجتماعية، ويُجْهِزُ على النظام التعاضدي الذي يوفر التغطية الصحية لأطر وموظفي وأعوان الدولة منذ 1919 وإلى غاية 2005، في غياب أي نظام أساسي للتأمين الصحي مؤسس من طرف الدولة. وما يعني ذلك من الإجهاز على التجربة المتراكمة والخبرة الطويلة في المجال».

وأعلنت الحكومة عن تدارس مشروع قانون يتعلق بتوحيد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق منظمات الاحتياط الاجتماعي، وسط رفض من قبل النقابيين وتساؤلات مطروحة، خصوصا أنه سيؤدي إلى إلغاء الـCNOPS»» الذي ينخرط فيه أكثر من 3 ملايين شخص واشتراكاته وتعويضاته مختلفة، مشروع قانون رقم 54.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض وبسن أحكام خاصة، وهو مشروع قانون يسجل عليه نقابيو التعاضديات المعنية ملاحظات وتساؤلات، ويتهمون الحكومة بأنها لم تستشرهم قبل طرحه.

بحسب مذكرته التقديمية، فإن الهدف منه هو اعتماد هيئة تدبير واحدة لأنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، من خلال إسناد المهمة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، بدل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS). وسينهي بعد المصادقة عليه التنسيق الإجباري مع الجمعيات التعاضدية في ما يتعلق بطلبات انخراط المشغلين وتسجيل الأشخاص والمراقبة الطبية، كما سيحل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محل «الكنوبس» في ما يتعلق بالاتفاقيات المتعلقة بالقطاع العام بين «الكنوبس» وبين الجمعيات التعاضدية.

وسيتم أيضا دمج المستخدمين المرسمين والمتدربين المزاولين لمهامهم بـ«الكنوبس» ضمن مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع استمرار انخراطهم في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وفي أنظمة المعاشات الأساسية التكميلية، كما أن مشروع القانون نص على نقل المنقولات والعقارات التي توجد في ملكية «الكنوبس» إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو الشأن نفسه بالنسبة إلى الأرشيف والوثائق الإدارية والمالية.

ويهدف مشروع القانون رقم 54.23، وفقا للمذكرة التقديمية إلى اعتماد هيئة تدبير واحدة لأنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، بهدف ضمان تسيير أكثر كفاءة وتجانسا لأنظمة التأمين الصحي، وتسهيل حصول جميع المواطنين على الخدمات الصحية.

وفي إطار السعي إلى توفير حماية اجتماعية متكاملة للمواطنين، ينص مشروع القانون الجديد على توحيد إدارة أنظمة التأمين الصحي الأساسي، وبموجب هذا القانون، سيتم نقل مسؤولية إدارة نظام التأمين الصحي الخاص بموظفي القطاع العام من الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

ومن الأحكام التي تضمنتها نصوص القانون رقم 65.00، إسناد مهمة النظر في جميع المسائل المتعلقة بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاعين العام والخاص، وبنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، وكذا بأنظمة التغطية الصحية الأساسية الأخرى المدبرة من قبل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، والبت في القضايا المرتبطة بها، إلى مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

وتسعى الحكومة من خلال مشروع هذا القانون إلى إنهاء التنسيق الإجباري مع الجمعيات التعاضدية في ما يتعلق بالبت في طلبات انخراط المشغلين، وتسجيل الأشخاص، وكذا المراقبة الطبية، وحلول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في ما يخص الاتفاقيات المبرمة بين هذا الأخير والجمعيات التعاضدية بشأن نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاع العام، والاستمرار في العمل بالاتفاقيات المذكورة بصفة انتقالية لمدة تحدد بمرسوم.

كما يشمل المشروع دمج المتدربين المرسمين، والمتدربين والمتعاقدين المزاولين لمهامهم بالصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، ضمن مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع استمرار انخراطهم في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وفي أنظمة المعاشات الأساسية والتكميلية التي كانوا يؤدون برسمها اشتراكاتهم في تاريخ نقلهم.

