معطيات جديدة تبرئ البستاني عمر رداد من دم مشغلته
بعد نحو ثلاثين عاما، تعود قضية المهاجر المغربي عمر رداد إلى الواجهة في فرنسا، بعد العثور على حمض نووي لأربعة أشخاص في منزل الضحية جيزلين مارشال، التي قتلت في يونيو من عام 1991. واتهم في مقتلها المغربي عمر رداد، الذي كان يعمل بستانيا في منزلها، وأدين في عملية القتل استنادا إلى عبارة ركيكة كتبت بدماء الضحية «عمر قتلني».
الأدلة الجديدة من شأنها أن تعيد قضية رداد إلى ردهات محكمة النقض، إذ لا يزال يتحمل المسؤولية الجزائية عن مقتل مارشال، رغم العفو الرئاسي الذي ناله في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك.
أدلة جديدة
كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن عناصر جديدة، قد تغير مجرى الأحداث في قضية المهاجر المغربي، عمر رداد. وعلى ضوء هذه المستجدات تقدم دفاع عمر رداد بطلب جديد لمراجعة محاكمته.
وخلُص تقرير أعده خبير خاص سنة 2019، تمكنت «لوموند» من الاطلاع على مضمونه، إلى وجود نحو ثلاثين أثرا لأحماض نووية كاملة تعود إلى ذكور ليس منهم رداد، والتي عثر عليها في العبارة الشهيرة «عمر قتلني» المكتوبة بدماء الضحية، والتي اعتبرت صك اتهام عمر في القضية.
وضمن تقريره، قام الخبير لوران برونيو بتحليل 35 أثرا للحمض النووي الموجود في عبارة «عمر قتلني»، حيث يرجح الخبير فرضية وضع البصمات الوراثية عند ارتكاب الجريمة، وليس لاحقا من طرف المحققين.
وقام دفاع رداد بالاطلاع على المعطيات الجديدة، مطالبا ببراءة موكله. في هذا الصدد قالت محامية المهاجر المغربي، الأستاذة سيلفي نواكوفيتش، خلال تصريح صحفي أمام محكمة النقض: «إذا أحطت اليوم محكمة النقض، فذلك لأن العناصر الجديدة قوية بما فيه الكفاية».
وتابعت نواكوفيتش في حديثها: «باسم حقوق الإنسان، أطلب منكم دعمه، لأن الرجل حقا بريء ويحارب من أجل ذلك، الأكيد أنه نال العفو، ولكن ذلك لا يبرئه». وأكدت أنه بفضل هذه المعطيات «سوف نتمكن أخيرا من معرفة من هو قاتل السيدة مارشال، بشرط أن يكون الفاعل أو الفاعلين مسجلين في الأرشيف الوطني الأوتوماتيكي للبصمات الجينية».
وتلقى عمر رداد من جهته، الخبر بـ«أمل» دون أن يتحمس كثيرا، قائلا: «كانت لدي الكثير من الآمال المجهضة والكثير من الإحباطات»، وأكد في تصريح للصحيفة الجهوية «نيس ماتان» أن كل ما ينتظره هو الحقيقة، وقال: «كل ما أعرفه هو أنني لست أنا القاتل».
تفاصيل الواقعة
«عمر قتلني».. جملة وجدت مكتوبة بدم المقتولة على باب القبو، بالمكان الذي وجدت فيه غارقة في دمائها، كانت هي صك اتهام مباشر للمهاجر المغربي حسن رداد.
تعود تفاصيل الواقعة بالضبط إلى يونيو من عام 1991، حيث وجدت السيدة الفرنسية، جيزلين مارشال، وهي امرأة ثرية تعيش وحيدة في الفيلا التي تملكها في منطقة موجين القريبة من مدينة نيس على الريفيرا الفرنسية مقتولة، في قبو منزلها. وبعد قدوم رجال الدرك للبحث في سبب غياب جيزلين، بناء على اتصال من جيرانها، وجدوها غارقة في دمائها، ووجدوا على باب القبو جملة واحدة تقول: «عمر قتلني» مكتوبة بدم الضحية. وبسرعة كبيرة، وجهت عناصر الدرك تحرياتها نحو عمر رداد، العامل المغربي الشاب الذي كان يعتني بحديقة القتيلة، فأوقفته في الحين.
وبعد التحقيقات التي أنجزت، تم اتهام المهاجر ابن الريف، الذي طالما أكد على براءته من هذه الجريمة، وحكم عليه سنة 1994 بالسجن 18 عاما، بعد محاكمة «مثيرة للجدل».
من هنا، تداخلت فصول هذه القضية وأصبحت قضية رأي عام شغلت المجتمع الفرنسي والعالمي. كما شكلت مادة دسمة لعدة كتابات، أظهرت أن التحقيق كان قاصرا وتخللته أخطاء عديدة، سيما أن إدانة عمر استندت إلى الجملة المكتوبة بدم القتيلة. واعتبرت المحكمة أن جيزلين مارشال، بناء على آراء المختصين، هي من كتبت الجملة التي تدين الجاني بصراحة.
غير أن قضية عمر أخذت مجرى آخر، ودخلت السلطات المغربية على الخط. وأدت هذه التدخلات إلى حصول عمر على عفو جزئي من رئيس الجمهورية، خرج بموجبه من السجن عام 1998.
وبعد عام واحد، كان جاك فيرجيس، المحامي الشهير، يتقدم بطلب لإعادة محاكمة عمر رداد، لدى لجنة مراجعة الأحكام التابعة لمحكمة التمييز في باريس. ثم أمرت هذه اللجنة بإجراء دراسات جديدة على الجملة الشهيرة «عمر قتلني». وبعكس الآراء التي احتكمت إليها المحكمة، فإن هذه الدراسات أكدت أنه ليس من الثابت أبدا ان جيزلين مارشال هي التي كتبت هذه الجملة بدمها، مما يعني احتمال وجود شخص آخر ربما يكون القاتل، وهو الذي تولى كتابة الجملة، ليبعد الشبهات عنه وإلصاق التهمة بالبستاني المغربي، فضلا عن ذلك، وكما ذكرنا أعلاه، فإن المعطيات الجديدة أفادت بوجود حمض نووي ذكري على باب القبو لا علاقة له بعمر رداد، مما يعزز فرضية وجود الشخص الآخر.
بناء على هذه المعطيات الجديدة، قبلت لجنة مراجعة الأحكام التابعة لمحكمة التمييز النظر في طلب عمر رداد، الذي يريد من خلال طلب المحاكمة الجديدة، إثبات براءته وصدقه، والتعويض عن سنوات الإدانة والسجن. غير أن عمر إذا حصل على إعادة محاكمة، فإنه سيدخل تاريخ القضاء الفرنسي، كسابع محكمة تقبل إعادة محاكمته. وذلك أن المحاكم المشكلة من محلفين شعبيين يصعب كسر أحكامها.
قضية عنصرية؟
استنادا فقط إلى العبارة الركيكة «Omar m’a tuer»، تم اعتقال عمر رداد، الذي كان يشتغل بستانيا لدى الضحية. قبل أن ينطلق التحقيق معه، حيث نفى طوال مدة التحقيق ضلوعه في الجريمة، فيما استندت المحكمة في حكم إدانته إلى تلك العبارة المكتوبة فقط، مع ما يكتنفها من غموض، «فكيف تتحدث الضحية عن قاتلها وهي ما زالت، وقت الكتابة، على قيد الحياة؟ إنها فعلا جملة غريبة»، حسب ما علق به وقتها القاضي الفرنسي الشهير جان بول رونار، أحد قضاة القضية.
كما أن اتجاه كتابة العبارتين يتناقض والوضع الذي وجدت فيه ملقاة داخل القبو. إضافة إلى أن خبرة معاكسة أثبتت أن ثلثي حروف العبارتين لا تتسقان وخط المجني عليها. وهذا دون ذكر أن عمر رداد كان أميا، يجهل الكتابة والقراءة.
وفي ظل جميع هذه المعطيات غير الكافية، حكم على عمر رداد بالسجن لمدة 18 سنة، قضى منها سبع سنوات في السجن، قبل أن يطلق سراحه بعفو رئاسي منحه إياه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، بتدخل من السلطات المغربية.
وبعد خروجه من السجن، سعى لمرات متكررة إلى إثبات براءته، وإعادة فتح قضيته، بمساعدة دفاعه المحامي الفرنسي الشهير، الأستاذ جاك فيرجيس الذي تخلى عنه عمر بعد ذلك، والذي قال بصريح العبارة إن: «الأصول المغاربية للمتهم لعبت ضده في القضية»، مشيرا إلى تحيز مفترض للمحكمة ضد البستاني المغربي.
إطار
من هو عمر رداد؟
عمر رداد هو مهاجر من منطقة الريف بالمغرب، كان يشتغل بستانيا بسيطا، وهو رب لأسرة تتكون من زوجة وطفلين، لم يتجاوز عمره وقت وقوع الجريمة 27 سنة.
حكم عليه سنة 1994 بالسجن 18 عاما، دون إمكانية الاستئناف آنذاك، قبل أن ينال العفو الرئاسي في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك سنة 1998، بفضل تدخلات أكثر من جهة، أدت إلى إيجاد حل قانوني ضمن اتفاق بين المغرب وفرنسا حول تبادل السجناء، ما جعل عمر يستفيد من عفو جزئي عام 1996 وقعه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، لتخفف عقوبته إلى أربع سنوات وثمانية أشهر، ويغادر السجن سنة 1998، بعد أن أمضى سبع سنوات هناك.
ورغم العفو الرئاسي، ظل عمر رداد يتحمل المسؤولية الجزائية في قضية القتل العمد لربة عمله الفرنسية، جيزلين مارشال. وتمسك عمر ببراءته حيث لا دليل يدينه فيها، إلا جملة كتبت بدم الضحية على باب القبو الذي وجدت فيه مقتولة: «عمر قتلني Omar m’a tuer».
وشغلت هذه القضية بال العديد من الكتاب والسينمائيين وأسالت مدادا كثيرا، حيث تناولوها في كتبهم وإنتاجاتهم، على سبيل المثال: «عمر قتلني: قصة جريمة» للمحامي جاك فيرجيس، الذي تابع القضية منذ البداية، قبل أن يتخلى عنه «عمر رداد»، وكتاب: «عمر رداد – تحقيق مضاد لإعادة النظر في محاكمة مزورة»، للكاتبين «كريستوف دولوار» و«روجي مارك مورو».
من جهة أخرى، استطاع الفيلم السينمائي الذي يحمل عنوان «عمر قتلني»، للممثل والمخرج رشيد زم، إعادة كشف الكثير من الملابسات والحقائق المتعلقة بهذه القصة التي أثارت جدلا واسعا وما زالت لحد الآن تثير نقاشات واسعة. والفيلم هو عبارة عن إعادة صياغة أحداث الجريمة بكل الحيثيات التي تم تجاهلها في مرحلة التحقيق، أو مرافعات المحكمة، حيث تعذر على عمر رداد التحدث باللغة الفرنسية، واعتمد على مترجم شفوي فوري يدعى ناصر شنوف.