قصص شباب دخلوا ثكنات التجنيد الإجباري وأصبحوا من المشاهير
عابرو الخدمة العسكرية
فتحت الثكنات أبوابها من جديد لاستقبال المستفيدين من الخدمة العسكرية الإجبارية، ومدتها 12 شهرا، وهي مدة لتأهيل الشباب وتطوير مهاراتهم، سيما في مجالات مهنية أو تقنية تمكنهم من تعزيز شروط الاندماج في الحياة العامة ولتعميق منظومة القيم، خاصة ما يهم الدفاع عن الوطن والدفاع عن وحدته.
ليست الخدمة العسكرية الإجبارية وليدة السنوات الأخيرة، بل إنها ترجع إلى منتصف الستينات، خلال فترة الملك الراحل الحسن الثاني، بموجب مرسوم ملكي لسنة 1966، ونص هذا الأخير على إعفاءات وتأجيلات مؤقتة إلى حالات العجز البدني أو التحمل العائلي أو متابعة الدراسة إلى جانب حالات أخرى.
تغير المرسوم وظلت الأهداف ثابتة، حيث كانت الغاية من التجنيد الإجباري «تكوين الشباب وتأهيله للدفاع عن حوزة وطنه، وكذا تكوينه تكوينا فنيا ومهنيا من شأنه رفع مستواه الاجتماعي وتأهيله إلى المساهمة في النمو الاقتصادي للبلاد».
في سنة 2007، سيتم وقف العمل بالتجنيد الإجباري، قبل أن يعود المغرب إلى العمل به سنة 2018، حيث أكد الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية، أن «الخدمة العسكرية تقوي روح الانتماء للوطن. كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام»، مشددا على أن «جميع المغاربة المعنيين، دون استثناء، سواسية في أداء الخدمة العسكرية، وذلك بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وشهاداتهم ومستوياتهم التعليمية». وأوقفت جائحة كورونا هذه الخدمة لمدة سنتين، قبل أن تعود من جديد لنفس الأهداف ونفس الغايات، لكن بميزانية أكبر.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار» نسلط الضوء على مشاهير كانوا «عابري سبيل» في ثكنات المملكة، دخلوا مجندين وغادروها مؤهلين.
حسن البصري
رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مجند سابق في ثكنة
ينحدر أحمد حرزني من أصول أمازيغية، وتحديدا من منطقة بوحرزان التابعة ترابيا لدائرة تنالت بإقليم أزيلال، ففي سنة 1948 رأى أحمد النور بين جبال هذه المنطقة الوعرة، من والدين يعيشان على الرعي والفلاحة المعيشية، قبل الرحيل بحثا عن لقمة عيش حيث جاب الوالد العديد من المناطق قبل أن يستقر به المقام في مدينة كرسيف.
عاش حرزني حياة الترحال رفقة والديه، واستقر في أكثر من مدينة كالمحمدية وسطات والرباط والحاجب، هذه المدينة الصغيرة التي قضى فيها أحمد فترة التجنيد الإجباري وهو لايزال طالبا، في زمن كان فيه «السرفيس ملتير» فرض عين على الشباب.
ومن المفارقات الغريبة أن الفترة التي أمضاها في ثكنة الحاجب العسكرية مكنته من التعرف على كثير عدد من الوجوه التي أثثت اليسار المغربي كعبد الحميد أمين والطاهر بن جلون وأحمد حكيمي، كما التقى بعدد من الوجوه الشابة التي كانت تمارس العمل السياسي داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، بل إن الشخص الذي كلف بتدريب هؤلاء الشباب على مبادئ الجندية هو محمد اعبابو الذي كان من مؤطري الثكنة قبل أن يتحول إلى مدير لمدرسة هرمومو العسكرية.
بعد انتهاء الخدمة العسكرية، سينكب حرزني على «التجنيد السياسي» من خلال نشاطه اللافت، إذ انشق عن تنظيم «إلى الأمام» وأسس تيارا «ماويا» أطلق عليه حركة «لنخدم الشعب» مع تبني الخيار المسلح في تنفيذ مطالبه، وهو ما جعل رفاقه يلقبونه بـ «مول الكابوس»، مما وضعه في الأسر حيث قضى ثمان سنوات في السجن قبل أن يغادره بعفو ملكي ويضع قطيعة بينه وبين حرزني الثوري المشاكس، ويتحول إلى مدرس متجول بين القرى والمداشر، قبل أن يختار علم الاجتماع القروي ويتشبع بفكر بول باسكون.
