حسن البصري:
منذ أن وجهت وزارة الثقافة والشباب إنذارا لشركة الملابس والتجهيزات الرياضية الألمانية «أديداس»، بعد نشرها صورا على مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمن تصميما للقمصان الرياضية لمنتخب الجزائر، بها أشكال من نقوش «الزليج»، فتحت جبهة أخرى للمناوشات بين الجارين.
انتدبت الوزارة محاميا، فبادر بإرسال إنذار للممثل القانوني للشركة الألمانية، مطالبا بسحب هذه القمصان من الأسواق في ظرف أسبوعين، أو الاعتراف في بيان صحفي بأن التصاميم المستخدمة في هذه القمصان مستوحاة من «الزليج المغربي». تبين أن ما يروج في السوق المغربية قمصان مستنسخة.
تقول وزارة الثقافة المغربية إن تصميم قميص الإحماء للمنتخب الجزائري فيه استيلاء ثقافي ومحاولة سطو على شكل من أشكال التراث المغربي. ومنذ أن كشفت شركة الأمتعة الرياضية العالمية عن القميص «الزليجي» على صفحتها الرسمية في منصة «تويتر»، ظهرت بؤرة نزاع جديدة بين عشيرة الرياضيين المغاربة والجزائريين، وتحول المحللون الرياضيون في البلدين إلى «صنايعية» يفتون في «الزليج» وأصوله و«البلغة» وحسبها ونسبها، وشدت أطقم صحفية جزائرية الرحال إلى قصر المشور بتلمسان، واستنطقت محافظه الذي أقسم بأن القميص مستوحى من الأنماط الموجودة في هذا القصر الأثري. وحين قال شاهد «عيان» إن تلمسان كانت تابعة للحكم المغربي، نهره الصحافي وقال له بصوت مسموع، «خليك في دزاير».
في غمرة سجال القمصان، خرج اللاعب الدولي المغربي السابق عبد السلام وادو، ليقدم فتواه في النازلة، وكتب على صفحته «الفاسيبوكية» معلقا على صورة تحمل قميص المنتخب الجزائري الجديد: «كمغربي سأشتريه، كدليل على الأخوة وكل ما يربط المغرب والجزائر لغويا وتاريخيا وثقافيا وفنيا وذوقيا ودينيا، وأن أسباب المأزق حول هذا القميص دليل على قربنا، هناك أشياء كثيرة تربطنا أكثر من الأشياء التي تفرقنا». وختم منشوره بدعوة وزير الثقافة المغربي إلى سحب الشكوى، داعيا إلى توفير الجهد والمال في ترميم الكثير من المواقع الأثرية المهملة.
دارت معارك في الجبهات المتقدمة من منصات التواصل الاجتماعي حول القميص المتنازع عليه، وبحث جيراننا عما تبقى من «صنايعية» ليدلوا بشهاداتهم في نازلة القميص «المزلج»، فاستغربوا لانتقال هذه «الصنعة» من الجدران إلى القمصان، وقالوا إن أصلها موريسكي وأن بلاد الأندلس هي صاحبة الملكية القانونية لهذا الفن التقليدي، والباقي تقليد.
في غمرة هذه المعارك الصغيرة، نفض إعلام الجارة الشرقية الغبار على «لمعلم» بوجمعة العملي، هذا الرجل الذي انتقل من تيزي وزو الجزائرية إلى آسفي، على سبيل الإعارة، ليفتح مدرسة لتعليم حرفة الزليج والخزف، ويصبح الأب الروحي للزليج، على حد تعبير محلل «خزفي».
لكن مهما حاولنا البحث عن سر النزاع بين وزارة الثقافة وشركة الأمتعة الرياضية الألمانية، سنعود حتما إلى رواية «القميص المسروق» للكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، وسنقف عند السرقة الحلال، وسندخل في متاهات أخرى تجعل وزارتنا تقاضي فريقا ارتدى أحذية رياضية مستوحاة من «البلغة» الفاسية، أو ناديا بنى ملعبا على شكل «طنجية مراكشية»، أو لبس بذلة رياضية شتوية فيها بعض ملامح «الجلابة البزيوية».
وزير الثقافة والشباب ليس غريبا عن محيط الكرة، فقد كان، قبل استوزاره، رئيسا لفريق يعقوب المنصور المنتمي لدوري المظاليم، ويعرف أن فرق الهواة مستعدة لارتداء قمصان مستوحاة من تراث السند والهند شريطة أن تكون بالمجان.
بن سعيد يعلم أن طوطو يضرب مرافعة الهوية التراثية «في الصفر»، ورغم ذلك يصر على وضعه في التشكيلة الأساسية للمهرجانات، ويعلم أن الفرق التي تعاني من الهشاشة ترتدي قمصانا بجيوب فارغة إلا من الثقوب. لهذا قال الشاعر العراقي أحمد مطر:
يرثي القميص حاله مستفهما
ما حاجة المفلس للجيوب.