قفة المواطن خط أحمر
هل يتابع وزراء الحكومة تدوينات وفيديوهات السخط والغضب العارم المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ إذا لم يكونوا يفعلون فذاك خطأ جسيم في التقدير، أما إذا كانوا يتابعون ولا يتفاعلون فتلك مصيبة كبرى، وعليهم أن يعيدوا حساباتهم السياسية والتواصلية من جديد.
ما يحاول أن يوصله الرأي العام، دون احتساب أولئك الذين لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب، أن «قفة» المواطن خط أحمر لا ينبغي تجاوزه بأي مبرر كان، وأن القدرة الشرائية للمواطن شيء محصن لا سبيل للمس بها. لكن للأسف هذه المطالب الحضارية لا تجد آذانا صاغية من الوزراء المعنيين، بل توالت الزيادات الواحدة تلو الأخرى، في معظم المواد الأساسية وحتى في البضاعة نفسها. لكن الغريب أنه ليس هناك صوت برلماني معارض، أما المركزيات النقابية فقد اختفت بقدرة قادر من المشهد الاجتماعي، وتعيش لا مبالاة غريبة وتطبيعا أغرب مع هذه الزيادات الرهيبة. أما الأحزاب السياسية فهي في سبات يمكن أن يطول لزمن أكثر.
ليس من مصلحة الحكومة ولا الأحزاب ولا النقابات ولا البرلمان التطبيع مع الزيادات، بحجة الحرب الروسية الأوكرانية أو الجفاف أو التضخم المستورد، فكل هذه الأسباب معقولة، لكن المواطن المتضرر الأول من ارتفاع الأسعار محتاج إلى مؤسسات منتخبة تشعر بمعاناته وتدافع عن حقوقه ولا تتركه فريسة في يد تجار الأزمات، الذين يستغلون أي أزمة لدفع البلد نحو الفوضى واللاستقرار الاجتماعي.
المواطن لا يحتاج إلى وزير يصف له الواقع، بل إلى مسؤول حكومي يخبره عن متى ستعود أسعار اللحوم إلى سابق عهدها، وبأي طريقة سيتم إطفاء لهيب أسعار الخضر والفواكه. قد يصبر المواطن على الارتفاع في أسعار المحروقات، لأننا لسنا دولة منتجة لها، ولأننا نشتري من الأسواق الدولية، وفي جميع الأحوال فأسعار المحروقات لا تهم سوى مليوني أسرة. لكن في ما يتعلق بقفة المواطن فهي تهم الأمن الغذائي لـ8,5 ملايين أسرة، إذا استثنينا منها الأسر الثرية، وهنا يسكن الشيطان. والمعركة مرتبطة بمسألة وقت، فإما أن تتفوق الحكومة بقراراتها المنحازة للمواطن الضعيف والمعوز، وإما أن يواصل الوزراء الصمت فتكبر كرة الثلج وتتدحرج نحو الاستقرار الاجتماعي، وآنذاك لا نعلم ماذا سيقع ولا متى سيقع ولا كيف الخروج مما سيقع.