استغل حرزني أيام التجنيد في الدرس والتحصيل، واستثمر سنوات الاعتقال في تعليمه العالي وهو يسعى إلى مغادرة المؤسسة العقابية بشهادات تمكنه من تحقيق اندماج جديد، مما أهله لشغل مناصب أكبر بعد العفو عليه من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، ويصبح أستاذا باحثا في المعهد الوطني للبحث الزراعي بسطات ثم مديرا لنفس المؤسسة، كما ألقى محاضرات في علم الاجتماع القروي بجامعة الأخوين بإيفران في منتصف التسعينات، وفي وحدات التكوين والبحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط- أكدال، كما تقلد مهام مستشار وطني في القضايا المتعلقة بالفلاحة والتنمية القروية وتدبير الموارد الطبيعية والبيئية والمقاربة التشاركية والتكوين المهني، قبل أن ينتهي به المطاف رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
عمي إدريس.. صديق أنيس في ثكنة التجنيد الإجباري
ولد عمي إدريس، واسمه العائلي الحقيقي «كريمي»، سنة 1945 في درب الصوفي بالمدينة القديمة للدار البيضاء، وسط أسرة بسيطة متعددة الأفراد، يشتغل القائم عليها في الميناء، انتقلت الأسرة بين أحياء الدار البيضاء، إذ استقرت في حي روش نوار تارة ودرب الكبير تارة أخرى، ثم درب ميلان. عرف عنه شغفه منذ الطفولة وعشقه للبرامج الإذاعية وتقليده لشخصيات إذاعية، مع عشق خاص للإعلامي إدريس العلام الشهير بـ «باحمدون» الذي كان يقدم برامج خاصة بالأطفال، بل إن الشاب قرر الالتحاق بفرقة الكواكب المسرحية لصقل موهبته، بعد أن ظل يتردد على الإذاعة الوطنية أملا في حضور برامج معشوقه «باحمدون» مستغلا سكن شقيقه الأكبر في العاصمة الرباط، حيث كان يقضي إدريس عطله المدرسية، قبل أن يصبح منشط برامج تلفزية استقطبت اهتمام الكبار قبل الصغار.
في سنة 1968 التحق إدريس بالتجنيد الإجباري، حيث تمت إحالته على ثكنة للقوات المسلحة الملكية المغربية في مدينة الحاجب، هناك ارتدى البذلة العسكرية وشرع في التعلم على استعمال السلاح، لكن الشاب البيضاوي، كما كان يلقبه زملاؤه، سرعان ما سرق الأضواء داخل الثكنة فقد تحول إلى منشط للجنود يقدم لهم بين الفينة والأخرى مسرحيات وسكيتشات وكراكيز لطرد الضجر وخلق أجواء حميمية بين الجنود المتدربين، بمساهمة من فنانين آخرين قادتهم الظروف إلى التجنيد إجباريا.
قضى إدريس ثلاث سنوات كعسكري، وانتهى به المطاف معلما تابعا للقوات المسلحة الملكية لتبدأ علاقته المباشرة بالأطفال، مستندا إلى تجربته في دور الشباب وخشبات المسارح، لكنه عانى من كثرة التنقل بين المؤسسات التعليمية، فمع رحيل أسرته من حي لآخر يضطر إدريس إلى تغيير المدرسة واستبدال زملاء القسم والمدرسين، ويقضي وقتا طويلا في الاستئناس مع المحيط الدراسي الجديد، مما أثر سلبا على مساره التعليمي.
