أنهت إدارة مركز حماية الطفولة للبنات بعمالة الفداء مرس السلطان حالة القلق التي سيطرت على النزيلة سهام، التي كانت مهددة بمغادرة المؤسسة الإصلاحية بعدما تجاوزت سن الـ18 عاما، إذ ينص القانون الداخلي للمركز على إيواء النزيلات اللائي لا تتجاوز أعمارهن حاجز الـ18 ربيعا. إدارة المؤسسة اهتدت بتنسيق مع الهيئة القضائية المكلفة بهذه الفئة، ومع مديرية الشباب والرياضة وجمعيات المجتمع المدني، إلى خطة الإدماج عبر الزواج، وهو ما تطلب وقتا طويلا قبل أن تتكلل الجهود بالنجاح، وتعثر الفتاة على فارس أحلامها الذي قبل الانخراط في هذا العمل واختار شريكة حياته من داخل أسوار مركز لحماية الطفولة.
لم يكن العريس غريبا عن خلية التفكير في خطة الإدماج عبر الزواج، بمركز حماية الطفولة للبنات بعمالة الفداء مرس السلطان، فهو قريب أحد المحامين، وله إصرار على دخول التجربة وبناء بيت للزوجية مع فتاة آمنت بأن الزواج سبيل للإدماج وأن قبول الزوج وأسرته هذا الخيار هو خطوة جريئة لبناء عش الزوجية على أسس سليمة.
لعبت القاضية عزيزة البستاني دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، بتنسيق شبه يومي مع أسماء الواجني، مديرة المركز وسميرة البقالي رئيسة جمعية مفتاح وحلول، والمدير الإقليمي للشباب والرياضة بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، وبعض المحسنين الذين دعموا المشروع الاندماجي وترجموا تطبيقه على أرض الواقع بنفس الطقوس الاحتفالية لأعراس الأشخاص الآخرين، بل إن حضور ممثلين عن الهيئة القضائية للحفل ساهم في إنجاحه وإشعاعه وجعل الحلم يتراقص أمام باقي النزيلات اللواتي باركن لزميلتهن الزواج السعيد.
مفتاح وحلول
حسب إدارة المركز فإن زواج سهام هو الخامس في تاريخ المؤسسة التي نجحت في «تزويج» أربع نزيلات سابقا، وظلت تحرص على مواكبة حياتهن بعد الزواج، من خلال خلية الإدماج الاجتماعي. بينما تقول رئيسة جمعية مفتاح وحلول إن العملية تطلبت تضافر الجهود وأنها استغرقت وقتا طويلا، أما المدير الجهوي للشباب فيحيي عامل عمالة الفداء مرس السلطان على إصراره على تبني قضايا هذه الفئة بمباركته الحفل وحضوره لجميع مراحل الإعداد.
شكل زواج نزيلات دور الحماية الاجتماعية جزءا من منظومة الإدماج، واعتبره المسؤولون عن القطاع خطوة لإدماج اجتماعي حقيقي ينهي حياة ويدشن لحياة جديدة خارج أسوار المؤسسة الإصلاحية.
في كثير من المواقف تنوب مديرة المؤسسة أو العاملون فيها عن النزيلة، فيبحثون لها عن زوج، يكون بمثابة فرصة العمر للانعتاق من عالم تحكمه ضوابط النهي والمنع والحرية المشروطة. لكن كثيرا من الفتيات يرفضن تفويض أمر زواجهن لمسؤول إداري، ويفضلن البحث الذاتي عن العريس المنتظر، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي يمنح لهن فرصة الإبحار عبر الشبكة العنكبوتية بحثا عن عريس افتراضي.
تقام الخطبة عادة في المؤسسة، حيث تتقمص المديرة دور الوصي وتقدم شروط المركز، والتي تتجاوز حدود العمل القار والسكن اللائق وحسن المعاشرة، إلى ضرورة الرأفة بالفتاة مع تعهد من الإدارة بإعفاء العريس من بعض النفقات الضرورية كحفل الزفاف والأثاث الأساسي لغرفة النوم وخاتم الزواج..في إطار تبسيط مساطر العرس وتشجيع الأزواج على الارتباط بفتيات مستعدات للتنازل عن كثير من الشروط من أجل الانعتاق.
حفل زفاف جماعي
إذا كان مركز الحماية للفداء قد اختار المقاربة الفردية في الزواج، فإن مؤسسات أخرى نظمت حفل زفاف جماعي لفائدة نزيلات، بمبادرة من المجتمع المدني وبدعم من أحد الممونين الذي حرص على تحمل جميع نفقات العرس بحضور مجموعة من الفنانين.
قبل ثلاث سنوات، شهدت دار رعاية البنات التابعة لجمعية نور بالدار البيضاء، حفل زفاف إحدى النزيلات، وهو الزواج رقم 65 الذي تم تحت إشراف إدارة المؤسسة، بينما تصل حالات الزواج الذاتي خارج نطاق المؤسسة إلى ضعف هذا الرقم. حضر حفل الزفاف جميع مكونات الأعراس العادية، هودج ومنصة ونكافات وجوق وهدايا، فضلا عن أفراد من عائلة العروسين، وزميلات العروس بالدار، وعدد من المحسنين والعاملين في هذا المرفق الاجتماعي.
