قنبلة موقوتة اسمها سامير (3/2)
المفروض في شركة سامير كان هو أن تقوم بمجرد تسلم المبلغ من الدولة باختيار وتكليف المشغل الذي سيكون المسؤول عن بناء المصفاة، مثل «تيكنيب» الفرنسية، أو «هاليبرتون» الأمريكية، أو «شلمبرجير» أو غيرها، وأن تنتظر التسليم النهائي للمشروع جاهزا.
لكن المدير بعامر وتابعيه كانت لديهم رؤية مختلفة لطريقة صرف مبلغ ستة مليارات درهم التي منحتها الدولة للشركة، وتصرف في مشروع بناء المصفاة الجديدة كما لو أنه كان سيبني قصره الخاص.
والنتيجة هي أن تكلفة عصرنة المحطة فاقت ملياري دولار، والسبب هو سوء التسيير وغياب التغطية المالية ضد التغيرات في أسعار الصرف، والجهل التام بأبجديات إدارة المشروع والمحاسبة الكاذبة والفواتير الوهمية، واللائحة طويلة.
وهنا يجب التذكير بمشروع التوليد المشترك للكهرباء، الذي بناء عليه تم الحصول على قرض مصرفي قدره 60 مليون يورو، ولم ير النور إلى اليوم.
لتحقيق هذه الأهداف، أحاط بعامر المدير العام نفسه ببعض الأطر التي ورثها عن الشركة الشريفة للنفط، منهم مهندس تخرج من EMI وكان رئيسا سابقا للمستودع بسيدي قاسم، تمت ترقيته إلى مدير المعلوميات، وبرنامج SAP الذي يعود إليه الفضل في وضعه يمكن اعتباره نموذجا لكل التجاوزات.
ثم هناك مدير القسم المالي، المسؤول الأول عن الديون التي تورطت فيها سامير، فبفضله، أو بسببه، توصلت الشركة بإنذار من طرف مجلس القيم المنقولة سنة 2008، بعد تزوير مذكرة المعلومات التي صدرت في وقت قرض السندات المقدرة بـ800 مليون، والتي بالمناسبة يجب تسديدها في نهاية هذا العام.
وقد شارك هذا المسؤول في اختيار مدير المحاسبة، الذي كان يشتغل سابقا لدى الشركة الشريفة للبترول، وتخرج من HEC بتونس، وهو ابن شقيق قنصل سابق للمغرب، فساهم بدوره في خراب مالية الشركة، وقد كانت مهمته في نهاية المطاف هي الهروب من الأرصدة القابلة للتمويل باستخدام جميع الحيل الإجرائية والمحاسبية، وخصوصا المصادقة عليها من قبل أحد مفتشي الحسابات لدى الشركة، أي شركة KPMG، إذ تم توظيف أخت المفتش لدى سامير منذ سنتين في حين أن قانون مدونة المحاسبين واضح في هذا الشأن.
أحدث إنجازات مدير القسم المالي منذ عامين هو تعيين ابن خالة زوجته، وهو شاب تخرج حديثا للعمل كرئيس قسم المديونية، وهو الذي طلب من الجمارك فترات دفع استثنائية قانونية تفوق 18 شهرا لقروض الاقتطاع، مستغلا في هذا الغرض خدمات مشغل سابق لدى الشركة الشريفة للبترول، المسؤول عن البوابة الرئيسية للميناء والعمليات الجمركية، لتسهيل المعاملات.
في هذه الفترة كان محمد غياث، مدير الموارد البشرية، يترقب على أحر من الجمر بلوغ أي إطار أو موظف سن التقاعد، لوضع مرشحيه في مواقع المسؤولية.
وقبل عمله بسامير كان محمد غياث قد أقيل من وظيفته بالـOFPPT بعد اندلاع فضيحة إدارية. حيث كان ابن الشيخ يريد أن يوصل القضية أمام القضاء، إلا أن «أصحاب الحسنات» دخلوا على الخط فتم طي الملف.