خاض «عمي إدريس» تجربة التألق في التلفزيون، أصبح الجميع في منتصف الثمانينات، يردد موشح «عمي إدريس صديق أنيس» ويحفظ عن ظهر قلب أغنية الجنيريك بل ويعتبر بطل المسلسل شخصية محبوبة، لكن في سنة 1981 سيدخل تجربة الإنتاج حين قام بتصوير مسلسل «عائلة الحاج بوشعيب» إلا أن القدر شاء أن يمتد مقص «المونتاج» ليحول السلسلة إلى عمل معاق مشوه، تعرض خلاله لنقذ لاذع من الصحافة، مما اضطر معه إدريس لإنهاء علاقته بالتلفزيون، عاش أسوأ لحظاته وسيطر عليه المرض والبؤس، فغادر الدار البيضاء نحو مدينة طنجة، حيث قرر الاستقرار نهائيا هناك، وحين قرر العودة إلى نشاطه التلفزيوني في نهاية الثمانينات طلب منه إنجاز حلقة نموذجية لا يعرف إلى الآن مصيرها.
«دجيمي».. فنان مغربي جند بثكنة الفرنسيين والجزائريين
لجأت فرنسا إلى اتخاذ العديد من الإجراءات كرد فعل على اندلاع الثورة في مستعمراتها شمال إفريقيا، من قبيل سن قانون «التجنيد الإجباري» حتى تستعين بالمجندين للقضاء على الثورة، ولم يكن من الممكن، بطبيعة الحال، الاعتماد بشكل كبير على أبناء الوطن، للقيام بهذه المهمة، لذلك تم اللجوء إلى بعض من كانت تعتبرهم الإدارة الاستعمارية أجانب من الجاليات.
في الجزائر، تلقى الجيلالي بن سالم بحكم أن أبويه من أصول مغربية نزحا من الريف إلى الجزائر خلال فترات سابقة، ووقع الاختيار عليه لدخول الثكنات الفرنسية. يحكي «دجيمي» وهذا هو لقب الشهرة عن ذلك: «علمت أنني مطلوب للتجنيد عن طريق والدي الذي اتصل بي وأخبرني أنهم يسألون عني بالجزائر».
وهكذا تم تجنيده ضمن القوات الفرنسية وقد اضطر إلى قبول ذلك حتى يتسنى له الحصول على الجنسية الفرنسية لتسوية أوضاعه هناك، وتجنبا للمضايقات التي يمكن أن تلحقه بفرنسا أو تلحق عائلته بالجزائر في حالة عدم التحاقي بسلك الجندية.
دخل بن سالم ثكنة مغنية على الحدود المغربية الجزائرية، ولأنه كان يجيد العزف على القيثارة فقد كلفه المسؤولون بمهمة الترويح عن الجنود والغناء لهم كل مساء.
قضى بن سالم بالخدمة العسكرية 18 شهرا أضيفت إليها 6 أشهر بأمر من الجنرال دوغول، وكان «دجيمي» خلال هذه المدة لم يفارق الموسيقى والغناء، وفي الوقت نفسه تمكن من ربط علاقات سرية ببعض أعضاء المقاومة الجزائرية، لكن بعد انتهاء الخدمة العسكرية أُعيد «دجيمي» مع باقي الجنود إلى فرنسا.
سيعود بن سالم إلى الثكنات، ولكن كمجند في صفوف جيش التحرير الجزائري، وبالضبط في قاعدة «بلمهيدي» كما انخرط في بعض المعارك بالحدود بين الجزائر والمغرب في مواجهة القوات الفرنسية وفي إحدى الغارات سينجو من الموت بأعجوبة، إذ سيصاب على إثرها في ساعده وسيتظاهر بالموت، بينما كانت الطائرات تحلق فوق المنطقة الحدودية بين المغرب والجزائر.
أول مرة قابل فيها الجيلالي بن سالم الحسن الثاني، كانت أثناء حضور الملك استعراضا عسكريا أقيم بقاعدة «بلمهيدي»، «كنت ضمن الفرق العسكرية الجزائرية التي كانت تؤدي مجموعة من العروض أمام الحاضرين، وبعد نهاية العروض قمت باستغلال فرصة حضور الحسن الثاني، فأديت التحية أمامه وتقدمت إليه ثم قلت له: «إن أصلي مغربي وأتمنى يوما أن أعود إلى بلدي الأم» فما كان منه إلا أن ربت على كتفي وقال: الله يرضي عليك ومرحبا بك».
يضيف بن سالم: «لست المغربي الوحيد الذي حارب من أجل الجزائر، بل هناك مغاربة كثيرون استشهدوا في سبيل الثورة الجزائرية، منهم من شرد ونفي كما وقع لوالدي وأسرتي على سبيل المثال» وبعد انتهاء مهمته العسكرية بالجزائر، تسلم الجيلالي بن سالم أوراقه ورفض الاستمرار في الخدمة العسكرية، مفضلا الحرية والعودة إلى الموسيقى. حل بالدار البيضاء وربط علاقة صداقة بلاعب الوداد السابق «ابراهيم ولد مو»، كما كان من أصدقائه الذين تعرف عليهم في هذه المرحلة الراحل حسن الصقلي والحاج فنان.
أمين.. اعتصام أمام السفارة يقوده إلى ثكنة الحاجب
عاش المناضل الحقوقي عبد الحميد أمين تجربة «التجنيد»، إذ كان مثيرا للقلق وتصنفه تقارير المخبرين بـ «العنصر المشاكس»، وحين قادته ظروف الدراسة إلى فرنسا نظم أول اعتصام أمام السفارة المغربية بباريس، للاحتجاج على نفي قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. موقفه ذاك سيقوده إلى قضاء ما يناهز سنة في التجنيد الإجباري، ويضيع سنة من الدراسة، بعد عودته إلى المغرب من أجل التدريب في مركز فلاحي.
في حوار صحفي، يروي أمين قصته مع الثكنة قائلا: «عدت إلى المغرب صيف سنة 1967 من أجل التدريب في مدرسة فلاحية بمدينة بن سليمان، غير أنني سأفاجأ بتوصلي برسالة جلبها إلي ضابط صف، تأمرني بالالتحاق الفوري بالتجنيد، وذلك بعدما سجل اسمي خلال اعتصام باريس. وأخبرني الضابط بأنه علي أن ألتحق في اليوم الموالي بمركز القيادة العليا للجيش. وبالفعل ذهبت في اليوم الموالي الذي كان يصادف 25 غشت 1967، وقابلت المسؤول عن التجنيد، وحاولت إقناعه بإعفائي حتى أنتهي من دراستي، خاصة أن سنة واحدة فقط تفصلني عن الحصول على دبلوم مهندس زراعي، لكنه رفض، فأخرجت بنودا من القانون تنص على أنه يمكن إعفاء الطلبة من التجنيد، لكنه أجابني بتعال قائلا: «يمكن»، حينها عرفت أنه علي أن ألتحق بالثكنة، وأن تجنيدي هو قرار لا رجعة فيه.
كان عبد الحميد أمين عضوا في الحزب الشيوعي المغربي، واضطر إلى الالتحاق بثكنة الحاجب، التي كانت مخصصة للمناضلين اليساريين آنذاك، وفي الثكنة نفسها تجدد لقاؤه برفاق الدرب النضالي أمثال: محمد الحلوي وعمر الفاسي ومحمد الفاروقي ومحمد لخصاصي والطاهر بن جلون، وهم كانوا أول فوج يلتحق بالتجنيد الإجباري.
وعلى امتداد فترة التجنيد لم يكن عبد الحميد ورفاقه يتقاضون أي تعويض مالي عن الخدمة، وبعد الانتهاء منها تم إلحاقه بإدارة الثكنة كمحاسب، لكنه لم يكمل فترة التجنيد الإجباري التي كانت محددة في 18 شهرا، حيث غادر الحاجب قبل متم المدة بخمسة أشهر، بعد أن استجاب وزير الفلاحة لملتمس استكمال الدراسة في فرنسا.
الداسوكين.. من الخيرية إلى الثكنة
ولد مصطفى الداسوكين في الدار البيضاء يوم 14 يوليوز 1942، لكنه عاش اليتم مبكرا، حيث فقد والده عن سن السابعة من العمر، ولأن الوفاة تزامنت مع رحيل الأب، فقد تطوع خاله برعايته نيابة عن والدته المكلومة، أخذه إلى الخيرية التي كان مقرها حينها في المشور، وعلى الفور وافق المدير الوزاني على قبول مصطفى نزيلا جديدا بهذا المرفق الذي لا يبعد كثيرا عن درب كرلوطي مما مكنه من فرصة الحضور إلى منزل الأم مع نهاية كل أسبوع.
