يونس جنوحي
بين الصين وإندونيسيا توجد جزر كثيرة متناثرة وسط البحر. لكن الذين يتفاوضون حول مصيرها لا يُبللون سراويلهم بالماء، إذ إن السلطات الإندونيسية رفضت، أخيرا، عرضا تقدمت به الصين لإجراء مفاوضات تهم بحر الصين الجنوبي، ويطلق عليه أيضا «البحر الشرقي في فيتنام».
هذه المنطقة تعتبر مياها مشتركة بين مجموعة من الدول، بينها ماليزيا والفيتنام والفليبين، وتشهد أنشطة صيد مكثفة.
لكن الصين، بحسب ما صرحت به الحكومة الإندونيسية، في إطار ما يُعرف بأنشطة خط «العوارض التسع»، تُعرض مصالح جاكارتا للخطر.
وبحسب التطورات الأخيرة في الموضوع، بناء على ما نشرته صحيفة «الفيتنام تايمز» الأسبوع الماضي، فإن الحكومة الصينية أقرت قبل أشهر، في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بعدم وجود نزاع إقليمي مع إندونيسيا، لكنها، بحسب مقال الصحيفة، قالت إن البلدين لديهما مطالب متداخلة بشأن الحقوق البحرية في بعض أجزاء البحر الشرقي بينهما.
وسبق لإندونيسيا أن رفضت خريطة تقدمت بها الصين وطالبت بحقها التاريخي في ممر «الماني» المُتنازع عليه، على اعتبار أن هناك اتفاقا رعته الأمم المتحدة بين البلدين يعود إلى سنة 1982.
الصين وجهت رسالة في الموضوع إلى الأمم المتحدة تقول فيها إنها مستعدة لتسوية المطالب المتداخلة من خلال التفاوض والتشاور مع إندونيسيا للحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، لكن تقارير حقوقية كثيرة تضع الصين في منصة الاتهام وتوجه إليها سهام الانتقاد واتهامات بممارسات لا أساس لها في القانون الدولي.
موضوع الصيد في هذه المياه التي تتناثر فوقها مجموعة من الجزر، والذي وصل إلى محكمة لاهاي الدولية، لا يزال موضوع نقاش دولي، خصوصا وأن بعض الأطراف اتهمت المحكمة الدولية الدائمة بالانحياز إلى الفلبين في قضية رفعتها مانيلا ضد بكين بشأن نزاع حول المياه الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.
جزء كبير من الرأي الدولي حول العالم ليس معنيا بما يجري في المنطقة، لكن الاتهامات التي تُوجه الآن إلى الصين بخصوص ما يعرف دوليا بخط الـNine-Dash» » الصيني، وتجاوزه للحدود الإقليمية التي تم ترسيمها والاتفاق عليها منذ أربعين سنة خلت، اتخذت منحى جديا يستدعي فعلا أن يحظى ببعض الاهتمام الإعلامي، بحكم أن الصين تربطها اتفاقيات صيد مع دول كثيرة حول العالم، ومن شأن هذا الصراع حول المياه الإقليمية أن يؤثر على مردودية قطاع الصيد في الصين، وهو ما سوف يجعل الحكومة الصينية، بكل تأكيد، تفكر في تغيير خططها مع الدول التي تربطها بها اتفاقيات من هذا النوع، خصوصا وأن دولا إفريقية كثيرة تربطها اتفاقيات استغلال بعيدة المدى في مجال الصيد، مقابل مساعدة الحكومة الصينية لها على تشييد المرافئ وخطوط النقل لتصدير ثروتها السمكية إلى الصين.
واشنطن دخلت على الخط، من خلال ما يعرف بمبادرة الشفافية البحرية الآسيوية، وعلقت، في شخص مديرها «بولينج»، الذي قال إن المبادرة الإندونيسية من شأنها أن تفتح آفاقا جديدة، إذ يُنتظر أن تتجه الأمور ضد المصالح الصينية في المنطقة، وهو ما سوف يزيد من حدة الاتهامات الموجهة إلى الصين في موضوع التوسع الاقتصادي دون احترام المعايير والاتفاقيات الدولية. لكن المثير أن إندونيسيا ترفض بالمطلق الجلوس مع الصين إلى طاولة التفاوض حتى الآن، وهو ما يعني أن المشكل سوف يعمر طويلا.
ألا يطرح هذا الأمر سؤالا مباشرا حول الجهات التي تدعم ملفات واهية مثل ملف الجماعات الانفصالية وأنشطتها التي لا يمكن أن تُرى بالعين المجردة، مثل البوليساريو، وتصد وجهها عن ملف اقتصادي بهذا الثقل، سوف يؤثر بالتأكيد على الاقتصاد الدولي إن تم تعديله، وتُعنى به دول تشكل لوحدها أزيد من نصف أنشطة الكرة الأرضية الاقتصادية؟ صدق فعلا من قال إنه إذا ظهر السبب بطل العجب.