وهكذا استطاع غياث بوصفة المسؤول عن الموارد البشرية أن يوظف نجل محافظ سطات وابن شقيق القاضي فارس، كما وظف ابنة بوشعيب ارميل، المدير العام السابق للأمن الوطني، وابنة أحد كبار ضباط الشرطة بالرباط، وضمن لنجل وزير الخارجية السابق الفاسي الفهري تدريبا داخليا بالقسم التجاري لشركة سامير، إضافة إلى أمل بنيعيش قريبة سفير المغرب بمدريد التي تم تعيينها رئيسة القسم، والقائمة طويلة.
«إنجازات» إدارة سامير التي أدت إلى الوضعية الكارثية الحالية لا تعد ولا تحصى، أهمها إبرام اتفاقية مع إدارة الجمارك تشمل الحصول على خط ائتمان جديد بقيمة 6 مليارات يتم تسديدها على مدى 18 شهرا بفائدة تصل إلى 7.2 في المائة. وقد حصل وزير المالية آنذاك، نزار بركة، على منحة قدرها مائة مليون سنويا لجمعية بمدينة العرائش، التي كان يترشح بها عباس الفاسي، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، والمسماة «جمعية العروسية» والمسيرة من طرف ابن عم نزار بركة.
هذا دون الحديث عن عقد إعلاني مجزٍ قيمته 700 مليون مع محطة إذاعية ولدت بملعقة من ذهب في فمها. وليست هذه المحطة الإذاعية هي المؤسسة المحظوظة الوحيدة التي ذاقت من عسل بعامر، بل إن شركات تم تأسيسها خصيصا لكي تصبح المورد الأساسي والحصري لشركة سامير، وتتحول بين عشية وضحاها إلى شركات تقدر أرقام معاملاتها بالمليارات.
وفي هذا الصدد الأمثلة متعددة وكثيرة إلى درجة أننا لا نستطيع اختيار المثال الأنسب، عفوا المثال الأسوأ. وقصة ذلك العامل الذي بدأ كمستخدم بسيط وأصبح اليوم من كبار «الدوماليين» جديرة بالحكي. فالرجل يوجد اليوم على رأس الشركات الثلاث التي تقوم بكل شيء تقريبا داخل سامير ACHRAL BUILDING, ISO MONTAGE et ROHER MAROC. المشاريع التي تقدر ميزانياتها بمئات الملايين تمنح لهذه الشركات عن طريق الاتفاق المتبادل، مباشرة ودون تقديم أي طلب للعروض أو تتبع مراحل الإنجاز.
تجب بهذا الخصوص مراجعة الكيفية التي حصل بها المدير العام بعامر والآخرون على ثلاث شقق بمشروع المحمدية لصاحبه العلالي رئيس بلدية المحمدية، وأيضا الفيلات التي تم بناؤها لهم مؤخرا.
وبالإضافة إلى هؤلاء، هناك آخرون يتحملون المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع بشركة سامير، منهم رئيس قسم المشتريات السابق، نجل محام استقلالي معروف تم سجنه بتهمة الاختلاس وتوفي في المملكة العربية السعودية خلال موسم العمرة بعدما حصل على رخصة استثنائية لمغادرة السجن.
على الرغم من أنه تخرج من جامعة «الأخوين» وحصل على الماجستير في لندن، لم يستطع أبدا أن يرفض شيئا. هناك أيضا المدير السابق في التطوير الذي تقاعد، وأيضا الإطار الذي أتى محله لشغل منصب في هندسة التكرير ومديرية الصيانة، والذي كانت مهمته هي خلق الحوادث والقيام بصيانتها وذلك بهدف خلق شغل للمقاولات الخارجية.
ولعل مفتشي مكتب الصرف الذين حلوا بمقر شركة سامير لتفقد كشوفات الحسابات والتحويلات، التقوا مدير الخزينة، وإذا لم يكونوا قد فعلوا فليس أمامهم سوى استدعائه لاستفساره حول قائمة التحويلات المشبوهة إلى الخارج، فهو رجل الثقة لجمال بعامر في جميع المعاملات بالعملات الأجنبية.