في نهاية الموسم الدراسي برز الطفل مصطفى بنشاطه وأدائه الجيد لمعزوفات وأناشيد ومسرحيات، تقدم في ساحة المؤسسة بحضور المقيم العام الفرنسي كان يحضر المقيم العام الفرنسي، وهو ما منحه تأشيرة المشاركة في المخيمات الصيفية المنظمة من طرف الجمعية الخيرية.
قضى مصطفى ست سنوات في المرفق الخيري وعاد إلى درب كرلوطي لاستكمال الشطر الثاني من طفولة بلا قيود، في مرحلة الإعدادي تلقى الفتى دعوة التجنيد الإجباري في صفوف القوات المسلحة الملكية، فاستجاب لها على الفور، وهو المعجب بانضباط العساكر وقوة جيش السينغال الذي كان يرعب درب السلطان. اعتبر التجنيد مدرسة ثانية عززت رصيده المكتسب من المدرسة الخيرية الأولى، فقد كان الفتى مهيأ للاعتماد على النفس قادرا على الاندماج في النظام العسكري الصارم بكل سهولة. بعد الاستئناس بالجيش، انخرط الداسوكين في الحياة المدنية، وعاد من جديد إلى درب كارلوطي الذي يرتبط به وجدانيا، اجتاز مصطفى مباراة أعلنت عنها وزارة البريد وأصبح يشغل مهمة وكيل استغلال، وهو المنصب الذي غادره بعد شهور لأن الحنين إلى التربية والتنشيط كان يسكنه.
مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال قام الملك محمد الخامس بزيارة للدار البيضاء، ووضع ضمن برنامجه وقفة في خيرية عين الشق التي تم بناؤها في نهاية الأربعينات بموازاة مع بناء حي عين الشق، أعجب الملك الذي كان مرفوقا بولي عهده مولاي الحسن، بانضباط الأطفال وتميزهم بزي موحد وأناشيد وطنية واستعراض عسكري فاق في انسجامه طفولة وشبيبة الأحزاب التي كانت مهيمنة على المشهد الشبابي.
فاجأ محمد الخامس مدير المؤسسة الخيرية حين قرر تعيينه عاملا على مراكش، في زمن كان فيه من الصعب تعيين عامل على مراكش بوجود الباشا لكلاوي، يقول الكاتب محمد لومة إنه «نظرا للمكانة الخاصة للحاج المعزوزي ورفيقه الصقلي، فقد عينهما محمد الخامس في 15 فبراير 1956 على رأس عمالة مراكش.
الشيخ الفزازي.. شاعر ولاعب في ثكنة التجنيد الإجباري
ولد محمد الفزازي (بفتح الفاء) سنة 1950 في قبيلة فزاز بمنطقة مرنيسة بين تاونات وفاس وتازة، من والده محمد الفزازي الفقيه ووالدته ميمونة، التي توفيت وهو في السجن. درس في المدرسة القرآنية وانتقل إلى الحاجب ثم الرباط، لكنه ظل بعيدا عن أمور الدين يعيش شبابه كفتى بوهيمي، لا يتردد في التدخين والسهر وعشق الموسيقى العربية، حيث كان يحفظ عن ظهر قلب أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وفيروز واسمهان ومحمد عبد الوهاب، وعرف عنه أيضا ولعه بالرسم وكتابة القصائد الشهرية خاصة العاطفية، ولطالما سهر الليالي لكتابة قصيدة مناجاة لفتاة يعشقها تحت ضوء الشموع، فضلا عن ولعه بكرة اليد.
خلال فترة الخدمة العسكرية الإجبارية، كان كما مارس الرياضة حيث كان حارسا للمرمى في لعبة كرة اليد بفضل قامته الطويلة (1,90 متر) التي جعلت منه حارسا متألقا، وأحد أبرز رياضيي الثكنة، بل كان يمثلها في مباريات خارج «القشلة».
اعتقل الفزازي على إثر تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، وحكمت عليه المحكمة آنذاك بالسجن 30 عاما، غير أنه حصل على الإفراج بعفو ملكي من قبل محمد السادس سنة 2011. صنفته التقارير الاستخباراتية في خانة السلفية الجهادية وتارة ضمن السلفية العلمية، لكنه ظل يرفض هذه التصنيفات ويكتفي بالقول إنه مسلم وكفى، رغم أن له سوابق في محاولة تأسيس كيان حزبي «حزب العلم والعمل» لم ير النور.
