قنبلة موقوتة اسمها سامير (3/1)
بينما الجميع منشغل بالفتنة الانتخابية الكبرى هناك موضوعان في غاية الأهمية لا أحد يعيرهما الأهمية اللازمة، الأول يتعلق بعجز الميزانية الذي وصل إلى 5،27 ملايير درهم، بسبب تراجع المداخيل الجمركية وانخفاض مداخيل الضريبة على الاستهلاك، خصوصا التبغ والخمور بسبب الإقبال على المنتوج المهرب، والثاني هو أزمة شركة سامير المفتوحة على أسوأ الاحتمالات في سوق عالمية تعيش منذ الاثنين الماضي أزمة مالية غير مسبوقة بسبب ارتعاش المارد الصيني الأصفر.
وبينما تنهار بورصة الدار البيضاء، وتنهار معها شركات كبرى مدرجة فيها أو تعلق فيها أسهمها من التداول كشركة سامير والذراع العقاري لصندوق الإيداع والتدبير وشركة «سنيب» وغيرها من الشركات العملاقة، نرى أن مدراء هذه الشركات «مكاينينش هنا»، مثل مدير الموارد البشرية لشركة سامير، محمد غياث، الذي يقدم نفسه في الملصق الانتخابي لحزب الأصالة والمعاصرة الذي ترشح باسمه تحت صفة «مدير عام مؤسسة»، بينما الجميع يعرف أن وظيفته الحقيقية هي مدير الموارد البشرية بشركة سامير.
أو كالملياردير العامودي مالك غالبية أسهم سامير، الذي كلفته أزمة الاثنين الأسود خسارة 212 مليون دولار، الذي جاء إلى لقاء وزراء الحكومة فارغ اليدين وغادر تاركا الشركة تغوص في الديون.
الذين يمارسون تحليل الهواة في افتتاحياتهم لشرح أزمة سامير يفعلون ذلك لتمجيد رئيس الحكومة وتقديمه كمفاوض شرس يدافع عن الدولة ضد من يريد ابتزازها، والحال أن أصل مشاكل سامير ليس وليد اليوم، بل يعود إلى سنة دخولها إلى البورصة قبل الخصخصة 1996 ثم 1997.
هكذا انفرد نفس المشغل لملكية وتسيير المصفاتين الخاصتين بالبلاد، سامير بالمحمدية ومقر الشركة الشريفة للبترول بالرباط ومصفاة سيدي قاسم. وبذلك تكون الحكومة قد وضعت المستقبل الطاقي للبلاد في سلة واحدة وبين يدي «تاجر» واحد.
في تلك الفترة، أي على عهد الملك فهد، كان مفهوما أن يتم ذلك، فقد كان المغرب يتلقى هبات نفطية من السعودية، وكانت شركة سامير تقوم بتحويلات مصرفية نحو بنوك خارجية ولا أحد كان يعرف أين تحول تلك الأموال.
اليوم هناك زيارات متكررة من طرف مفتشي مكتب الصرف لمقر الشركة بالمحمدية، بحثا عن مصادر التحويلات، ولذلك فقد صدرت تعليمات شفوية لبعض الموظفين بتدمير الوثائق حتى لا تنكشف الأسرار المطمورة بعناية في الدواليب.
أحيانا تخفي نقمة الكوارث الطبيعية نعمة لا نفهم سرها إلا بعد سنوات، وهكذا فقد كانت كارثة عام 2002 التي تسبب فيها سوء الأحوال الجوية والفيضانات التي اجتاحت محطة سامير ومدينة المحمدية بسبب تقصير ONEP والملحقة الإقليمية للمياه والغابات التي تسير السدود في تلك الفترة، ومنذ استحواذ «كورال» التي تملك نسبة 69 في المائة من سامير، وهي في حد ذاتها ممتلكة من طرف MORONCHA في قبرص، والتي هي 100 في المائة في ملكية الملياردير العامودي، بدأت الإدارة في عملية تصفية لجميع الأصول المدمجة للمجموعة من الأراضي والممتلكات المالية والعقارية، وكذا السيولة البنكية والحسابات المصرفية الوفيرة، وذلك بهدف توزيع أرباح استثنائية على المساهمين وأيضا لتزييت مفاصل السوق لتسهيل المعاملات.
هذا في الوقت الذي كان على الإدارة أن تقوم بتحديث أدوات الإنتاج للمصفاة للوصول إلى تكرير 9 ملايين ونمو سنوي يصل إلى خمسة في المائة أقل.
كانت مهمة المدير السعيدي، وزير الخوصصة السابق الذي باع سامير وجاء يشتغل فيها، كانت هي إعداد الملعب لجمال بعامر، الذي كان آنذاك مديرا لوحدة التطوير والتنمية
1999 – 2004، قبل أن يتقلد منصب الرئيس التنفيذي.
كانت الخطة هي إزالة الأشخاص الأكفاء من الشركة ووضع آخرين في الواجهة لخنق النشاط النقابي وإرخاء ستار من الضباب على الحسابات.
هذا لا يمنع من القول بأن السعيدي خلال فترة إدارته للشركة تمكن من تحقيق تقدم في التوزيع عبر الشراكة مع شركة Somepi وذلك بعد وقوع كارثة الفيضانات سنة 2002 التي كانت بمثابة الهبة الربانية بالنسبة لشركات التوزيع آنذاك، أفريقيا SMDC، وشركة «بيتروم» التي تتحكم فيها عائلة بوعيدة، وتجمع «طوطال» و«شيل» و«أويل ليبيا»، «وينكسو» حاليا، و«نفط شمال إفريقيا» PNA، و«أطلس صحارى» المملوكة لعائلة الدرهم، و«بترومين» المملوكة لعائلة «بيشا».
هذه الشركات هي التي ستمكن المغاربة اليوم من الاستمرار في التزود بالمحروقات من المحطات التي تغطي كل تراب المملكة، وهي الشركات ذاتها التي ضمنت الاحتياطي الموجود اليوم في مخازن الموانئ المغربية بعد توقيف العامودي لتكرير البترول في مصفاة سامير وتهديد الأمن الطاقي للمملكة.
بعد وقوع كارثة 2002، استيقظت الدولة وبدأت تطالب بتفعيل القرارات لإعادة مراجعة دفتر التحملات سبع سنوات بعد تفويت المحطة، وقد أفضت المفاوضات بين الجانبين إلى توقيع اتفاقية في نهاية سنة 2004، أي بضعة أشهر بعد إزالة السعيدي واستبداله بجمال بعامر.
مبلغ الاستثمار الذي ستدفعه الدولة بموجب هذه الاتفاقية لشركة سامير كان هو حوالي 6 مليارات درهم، والمفارقة في هذه القصة هي الغياب التام لأي خطة استثمار واقعية.
فالدولة لم تطلب قط توضيحا لهذه النقطة أو رؤية واضحة للمدة اللازمة للإنجاز، وبالتالي موعد التنفيذ، وخصوصا النصيب المقرر لكي تدفعه شركة سامير، أو الجهات المانحة لمعرفة من سيتحمل أعباء الديون.
لا شيء من هذا تم توضيحه.