وتضمن مشروع القانون نقل المنقولات، والعقارات التي توجد في ملكية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دون عوض وبكامل ملكيتها، بالإضافة إلى نقل الأرشيف وجميع الوثائق الإدارية والمالية المتعلقة بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاع العام، وبأنظمة التغطية الصحية الأساسية الأخرى المدبرة من قبل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

علاوة على حلول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في جميع صفقات الدراسات، أو الأشغال، أو التوريدات، أو الخدمات وكذا جميع العقود والاتفاقيات الأخرى المبرمة في إطار نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاع العام، وأنظمة التغطية الصحية الأساسية الأخرى المدبرة من قبل هذا الأخير.

ونص مشروع القانون على أن تنقل إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مجموع الأصول، والخصوم، ومجموع الأرصدة المودعة في الحسابات البنكية، وكذا مرجوعات التعويضات عن ملفات المرض من حسابات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في القطاع العام، وأنظمة التغطية الصحية الأساسية الأخرى المدبرة من قبل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.

كما أشار إلى مراجعة نسب الزيادة عن التأخير في دفع الاشتراكات المتعلقة بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، بهدف توحيدها مع نسب الزيادة في التأخير في دفع الاشتراكات المتعلقة بنظام الضمان الاجتماعي.

ونظرا إلى التوسع في تغطية التأمين الصحي في المغرب، قررت الحكومة إلغاء النظام الخاص بالتأمين الصحي الإجباري للطلبة. وهذا يعني أن جميع الطلبة يمكنهم الآن الاستفادة من الخدمات الصحية نفسها التي يحصل عليها باقي المواطنين.

ويساهم هذا القانون، حسب مذكرته التقديمية، في تحقيق التكامل بين مختلف أنظمة التأمين الصحي، كما أنه يمدد الحق في الاستفادة من التأمين الصحي ليشمل فئة أكبر من الطلبة، بما في ذلك أولئك الذين لا يعتمدون على والديهم في التغطية الصحية. كما يوفر حلا انتقاليا لبعض فئات الطلبة، الذين لا يستفيدون من أي نوع آخر من التأمين الصحي.

قانون الإضراب.. مخاوف نقابية وتوافق برلماني

 

تتدبدب المواقف بخصوص إخراج قانون الإضراب، بين النقابات والحكومة والفرقاء السياسيين، فقد نبهت المنظمة الديمقراطية للشغل من المصادقة على مشروع قانون الإضراب، معتبرة أن الهدف وراء تنزيله هو “قمع وإسكات صوت العمال والمهنيين والمواطنين وحقهم في الاحتجاج المشروع”، معتبرة هذا المشروع سيجهز على ما تبقى من وسائل الدفاع ضد كل ما يضر بحقوق الشغيلة، وحسب المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل، فإن مشروع قانون الإضراب الجديد رقم 97.15، يتوخى جعل الحق في الإضراب “مجالا احتكاريا يمنع النقابات والجماعة العمالية خارج أي تأطير نقابي”، وأيضا يسعى إلى “البحث عن حلول لتوقيف نضال الشغيلة عبر مقاربة أمنية زجرية مغلفة بالقانون”.

وقالت المنظمة إن أغلب مقتضيات المشروع المذكور تتعلق بممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، بحيث “نجد أنه تم تخصيص 22 مادة من أصل 49 كلها تحدد كيفيات وشروط ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، بينما 4 مواد فقط لتحديد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق في القطاع العام، ولفت بيان المنظمة المذكور إلى أن هناك “غيابا” في تحديد معايير التمثيلية بالقطاعين العام والخاص، متهمة الحكومة بـ”الخضوع للضغط من طرف نقابة واحدة لأرباب العمل، وتجاهل حق النقابات العمالية والمهنية وأرباب العمل”.

وأضافت النقابة أن الحكومة تسعى من خلال تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في مشروع القانون الجديد إلى “تلميع صورتها لدى الرأسمال المتوحش، وملء سجلها بمزيد من انتهاكات الحقوق وكرامة العيش”، خاصة بعد “الفشل الذريع في برنامج التشغيل وارتفاع معدل البطالة الى مستويات غير مسبوقة”، على حد تعبيرها، واسترسل البيان، أن الحكومة تطرح اليوم “نفس المشروع الذي يعود لسنة 2011 بنفس المضمون مع هيمنة العقوبات الزجرية التي خصص لها 12 مادة للعقوبات من أصل 49 مادة، ومنع ما سمي بالإضراب السياسي والتضامني لمنع احتجاجات العمال والنقابات ضد مشروع قانون المقياسي للتقاعد وتمريره بسلام”.

