شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةسري للغايةسياسية

قصص أصدقاء الجنرال بلخير الذين قُتلوا بالغاز بعد تقاعدهم من الداخلية

يونس جنوحي

في سنة 1991، أثناء الإعداد للانقلاب الذي هزّ رئاسة الجمهورية الجزائرية يوم 12 يناير 1992، قام العربي بلخير بترك منصبه في مقر رئاسة الجمهورية لكي يشغل منصب وزير الداخلية. وهو ما يعني، حسب هشام عبود، أن بلخير كان مشاركا في إعداد الطبخة بل أحد مهندسيها الكبار.

 

وزارة الداخلية

مقرها يصدق فيه القول الدارج في عدد من الدول العربية: «الخارج منه مولود والداخل إليه مفقود». لكن ليس بالنسبة لكل الذين دخلوه. فبعض الذين ولجوا وزارة الداخلية الجزائرية في تلك الفترة، لشغل مناصب مكتبية وأخرى سيادية، فُقدوا وكأنهم انتقلوا إلى العالم الآخر، وتمت محاصرتهم لكي لا يُقدموا على أي عمل سياسي. بينما كان بعض الذين طُردوا من رحمة الداخلية، أشبه بالموتى أيضا، إذ فرض عليهم الجيش حصارا شديدا نظرا لما اطلعوا عليه من أسرار عندما كانوا في الوزارة. لماذا لم يتم الإبقاء عليهم إذن في الخدمة؟ الجواب بسيط. إذ إن «المافيا» لم تكن تريد أن تبدد مواردها على موظفين لم تكن متأكدة من ولائهم لها. وفضلت أن تُبعدهم وتفرض عليهم الرقابة، وتطوق مقرات سكناهم وتحركاتهم هم وأبناؤهم إلى آخر يوم في حياتهم، للتأكد من أنهم لن يغادروا البلاد لإفشاء الأسرار، وأنهم لن يتحدثوا عن التجاوزات التي كانوا شهودا عليها. يقول هشام عبود إن بعض الموظفين السابقين في الداخلية ماتوا في ظروف غامضة، ولا أحد كان يجرؤ في بداية تسعينيات القرن الماضي على فتح تحقيق في موضوع مصرعهم وهم في قمة الحصار الذي فرض عليهم. إذ إن زميلين للجنرال بلخير كانا في السابق متدربين معه في الجيش، لقيا مصرعهما بعد بلوغهما سن التقاعد، بشكل متقارب رغم أنهما كانا بعيدين جغرافيا عن العاصمة، وكلاهما ماتا اختناقا بالغاز.

وهكذا كانت «الداخلية» ترعب الداخلين إليها والخارجين منها، ما لم يكونوا طبعا يدينون بالولاء لـ«الرأس المدبر».

 

حالة طوارئ

كان الجيش يحتاج، مع بداية يناير 1992، إلى فتوى قانونية وتشريعية لبسط نفوذ الجيش في الشوارع. الخبراء الجزائريون في هذا المجال، من جيل الهواري بومدين، ممن تدربوا على حالة الطوارئ في مصر في عهد جمال عبد الناصر، كانوا خارج الجزائر. إذ إن عبد العزيز بوتفليقة الذي كان وزيرا للخارجية، تدرب في الحقيقة في ديوان بومدين وزير الدفاع قبل أن يصبح رئيس الجمهورية. والموالون لبومدين سرعان ما غادروا البلاد بعد وفاته. وما إن حلت سنة 1979، حتى كان المُسنون أصدقاء بومدين قد غادروا الجزائر إما مغضوبا عليهم من الجيل الجديد للضباط، أو لتلقي العلاج في الاتحاد السوفياتي على وجه الخصوص. وهكذا كان هناك نقص في الخبرات التي تتطلبها مواقف «حالة الطوارئ» عسكريا.

يقول هشام عبود إن مشكلة جيل «المافيا، برئاسة الجنرال بلخير ومن معه من زمرة الـ11 اسما، أنهم لم يكونوا من خبراء الحروب بقدر ما كانوا خبراء إدارة واختلاسات للمال العام واستفادة من الامتيازات».

وهذا الجيل، وهذا استنتاج اليوم من القراءة التي قدمها هشام عبود منذ 2002، هو الذي يحكم الجزائر حاليا، إلى أن عصف بهم الربيع العربي، ولا يزال الذين تدربوا معهم يمسكون زمام الجيش الجزائري إلى الآن.

يقول هشام عبود إن حالة ارتجال كبيرة وقعت في صفوف قيادة الجيش في يناير 1992. إذ لم تكن هناك رؤية واضحة لمستقبل البلاد، بقدر ما كانت هناك رغبة في إقبار بعض المحيطين بالشاذلي بن جديد، والبحث عن سياسيين يستطيعون العمل دون طرح الأسئلة بخصوص تعليمات الجيش. وهكذا تكون الجزائر قد دخلت يومها، أي 12 يناير 1992، مرحلة تجفيف منابع ثروة الجزائريين وتحويلها إلى جيوب مافيا الجنرالات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى