ترأس ولي العهد المغربي مولاي الحسن، أول أمس الاثنين، حفل افتتاح الدورة السادسة عشرة للمعرض الدولي للفلاحة في المغرب (سيام). وبما أن المناسبة شرط، فلا بد أن تكون هذه المناسبة لحظة لإعادة النظر في سياستنا الفلاحية بما يتماشى مع تحديات الجفاف وتنامي الطلب الاجتماعي.
لقد بقيت الفلاحة العمود الفقري لاقتصاد البلاد، عبر عقود، وصولا إلى يومنا هذا، حيث بدأت مكانتها تتراجع، نتيجة تقلبات مناخية وتغيرات اجتماعية وتحولات ديموغرافية وتوترات جيوستراتيجية وجشع لوبي فلاحي لا يفهم إلا تضخم حسابه البنكي. هذا التراجع صار يشكل تهديدا حقيقيا لأمننا الغذائي، ويضع مائدة المغاربة على المحك أمام الارتفاع الصاروخي لبعض أسعار المنتوجات الفلاحية، سيما من الخضر والفواكه.
لا بد أن يستوعب المسؤولون الرسميون وغير الرسميين عن القطاع الفلاحي، أن الفلاحة في بلدنا ليست نشاطا اعتدنا على فعله منذ قرون، بل هو مرتبط ارتباطا وثيقا بمسألتين حيويتين: الأمن الغذائي للمغاربة، واستقلالية القرار السيادي المغربي. مما يعني أن مزيدا من تراجع هذا القطاع يمكن أن يؤدي إلى انهيار أمننا الغذائي الذي هو جزء من الأمن القومي العام، ورهن قرارنا السيادي خلف إملاءات لدول ومنظمات أجنبية لنشتري منها غذاءنا كيفما تشاء وبالطريقة التي تشاء.
إن أهم المشاكل التي أصبحت تشكل خطرا واضحا يهدد جديا الفلاحة في بلدنا، هي عجز الموارد المائية الذي أصبح معطى هيكليا لا يمكن التغاضي عنه. فالموارد المائية هي عامل حيوي للفلاحة، وفي بلد مثل المغرب حيث تجعل غلبة المناخ الجاف وشبه الجاف على أغلب المناطق الأمور أكثر تعقيدا، حتى أصبح نصيب المواطن لا يتجاوز 500 متر مكعب سنويا، يطرح على فلاحتنا أكثر من تحد لتحقيق تحولات جوهرية في سياستنا وأولوياتنا، كما فعلت الكثير من الدول التي جعلت الغذاء أولا قبل التصدير.
لا بد من إنهاء المتناقضات في سياستنا الفلاحية، التي تجعلنا مصدرا كبيرا في الأسواق الدولية والقارية، وفي الوقت نفسه من أكثر الدول استيرادا للعديد من المنتوجات الفلاحية، وأبرزها القمح. مفارقة غريبة إن دلت على شيء، فهي تدل على عدم تلاؤم سياستنا الفلاحية مع المتغيرات والمعطيات والحاجيات الجديدة، وهذا ما يحتاج منها إلى قفزة نوعية.