بعد تمتيعه بالعفو الملكي في 14 أبريل 2011، رفقة 91 سجينا، بعدما قضى ثماني سنوات وراء القضبان، قادته الأقدار إلى القاهرة ضيفا على حزب النور المصري، هناك عقد الشيخ محمد الفزازي، قرانه على فتاة فلسطينية من قطاع غزة، وهذه هي المرة الثالثة التي يتزوج فيها الخطيب، ومنذ ذلك الحين ارتبط اسمه بالتعدد وأصبح زواجه مبعث إثارة إعلامية.
الحسن الثاني يكلف مدرب الجيش بتكوين فريق من لاعبي الثكنات
بعدما كان عاشقا للوداد البيضاوي، قرر الحسن الثاني، وكان حينها وليا للعهد، فجأة، تأسيس نادي الجيش الملكي. وبعد استقلال المغرب، فاتح والده الملك محمد الخامس في الموضوع، مباشرة بعد تأسيس القوات المسلحة الملكية المغربية سنة 1956. هذا الأخير طالب ابنه بجلب لاعبين موهوبين أو سبق لهم ممارسة كرة القدم في أحد الأندية، من المنتسبين للجيش حتى يكون اسما على مسمى، بل إن الملك أصدر الظهير الملكي المؤسس لفريق الجيش الملكي والحامل لتوقيع ولي العهد آنذاك بتاريخ 1 شتنبر 1958.
في اليوم الموالي، تلقى مهاجم الوداد البيضاوي، محمد أنور، الملقب بـ «الشتوكي»، أمرا بالانتقال إلى القيادة العليا للجيش في الرباط. هناك التقى بالحسن الثاني فأسند له مهمة تدريب الجيش الملكي. قال له الشتوكي، بعد الترحيب بالفكرة، إنه يريد الانضمام للجيش لاعبا لا مدربا، حينها طلب منه ولي العهد الجمع بين التدريب والممارسة كلاعب.
تكلف المدرب محمد الشتوكي بهذه المهمة، فكان أول مدرب ولاعب للجيش الملكي في الوقت نفسه، وفي اليوم الموالي بدأ يزور بعض الثكنات العسكرية، وشرع في تطوير جميع المستويات للعساكر، الفنية والبدنية، التنظيمية والروح الرياضية، للحصول على فريق متكامل يكون نموذجا محترفا للفرق المغربية، وكذلك نواة للمنتخب الوطني، حيث تطلب ذلك عدة أشهر من التدريب ولعب مقابلات ودية، ليتم الإعلان عن المولود الجديد الذي قرر الشتوكي تعزيزه بلاعبين وداديين سابقين.
كان الحسن الثاني يعرف جيدا الشتوكي، أحد مكونات الهجوم الكاسح لوداد الفترة الاستعمارية، بل إن مولاي الحسن رفض احتراف هذا الأخير في الدوري الإسباني، قبل أن يحوله صوب ثكنات الجيش. لكن رواية أخرى لـ «الزاز»، لاعب الفتح، تقول إن الراحل الحسن الثاني قرر تأسيس فريق الجيش ضد بعض مسؤولي الفتح الرياضي، بعدما وجد مشاكل مع مجموعة منهم في طريقة تسييره، سيما أنه كان يطمح إلى أن يكون الفتح فريقا نموذجيا لكرة القدم بالمغرب. «كان بعض المسؤولين يترقبون المناسبات التي يخوض فيها الفريق مبارياته المهمة، والتي تعرف حضور الراحلين الحسن الثاني ومولاي عبد الله، لتقديم طلبات تطغى عليها المصالح الشخصية».
اعتمد الشتوكي في تشكيل فريق الجيش الملكي على الجنود الذين كانوا في جميع الثكنات العسكرية، وظل ينظم الدوريات الداخلية بين العساكر، قبل أن يزيحه كليزو من منصبه ويشرف على تدريب الجيش مدة طويلة جدا إلى جانب المنتخب الوطني المغربي.
دخل الفريق العسكري غمار منافسة القسم الثاني مباشرة، معوضا ناد من مراكش أعلن انسحابه ذلك الموسم، ولكن قبل ذلك تم إجراء مباراتي سد فاز فيهما الجيش الملكي على نادي الجمعية السلاوية بمدينة القنيطرة.