وفي هذا السياق، قال علي لطفي الكاتب الوطني للمنظم الديمقراطية للشغل إن “أشد ما نخشى أن يكون هناك اتفاق بمنطق المقايضة بين الحكومة والنقابات بالزيادة في الأجور والحد الأدنى للأجور، مقابل تمرير قانون الإضراب وإصلاح التقاعد، وهذا الأمر إن تم سيكون خطيرا جدا وسيكون ورطة للنقابات التي شاركت في الحوار الاجتماعي ضد الطبقة العامل، ولعل هذا الأمر بدأ يظهر من خلال تصريحات الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، النعم ميارة، والذي هو رئيس مجلس المستشارين، في حين أن مواقف باقي النقابات التي هي الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عبرت عن رفضها لمنطق المقايضة، ونرجو أن تثبت على موقفها هذا”، مبينا أن “الأساس الذي يجب أن تشتغل عليه الحكومة هو إصدار قانون النقابات قبل القانون التنظيمي للإضراب”.

وشدد لطفي على أنه “قبل الحديث عن إصدار القانون التنظيمي للإضراب، وجب على النقابات أن تكون مؤطرة في القانون الذي تخضع إليه في تنظيمها ومؤتمراتها وأجهزتها”، مبينا أن “الحكومة إن هي قامت بتنزيل قانون الإضراب على النقابات العمالية، فهي ستخالف الدستور الذي لا يتحدث عن كون حق الإضراب مضمون للنقابات العمالية فقط، بل أيضا نقابات الباطرونا التي هي الأخرى من حقها تنفيذ إضرابات، وليس فقط العمال، حيث أنه بموجب الدستور فحق الإضراب مكفول لجميع التنظيمات سواء العمالية والنقابية أو جمعيات المجتمع المدني”، معتبرا أن “الحكومة تستعجل إخراج القانون التنظيمي للإضراب بغرض إغلاق باب الاضرابات والاحتجاجات التي تقوم بها عدد من الهيئات على رأسها التنسيقيات القطاعية، والتي تطمح الحكومة إلى تقييد ممارستها لهذا الحق بداع أنها ليست نقابات”.

من جهة أخرى، سجلت النقابة ذاتها ما وصفته بـ”التناقض الصارخ” بين منطوق الدستور ومحتوى هذا المشروع، الذي يتنافى مع الفصل 2 منه، وغير منسجم مع المواثيق الدولية، معتبرة المصادقة عليه سيؤدي إلى “الإجهاز على ما تبقى من وسائل الدفاع ضد كل ما يضر بحقوق الشغيلة من استغلال وقمع وتعسف وحرمان من العدالة الحقوقية والأجرية”.

هذا في الوقت الذي يُعّبد توافق مبدئي بين الأغلبية والمعارضة البرلمانيتين الطريق نحو المصادقة على مشروع قانون الإضراب خلال الدورة التشريعية الحالية، فقد دعت فرق الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب إلى تغليب “روح التوافق” من أجل إخراج مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب إلى حيز الوجود، وشددت فرق الأغلبية، في مداخلاتها خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية، المخصص للمناقشة العامة لمشروع القانون التنظيمي، بحضور وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، على “أهمية إخراج قانون متوافق عليه، يعكس حقوق وطموحات الطبقة العاملة، على اعتبار أن هذا النص يلعب دورا حيويا في تحقيق السلم الاجتماعي وضمان استقرار الاستثمارات”.

ومن جهتها، دعت فرق المعارضة إلى إخراج القانون وفق “روح التوافق”، انسجاما مع مضمون الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك في 09 أكتوبر 2015 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة، والذي أكد فيه جلالته أن بلورة مشروع القانون التنظيمي للإضراب “تقتضي إجراء استشارات واسعة، والتحلي بروح التوافق البناء، بما يضمن حقوق الفئة العاملة، ومصالح أرباب العمل، ومصلحة الوطن”، معتبرة أن هذا النص بحاجة إلى إجماع وطني لكونه يعني المجتمع ككل، والفرقاء جميعهم، داعية إلى “توسيع المشاورات مع مختلف النقابات بغض النظر عن تمثيليتهم، والحوار العميق مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والخبراء”.

محمد زين الدين أستاذ القانون العام بكلية الحقوق المحمدية

 

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين * :

«إخراج عدد من مشاريع القوانين يحتاج لحظات توافق واسعة»

 

 

  • ما الإكراهات التي تواجه الحكومة في طريق إخراج عدد من مشاريع القوانين المثيرة للجدل؟

 

تجب الإشارة إلى أن السياق السياسي لإخراج عدد من مشاريع القوانين يبقى صعبا لعدة اعتبارات، أهمها أنه منذ 2011 إلى الأن لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من التوصل إلى اتفاق بشأنها، كما هو الشأن بالنسبة لقانون الإضراب، وكانت أربعة مشاريع قوانين تنظيمية للإضراب ولم يتم تمريرها، زيادة  على أن هذا القانون فيه حساسية كبيرة ويرتبط بفئة عريضة، ناهيك عن أنه يتطلب بناء جسور من الثقة بين الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، ومما يظهر أن خطوات اتفاق أبريل 2024 من شأنها أن تساهم في تبسيط الطريق أمام الحكومة من أجل الدفع باتجاه إخراج هذا النص التنظيمي وإحداث انفراج بين كل الفرقاء السياسيين، غير أن الأمر يبقى خطوة غير كافية، وهو ما سبق وأكده وزير التشغيل والحماية الاجتماعية، يونس سكوري، الذي قال إن إصدار هذا القانون يتطلب توافقا بين مكونات المشهد الاجتماعي، وهو ما سبق وأشرت إليه، أيضا، من أن إخراج هذا القانون يستوجب وجود توافق بين الحكومة والنقابات وممثلي أرباب العمل.

هذا الأمر يرتبط بجميع مشاريع القوانين التي على الحكومة الاشتغال عليها والإعداد لإخراجها من خلال الخطوة المرتبطة بتذليل الصعاب عبر التقارب والحصول على موافقة مبدئية أمام المبادئ. وأرى أن الحكومة ستكون أمام خطوة ثانية تتمثل  في القوانين اللاحقة من قبيل تعديل أنظمة التقاعد، بالإضافة إلى إصلاح نظام المقاصة، الذي تواصل الحكومة الانخراط بقوة في سبيل تحقيقه، دون إغفال تأثيرات المناخ العام المرتبط بارتفاع التضخم وموجة الغلاء في المواد الاستهلاكية والمنتجات الفلاحية، وكلها عناصر تضع الحكومة أمام رهان التفكير كثيرا قبل سلوك خطوة طرح تلك المشاريع. لذلك لا أستبعد، شخصيا، حصول تعديل حكومي خلال الدورة البرلمانية الحالية، على اعتبار أن الحكومة مطالبة بتجديد الدماء بـ”بروفايلات” جديدة تحظى بجانب مهم من التوافق حولها في الساحة الوطنية وعلى  المستوى السياسي، وهذا الأمر مسألة أساسية للغاية لتكون خطوة مرافقة للخطوة التي أقدمت عليها الحكومة بالزيادة  العامة في الأجور.

 

  • ما الذي يمكن أن تلعبه النقابات والهيئات التنظيمية في سبيل إخراج هذه القوانين؟

 