يفتخر محمد السعيدي، المدير العام لجمعية «نور» للرعاية الاجتماعية، ويقول إن النزيلات بمثابة بناته، «أحاول أن أساعد الفتيات على تكوين مشروع أسرة، فمنذ أن توليت شأن إدارة هذه الدار عملت على تنظيم 56 حفل زفاف، أعمل على تتبع جميع مراحل الزفاف من الخطوبة، والبحث عن وضعية العريس المتقدم لها، إلى أن تنتقل إلى بيت الزوجية، الأكثر من ذلك أنني اخترت زوجة لابني من دار رعاية البنات وفي اعتقادي الشخصي فقد كان الزواج ناجحا وهذا دليل على أنني أحب لنفسي ما أحب لبنات المؤسسة».
وعبر السعيدي عن رفضه لما قيل عن زواج تحت الإكراه، «المستفيدات لا يرغمن على الزواج، بل يتم كل شيء بموافقتهن، وكلما تقدم شخص رفقة عائلته قصد الزواج بمن وقع عليها الاختيار، تقوم الإدارة بدراسة حالته الاجتماعية، وسنه، ومؤهلاته، وعمله، وشروط عيشه، ونعرض كل هذه الأشياء على الفتاة. بعد ذلك تسمح إدارة «دار البنات» للمستفيدة بحضور مسؤولة، بفرصة التقاء العروس بعريسها مرات عديدة حتى تقتنع وتتفاهم معه، ومن ثمة تشرع الإدارة في الاستعداد لإقامة حفل الزفاف».
وسائط بديلة
يساهم المحسنون في إقامة حفل الزفاف من خلال تجهيز وإصلاح وتأثيث بيت الزوجية، إذا كان الوضع المادي للعريس هشا، كما يتم تجهيز العروس بأجمل الملابس والحلي، وتتجند النزيلات لإنجاح الحفل.
ويحرص كثير من أبناء وبنات دور الحماية والرعاية على تدبير إشكالية الشريك عبر وسائط بديلة، في ظل غياب ولي أمر يملك هذه الصلاحية، ولأن أغلب النزلاء والنزيلات يخضعون إداريا لوصاية إدارة المؤسسة في شخص مديرتها أو مديرها وأحيانا تحت رقابة قضائية حين يتعلق الأمر بنزيلات مراكز حماية الطفولة، لذا يبحث كثير من النزلاء والنزيلات في مواقع الزواج على الأنترنيت عن فرصة لتدبير الأمر بشكل ذاتي.
في موقع «زواج» على الشبكة العنكبوتية، نقرأ الحوار التالي بين شاب يبدي رغبة في الزواج عبر الوسائط الإلكترونية ونزيلة بإحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية:
«في البداية أود أن أشكرك على رغبتك في التعرف علي وإليك بياناتي: اسمي سعاد أنا بنت الخيرية، عمري 20 عاما، وأود أن تعرف أن جنسيتي من المغرب أصلي من مدينة الرباط، وعن حالتي الاجتماعية فأنا آنسة، أما مؤهلي العلمي فهو بكالوريا».
وتضيف الفتاة بجرأة عالية وهي تخاطب الشاب فلسطيني الجنسية: «أنا بنت يتيمة ولدتني أمي من الشارع وتركتني وأنا رضيعة فكفلتني الخيرية جزاها الله ألف خير والحمد لله. أكملت تعليمي الثانوي وأنا الآن أحضر دبلوما عاليا، الحمد لله على قدري وأنا راضية عليه لأني لم اختره بنفسي، فأنا محترمة وأخلاقي عالية معظم أوقاتي انشغل في الدراسة».
تجمع بنات دور الفتيات الراغبات في الزواج عبر «الشات» على ضرورة توفر النصف الآخر، على مجموعة من المواصفات، «أتمنى من الله عز وجل رجل يكون يقدرني ويحترمني و يخاف الله ولا يخذلني أو يكذب علي والمرجو من الجادين مراسلتي».
ونقرأ في موقع «سوق الزواج» طلبا لنزيل يعرض رغبة الاقتران عبر الموقع: «أنا شاب عمري 35 سنة كبرت في دار الرعاية الاجتماعية، يعني الخيرية، أعمل بمدينة الناظور في البناء أبحث عن فتاة عازبة أو مطلقة ولها أطفال أو فتاة مطلقة ولها عقم أو فتاة ليست عذراء وهي عازبة أو أرملة لا يهم إن كانت أكبر مني في العمر المهم هو الحب».
وفي موقع «بنت الحلال للجادين فقط»، يواصل أبناء وبنات دور الرعاية والحماية هواية التنقيب عن النصف الآخر، عن شريك الحياة الذي يملك مجموعة من المواصفات التي تحفظ الكرامة وتصون العهد وتنهي الارتباط بالمركز.