قصص من زمن الوباء
يونس جنوحي
بدأت السنة الحالية بأخبار تضرب في الافتراضات المتفائلة، بشأن انتهاء موجة الوباء قريبا. إذ يبدو أننا سوف نكون أمام موجات تشبه «الاحتضار» الأخير لأي مرض عرفته الكرة الأرضية خلال القرون الأخيرة. في أوروبا، لا يزال هناك تخبط بشأن سيناريو الخروج من موجة المتحور «أوميكرون». بينما في جنوب إفريقيا التي ظهر فيها المتحور المذكور مثل قنبلة فاجأت الجميع، قبل شهرين تقريبا، تراجع الاهتمام الإعلامي الدولي بخطورة الوباء، خصوصا عندما انتقل من مطار عاصمة جنوب إفريقيا إلى لندن. ومع تراجع اهتمام الصحافة الدولية بما يقع في جنوب إفريقيا، اتجهت الأنظار صوب أوروبا، معقل اقتصاد العالم والصناعات الدقيقة وعصب اقتصاد قطاع الخدمات حول العالم.
رأس السنة عرف جمودا اقتصاديا أعلنت معه مئات الشركات إفلاسها التام، خصوصا شركات الهدايا وشركات الخدمات، مثل وكالات الأسفار وبيع المنازل.
ورب ضارة نافعة كما يقال، إذ إن التراجع الكبير لسعر العقار في دول أوروبية من بينها دول تعرف وجود جالية مغربية عريضة، سمح لأسر مغربية باقتناء شقق بأسعار تنافسية، بل وصل الأمر إلى تركيا التي تضرر فيها قطاع العقار بشكل غير مسبوق، حيث قام مواطنون من أصول مغاربية باقتناء شقق ومنازل في الضواحي، وهو ما يعني أن تسوية وضعيتهم القانونية في البلاد باتت محسومة، حيث إن اقتناء العقار يعني الحصول على الإقامة الدائمة، ويسهل أيضا الحصول على الجنسية.
صحيح أن الجنسية التركية غير مرغوب فيها بشكل كبير من طرف المغاربة، الذين أصبحوا للإشارة يتحدثون التركية أفضل من الأتراك ويدندنون مع الأغاني أكثر مما يفعل الأكراد، مقارنة مع جنسيات الدول الأوروبية التي يعتبر المغاربة من بين الجنسيات المتصدرة لقائمة المهاجرين المجنسين بأوروبا. لكن أعداد المغاربة المقيمين في تركيا تعرف ارتفاعا كبيرا، منذ تحولات الربيع العربي وموجة 2011، حيث اتجه مهاجرون مغاربة إلى تركيا، بهدف العبور بطريقة غير قانونية إلى اليونان، ومنها إلى دول أوروبية أخرى كإسبانيا وألمانيا، لكن بعضهم اختاروا البقاء في تركيا بعد فشل محاولاتهم في العبور. إذ إن وجود اللاجئين السوريين على الحدود، وانتشار عصابات سرقة جوازات السفر، كلها مخاطر جعلت الكثيرين يعيدون التفكير في الموضوع ويختارون الاستقرار بتركيا، والعمل في المطاعم الشرقية أو في البناء أو المحلات التجارية، حيث أصبح التجار الأتراك في حاجة إلى عمال يتحدثون العربية، للتعامل مع جحافل القادمين من سوريا وبقية الدول العربية.
مناسبة كل هذا، رسالة على البريد جاءت من مهاجر مغربي من نواحي أكادير، مر بتجربة هجرة سرية مريرة في إيطاليا لأزيد من سبع سنوات، لم ينجح خلالها في تسوية وضعيته القانونية، وقضاها كلها في التنقل بين المزارع في الجنوب الإيطالي وبين الأعمال الشاقة، إلى أن اختار بعد موجة عبور اللاجئين السوريين من تركيا نحو بقية الدول الأوروبية، أن يقوم بهجرة معاكسة من إيطاليا إلى تركيا، واستقر في مدينة إسطنبول، وهو اليوم يعمل في مطعم يمني، وينافس اليمنيين في شي الباذنجان وتحضير معجون الطماطم اللاذع، ويفكر جديا في افتتاح مطعم مغربي قريبا في وسط إسطنبول، بشراكة مع عاملين آخرين جاؤوا إلى تركيا للعبور نحو اليونان، وكان من حظهم أن أعادهم الجيش التركي من الحدود، بعد حادث مقتل مهاجرين سوريين على يد عصابات تتاجر في جوازات السفر. يقول هذا الشاب واسمه إبراهيم، إنه قرر لأول مرة منذ بداية الجائحة أن يأتي إلى المغرب، لكي يصل الرحم مع أسرته، ويقابل مرشحين للعمل في مشروعه الجديد حال افتتاحه، لكن في اليوم نفسه الذي كانت لديه رحلة نحو مطار الدار البيضاء، ألغيت الرحلة بسبب المتحور «أوميكرون». بل إنه عندما قرر اقتناء محل لكي يبدأ مشروع مطعمه الخاص، وكان هذا قبل أشهر فقط، فوجئ بتفعيل قرار الإغلاق وتشديد إجراءات التنقل في إسطنبول، في اليوم ذاته الذي وقع فيه عقد كراء المحل.
لا يمكن مثلا أن تقنع سي إبراهيم أن «أوميكرون» مجرد موجة متطورة من الفيروس الأصلي، إذ إنه بات يعتقد الآن أكثر من أي وقت مضى أن المتحور الجديد يصفي حسابه معه شخصيا. بل إن أزيد من نصف سكان الكرة الأرضية يبادلونه الشعور نفسه، ويحسون أن الفيروس جاء لكي ينغص عليهم حياتهم، قاصدا إياهم بالاسم!