إقرار مشاريع القوانين التي على طاولة الحكومة ليس من الأمور السهلة لعدة ارتباطات تتمثل في أن هذه القوانين من شأنها، إن تم إقرارها بصيغة سليمة، أن تحقق مبتغى النقابة والجهات المعنية بها، في ظل الحديث عن حالة شاذة تتمثل في تآكل النقابات، وهو الأمر الذي يطرح، أيضا، سؤال دور النقابات في إقرار هذا القانون، حيث إن الأخيرة تبقى طرفا أساسيا في الحوار الاجتماعي، في ظل غياب البدائل. لكن مع هذا الأمر يجب التأكيد على أننا إزاء ظهور فاعلين جدد في الميدان، وهم التكتلات المهنية، من قبيل التنسيقيات، وعلى الحكومة أن تبحث عن صيغ من أجل إشراك هؤلاء الفاعلين الجدد والوسطاء الذين باتوا ينافسون النقابات في الجانب التأطيري، والذين على الحكومة أن تبحث  لهم عن صيغة من أجل إدماجهم في المشاركة السياسية  الاعتيادية. هنا نؤكد على أن الحكومة مطالبة بإعادة النظر حتى في الإطار القانوني، من قبيل القانون المؤطر للمظاهرات في الطرق العمومية، والذي يمنح حصرا حق التظاهر للنقابات والأحزاب والجمعيات المدنية، ولا يستوعب هذه الفئة العريضة التي في الواقع تتظاهر بشكل كبير في الشارع. لذا من الواجب إعادة النظر في القوانين، ومنها قانون الحريات العامة، من أجل إدخال هؤلاء  الفاعلين الذين يختلفون في توليفتهم عن النقابات، لأن هؤلاء الفاعلين، إن لم يتم استيعابهم، من شأنهم أن يعرقلوا إخراج هذا القانون التأطيري للإضراب، هذا دون إغفال دور أرباب العمل والمطالبة بأن تكون لنا مقاولات مسؤولة، حيث لا يمكن أن نحمل الأجراء المسؤولية عن أي تعثر في طريق إقرار هذا القانون، بل إن أرباب العمل بدورهم مطالبون باحترام مدونة الشغل والليونة مع التنظيمات النقابية مع توفير الجو نحو مقاولة مسؤولة تحقق الشروط الدنيا للإضراب، وإلا سيختل الميزان.

يجب أن تكون الغاية لدى الحكومة إخراج هذا القانون، بقدر ما يجب أن يحققه في إطار روح التوافق الوطني، التي يجب أن تغلب في إخراج القانون التنظيمي للإضراب، لعدة اعتبارات، منها أن إخراج هذا القانون هو احترام لروح الدستور، ولذا وجب النظر إلى ما بعد تطبيق هذا القانون، الذي يجب أن يحقق ويجوّد مناخ الاستثمارات، ويحفظ الكرامة ويحسن الجانب الاجتماعي للأجراء والموظفين، فضلا عن تحقيقه السلم الاجتماعي المنشود الذي يبقى أساسيا.

 

  • ماذا عن دور المؤسسة التشريعية المتمثلة في مجلس المستشارين الذي يضم الفرقاء الاجتماعيين؟

ظلت المؤسسة التشريعية دائما في صلب الإصلاحات المهيكلة بالدولة المساهمة في الإنتاج التشريعي، حيث كانت السلطة التشريعية في صلب هذه الإصلاحات، إذ توسعت اختصاصاتها بشكل كبير، إلى جانب تعزيز استقلال السلطتين التنفيذية والقضائية. وينبغي على جميع ممثلي الأمة بالمؤسسة البرلمانية العمل عليها عن كثب بغية القيام بالمهام الدقيقة للمجال التشريعي، خصوصا للجيل الجديد من الإصلاحات الاجتماعية التي ستنخرط فيها بلادنا في الفترة المقبلة.

هنا وجب النظر إلى الموضوع من طبيعة البرلمان المغربي وتشكيلته، سيما في أغلبية البرلمانيين الذين لا يتوفرون على مؤهلات العمل التشريعي، والمحدد، هنا،  لولوج المؤسسة التشريعية مرتبط بالأساس بالجانب المادي، وإن كان القانون المغربي يمنح الحق لجميع المغاربة الراشدين في الترشح لولوج المؤسسة البرلمانية، إلا أن الظاهر أن هناك عزوفا للنخب والأطر. وهنا يطرح إشكال دور الأحزاب المغربية المطالبة والمعنية باستقطاب النخب ذات الكفاءة بدل البحث عن أصحاب الأموال الذين سيحصلون على المقاعد، وهو ما يجعل البرلمان المغربي محط نظرة من المجتمع في غالبيتها سلبية، مقابل كون الحكومة، ممثلة في الوزارات القطاعية، تتوفر على مؤهلات من خلال مكاتبها ومصالحها وإداراتها الجهوية لإعداد تلك المشاريع.

 

 

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى