شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

قضاة منصات التواصل

الافتتاحية

أمرت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بفتح بحث، حول واقعة نشر أخبار زائفة تقحم أسماء شخصيات ومؤسسات وطنية في القضية المرتبطة بالاتجار الدولي في المخدرات، التي أحيل بموجبها على هذه النيابة العامة 25 شخصا، على إثر الاطلاع على ما يتم تداوله من محتويات إخبارية عبر بعض الوسائط الاجتماعية التي تنسب اتهامات لشخصيات ومؤسسات وطنية، تدعي تورطها في القضية المرتبطة بالاتجار الدولي في المخدرات.

وكان من الضروري على القانون ومؤسسات إنفاذه التحرك في اتجاه النيابات العامة وقضاة الأحكام الوهميين، الذين يهيمنون على مواقع التواصل الاجتماعي ويقدمون أنفسهم فقهاء في القانون والمساطر ويطلقون الأحكام على الجميع بلا حجج ولا وسائل إثبات ولا احترام لقرينة البراءة.

ولا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت نافذة مهمة للتعبير عن الرأي والتأثير في الرأي العام، إلا أن استخدام هذه المنصات من قبل بعض مرضى الشهرة، لتتحول إلى محاكم افتراضية ترمي اتهامات تمس الحياة الشخصية للمواطنين، لم يعد أمرًا مستساغا، بل أصبح السكوت عن ذلك يثير الكثير من الشكوك.

فمع كل محاكمة أو جريمة أو حدث بارز، يهز أركان المجتمع، يسيل لُعاب تجار «الأدسنس»، حيث تراهم يُهرولون لارتداء بذلة وكلاء الملك ويحملون مطرقة قضاة الأحكام وضباط الشرطة القضائية فيباشرون إطلاق أحكامهم جزافا على الناس، فيحكموا على المتهمين والضحايا بأخبار كاذبة ينشرونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يطلعوا على المحاضر فيدينون من شاؤوا ويبرؤون من أرادوا ويضعون لائحتهم الخاصة بالمتهمين لابتزاز من يرون أن عليه الدفع مسبقا.

فإلى متى ستستمر هذه الظاهرة الافتراضية المقيتة في فرض سلطتها فوق المؤسسات؟ ولماذا يقف القانون عاجزا عن فرض نفسه أمام الهتك المتكرر الذي يتعرض له؟ وإلى أين سنصل بهذه الفوضى الافتراضية التي تضخم أموال أصحابها على حساب الحياة الخاصة للمواطنين؟

نعم إن السكوت عن جرائم الأخبار الزائفة واستهداف الحياة الخاصة للمواطنين والتشهير بمن لا علاقة له بقضية «إسكوبار الصحراء» تعادل في قوتها وآثارها ارتكاب الجرم نفسه، الذي يتابع به المشتبه فيهم، وأدهى من كل هذا أن مُدعي حرية التعبير واحترام قرينة البراءة هم من يرتكبون هذه المذابح الحقوقية الشنعاء بحجة الحق في التعبير والسبق الصحفي المفترى عليه، فلو أنهم يَكُفُّون ألسنتهم عن أعراض الناس ويتركون القضاء يقول كلمته كما يشتكون ويتباكون حينما يقع معهم نفس الأمر لقضينا على هذا المرض الخبيث الذي يأكل لحم الناس وهم أحياء.

الخلاصة أن هناك من يتاجر في المخدرات فيحاكم بالقانون، وهناك من يتاجر بأفيون العقول والقلوب، وهو أخطر على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، لكنه يختبئ وراء الحق في حرية التعبير لكي لا يطوله العقاب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى