شوف تشوف

الرأيالرئيسية

قنبلة نووية على وشك الانفجار

صبري صيدم

 

طال أمد الحرب الروسية الأوكرانية بصورة تجاوزت توقعات المحللين، فقد مر زمن طويل منذ أن عبرت القوات الروسية الحدود باتجاه كييف في فبراير من العام الماضي، في ما بدا للوهلة الأولى بأننا أمام نصر سريع. فموسكو لم تدخل المعركة بارتجال، وإنما خطط لها بكامل تفاصيلها في مشهد تقول موسكو بأن الغرب قد فرضه عليها، خاصة مع تشجيعه لكييف للتقرب أكثر من دول حلف شمال الأطلسي، ودعوة أوكرانيا أيضا للانضمام إلى الحلف، والسماح بنشر صواريخ طويلة المدى قادرة على دك موسكو. حال لم يرق لموسكو فاقتنعت بضرورة أن تعد العدة لحرب ضروس ضد أوكرانيا، خاصة بعد تراكم معطيات كبيرة وتاريخ حافل بالندية والنزاع.

ومع تنامي قدرات الجيش الروسي، وما أعلن عنه من صنوف السلاح والعتاد الموجود لديه، فإن الانطباع تولد بأن الحرب لن تطول، وأن موسكو قادرة على حسمها بأسرع وقت. وقد عزز هذا الأمر ما صدر من تصريحات عن القادة الروس في الأيام الأولى للقتال، الذين أشاروا إلى كونهم يعرفون مقر رئيس أوكرانيا، لكنهم لا يريدون اغتياله.

إذن ما الذي تريده موسكو؟ ولماذا أطال بوتين الحرب؟ هل لأن الجيش الروسي عاجز عسكريا، حسب ادعاء البعض، خاصة بعد تراجع دور قوات فاغنر؟ أم أن غياب الأخيرة، وما عاشته موسكو من تجربة أليمة معها، قد حط من قيمة الجيش الروسي، وأصاب معنوياته في الصميم وأظهره بمظهر العاجز تماما؟ أيا كانت الأسباب فإن الحرب لم تعد تتوقف عند حدودي البلدين، روسيا وأوكرانيا، بل خرجت لتصل دول تحالف البريكس، الذي يشمل روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، هذا التحالف الذي قرر أن يرد على مطامح دول تحالف الأطلسي، عبر الانخراط في تعزيز تحالف البريكس، وتوسيع هذا التحالف لتكون إفريقيا الهدف الرئيس فيه. ومن هنا بدأ السعي المتسارع لتوقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية موسعة، تتعهد بموجبها موسكو بإعفاء تلك الدول من معظم ديونها، وتوفير القمح اللازم لها، إما بصورة تبرع أو بأسعار تفضيلية، إضافة إلى توفير الدعم العسكري. وعليه بدأت قنبلة إفريقيا النووية بالتبلور لتكون بمثابة الفرصة الذهبية لموسكو لمقارعة أوروبا وطردها من إفريقيا، وإضعافها عسكريا واستراتيجيا واقتصاديا، إضافة إلى حرمانها من شرايين الحياة الأهم بالنسبة إليها، خاصة في مجال الطاقة.

ومع كتابة هذه الكلمات تكون معظم دول إفريقيا قد وقعت مع روسيا من ليبيا شمالا إلى بوتسوانا جنوبا، ومن غينيا غربا إلى إثيوبيا جنوبا، بحيث لم يتبق سوى بعض الدول التي ستتبعها حتما. وقد شكل التحرك العسكري في مالي، ثم بوركينافاسو، ثم النيجر، وطرد القوات الفرنسية من هناك وفشل فرنسا في تغيير تلك القرارات، أو التدخل في النيجر مثلا لصد الانقلاب الأخير، رغم تهديدها الصوري بذلك، شكلت جميعها دليلا قاطعا على أن قنبلة موسكو والصين النووية أوشكت على الانفجار لتكون نتيجتها تكوين نظام عالمي جديد، يغيب معه دور الإمبراطوريات السابقة، التي استمرت وحتى تاريخه في نهب مستعمراتها السابقة وحرمانها من الثروات، ومن الحياة والديمقراطية والتطور والازدهار، والإصرار على عدم الاعتذار عن وعودها الاستعمارية ومذابحها السابقة، وما تسببت به من نكبات ونكسات واحتلالات وجرائم وتشريد.

فهل يا ترى أطالت موسكو أمد الحرب في إطار مسعاها ومعها دول البريكس، لإعادة ترتيب خريطة العالم وثرواته ومصادر طاقته وسبل إدارته؟ أم أنها وسعت من نطاق الحرب لتصل إلى إفريقيا سعيا لهزيمة أوروبا من الداخل، بعد أن تخور قواها الحياتية الاستراتيجية؟ ننتظر ونرى!

نافذة:

قنبلة موسكو والصين النووية أوشكت على الانفجار لتكون نتيجتها تكوين نظام عالمي جديد يغيب معه دور الإمبراطوريات السابقة التي استمرت وحتى تاريخه في نهب مستعمراتها السابقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى