مرة أخرى، تهتز مدينة الدار البيضاء على وقع الفضائح الصادمة للرأي العام المحلي والوطني، فبعد التسجيل الصوتي المسرب الذي خلق جدلا واسعا وسط جهازي القضاء والمحاماة بالمملكة، وجر مسؤولين كبارا إلى التحقيق، قضايا نصب وتزوير كبيرة تخلق الحدث بولاية الدار البيضاء، وتجر مسؤولين أمنيين وقضائيين وموظفين ومستخدمين بإدارات عمومية ومحاكم بالعاصمة الاقتصادية، وتجار إلى التحقيق والمتابعة بتهم ثقيلة.
مصادر متطابقة بالدار البيضاء تداولت لائحة أولية للمشتبه فيهم ضمت 29 شخصا جرى عرضهم، مساء الجمعة الماضي، على أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث تقرر متابعة 25 شخصا في حالة اعتقال، فيما تقرر متابعة الباقي في حالة سراح، وعددهم أربعة أشخاص يتمتعون بالامتياز القضائي، وتتوزع مهامهم بين سلكي القضاء والأمن الوطني.
واستنادا إلى خلاصات الأبحاث التمهيدية التي خضع لها المتهمون 29 من طرف عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، واستنطاقهم الأولي من طرف نائب الوكيل العام للملك لدى استئنافية البيضاء، تابعتهم المحكمة بتهم ثقيلة للغاية تتعلق بتكوين عصابة إجرامية متخصصة في ارتكاب جنح وجنايات الارتشاء، والتزوير في محاضر رسمية، والإرشاء والارتشاء، والوساطة فيها لدى موظفين عموميين مقابل دفع وتلقي مبالغ مالية كبيرة، وكذا استغلال النفوذ، والخيانة الزوجية، والمشاركة والنصب.
وبخصوص لائحة المتابعين، أفادت مصادر محلية بالدار البيضاء بأن الأمر يتعلق بشخص يلقب بـ”العمومي” يملك شاحنة لنقل البضائع، وشخصين يشتغلان في مجال البناء، وصاحب محل لبيع واقتناء السيارات المستعملة، ومتهم خامس يسير شركة بالبيضاء، وأربعة متهمين آخرين أحدهما عاطل والثاني مساعد تاجر، فيما يشتغل ثالثهم في مجال التلحيم، أما الرابع فهو مياوم، إضافة إلى مسير مقهى بالقرب من محكمة عين السبع، وسائق سيارة أجرة، ثم أربع سيدات ثلاث منهن ربات بيوت بدون مهام، فيما تشتغل الرابعة ضمن شركة للمناولة متخصصة في التنظيف.
وضمت اللائحة أيضا موظفين آخرين جرى إيداعهم السجن تتوزع مهامهم بين مستشار قانوني، وموظفة بمحكمة الاستئناف، وزميل لها موظف بالمحكمة الابتدائية الزجرية، إضافة إلى ثلاثة رجال أمن تتوزع رتبهم بين مقدم شرطة وحارس أمن. كما تضم اللائحة محاميا بهيئة الدار البيضاء، ومتقاعدا في جهاز الدرك الملكي، ومقاولا، فضلا عن عون سلطة برتبة مقدم حضري، يشتغل بالملحقة الإدارية دار بوعزة.
وبخصوص اللائحة الثانية التي تم تقديم أفرادها في حالة سراح، فقد ضمت مسؤولين قضائيين وأمنيين يتمتعون بالامتياز القضائي، ويتعلق الأمر بمفتش شرطة ممتاز، وضابط شرطة قضائية، وباشا ممتاز بباشوية دار بوعزة ضواحي مدينة الدار البيضاء، إضافة إلى نائب أول لوكيل الملك بالمحكمة الزجرية، فيما تتداول أوساط محلية بالدار البيضاء لائحة مصنفة أخرى تضم أربعة قضاة، في انتظار تأكيدها أو نفيها.
وفي انتظار استصدار النيابة العامة المختصة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء لبلاغ رسمي حول كل التفاصيل المرتبطة بهذه الفضيحة، وجمعة الاعتقالات التي أعقبتها، تتوقع فعاليات وثيقة الاطلاع أن تفجر التحقيقات التفصيلية التي سيخضع لها المتهمون بأوصافهم ورتبهم المهنية المختلفة من طرف قاضي التحقيق، تطورات جديدة ومثيرة في هذا الملف، قد تطيح بمتهمين جدد متورطين في ملفات النصب والتزوير.
وتعود فصول القضية إلى الأبحاث الماراطونية التي باشرتها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، بناء على تعليمات الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، بعد شكاية توصل بها هذا الأخير من طرف مواطنين يتحدرون من إحدى الدول الخليجية عبر المصالح الدبلوماسية بالمغرب، بخصوص الترامي على أراض عبارة عن مقلع في ملكية شركة خليجيين بتراب جماعة دار بوعزة، والذي توقف عن العمل، إلى أن تفاجأ أصحاب المقلع بتفويته للغير بطرق غير قانونية.
ويأتي عرض الأظناء على النيابة العامة بالموازاة مع حلول لجنة من وزارة الداخلية بإقليم النواصر، للتحقيق في الملف نفسه وملفات أخرى مرتبطة بالبناء العشوائي وتفريخ عشرات المستودعات في زمن قياسي، وهو التحقيق الذي طال منطقة دار بوعزة.
وتساءلت مصادر محلية عن عدم تحرك السلطات الإقليمية بعمالة إقليم النواصر للبحث في الملف، قبل تفجيره من طرف النيابة العامة، ووقف نزيف البناء العشوائي الذي أصبح يشكل نقطة سوداء، بتراب جماعتي دار بوعزة وبسكورة. في وقت كشفت المصادر ذاتها أن رجل السلطة المتابع في الملف نفسه أمام النيابة العامة، كان قد تم تنقيله من طرف عامل الإقليم، بعد تزايد الشكايات حول انتشار البناء العشوائي بتراب بسكورة، وإلحاقه بقيادة دار بوعزة.