قصص أشخاص فضلوا زوجاتهم على أمهاتهم
مونية الدلحي
بالنسبة إلى جميع المسلمين، والمغاربة منهم خاصة، فإن بر الوالدين أمر واجب يحافظون على الالتزام به مهما كانت الظروف. لكن التغيرات التي طرأت على كثير من مناحي الحياة أثرت على الحياة الأسرية أيضا، حتى أن عبارة «الجنة تحت أقدام الأمهات» لم تعد تعني شيئا للكثير من الأبناء. بعضهم استبدل الميل إلى رأي زوجته برضا والدته وتحول إلى سامع مطيع لكل ما تنطق به أم أولاده، بعدما تملكت قلبه واستحوذت على مشاعره.
صادفت «الأخبار» الكثير من الحالات خلال بحثها عن قصص لأشخاص فضلوا زوجاتهم على أمهاتهم، واختاروا رضا الزوجة على رضا الأم. كانت قصصا مميزة ومثيرة، والأهم من هذا أن كل شخص في هذه القصة يعيش معاناة مختلفة عن الآخر.
الاختيار الخطأ
تعاني «أم هشام» (التي اختارت تسميتها بهذا الاسم) الأمرين، من جهة لأنها تشعر بالظلم و«الحكرة» من معاملة ابنها وزوجته لها، ومن جهة أخرى لأنها تعتبر نفسها المسؤولة عن دخول هذه الزوجة لعائلتها لأنها هي من اختارتها وكانت السبب في هذا الزواج.
تعود بنا «أم هشام» إلى سنتين تقريبا، حين طلب منها ابنها أن تختار له زوجة مناسبة. وبالفعل سعت الأم جاهدة للعثور على زوجة تناسب ابنها، وتناسبها أيضا فهي أرادت في زوجة ابنها أن تكون ابنة أسرة بسيطة، ومن أحد الدواوير المجاورة، «أردت زوجة درويشة لابني تسمع كلامه وكلامنا وتكون مطيعة ومتفهمة لظروف عيشنا»، بحسب قولها. عثرت الأم على العروس المثالية بالنسبة لها، واتصلت بابنها القاطن بمدينة طنجة للحضور من أجل التعرف على عروسه، فتم التعارف والخطبة وبعدها بأشهر تم الزواج.
تقول أم هشام: «شعرت بالفخر وأنا أرى ابني يتزوج من إنسانة اخترتها له، وكنت متأكدة أنها ستكون كابنتي ولأنها من محيطنا فهي ستكون متفهمة لطريقة وظروف عيشنا، وظننت أنني أنقذت ابني من الزواج من ابنة المدينة التي لن تقبل بنا كعائلة وبالتأكيد ستجعل ابني ينقلب ضدنا، لكنني للأسف كنت مخطئة».
حدثت أمور كثيرة بعد الزواج لم تتوقعها الأم، فبعد انتهاء حفل الزفاف، أخذ الابن زوجته وسافر إلى طنجة حيث يعمل ويقطن، وبعد أشهر عاد إلى البلدة، لتصدم الأم في ابنها وزوجته، «بعد عودتهما تغيرت الكثير من الأمور وأصبحت عروس ابني تعتبر نفسها كما لوكانت من سكان المدن، تعتبرنا متخلفين ولا نفهم شيئا، تعاملنا كما لو كنا خدما عندها وكما لو كانت أعلى مرتبة منا، وعندما كنت احتج على الوضع والمعاملة كان ابني ينهرني وينعتني بأبشع النعوت، بل أكثر من هذا أنه كان يجعلني أخدم زوجته، أحضر لها الطعام وأنظف غرفتها بينما هما يخرجان معا، وكانت دائما تشتكيني له، وهو بالمقابل يقوم بتأنيبي دائما»، تقول هذه الأم والألم يعتصرها مضيفة: «ما أنا نادمة عليه اليوم هو اختياري لها كزوجة، فكلما دافعت عن نفسي أمام ابني وأخبرته بأنها تظلمني يذكرني بأنني أنا من اخترتها وأنه علي تحمل مسؤولية اختياري».
تفضيل الزوجة على الأم
«أم هشام» ليست الوحيدة التي شعرت «بالحكرة» من تصرفات ابنها وزوجته اتجاهها، ففاطمة امرأة في الستينات من العمر، تعاني أيضا من معاملة ابنها القاسية وتجاهله لها، لأنه يعتبر أمه مخربة بيوت وتريد التفريق بينه وبين زوجته التي يحب.
يقطن سعيد بمدينة الدار البيضاء، بينما أمه مثل»أم هشام» تقطن بأحد الدواوير غير بعيد عن إقليم الجديدة. الفرق بين سعيد وبين هشام، هو أن سعيد اختار زوجته بنفسه، كانت تعمل معه بأحد المتاجر، أحبها وطلب يدها للزواج، بعدها بأيام اتصل بأمه لترافقه للخطبة، أتت «فاطمة» من البادية وذهبت رفقة ابنها والتزمت بأن لا تتكلم في شيء مطلقا ولا تنبس بكلمة كما أوصاها ابنها. بعد الخطبة عادت الأم أدراجها، وبعدها بأشهر اتصل ابنها بها مجددا لتعود إلى الدارالبيضاء لتحضر حفل الزفاف. «بعد الزفاف تغير ابني، لم يعد يتصل بي ليطمئن على حالي، لدرجة أنني كنت كلما اتصلت به لا يجيبني، وفي يوم من الأيام اتصلت مجددا لتجيبني زوجته، وتخبرني أن الرقم خاطئ كما علمت من نبرة صوتها أنها هي»، تقول فاطمة.
بعد أشهر طويلة قرر السفر رفقة زوجته الجديدة لزيارة أمه، لكنها ربما لم تكن زيارة بقدر ما كانت عطلة من أجل الابتعاد عن ضغط العاصمة الاقتصادية. فور وصوله بدأت الأوامر تنهال على الأم، وبدأ الانتقاد. ليس هذا فحسب بل «كان سعيد يشعر بالخجل من كل ما تقوله أمه أو تفعله»، تقول فاطمة بحسرة مضيفة: «كان يسكتني كلما تكلمت وكان ينهرني وينتقد كل أفعالي إلى درجة أنني أصبحت أشعر بأنني طفلة أمام زوجته، بينما هي كانت تنظر إلي نظرة تعال واحتقار وكانت تعاملني كما لو كنت خادمة».
وتضيف فاطمة وهي تسترجع شريط الذكريات: «معاملته السيئة لي جعلت ابني الصغير ينتفض في وجه أخيه سعيد ويذكره بأن من ينتقدها فهي أمه لينزل جوابه كالصاعقة علي (أنا لا أفتخر بأن تكون أمي كهذه المرأة، إنها تجعلني أشعر بالخجل أمام زوجتي). تطور الصراع بين الأخوين وتدخلت لفك الصراع، فنهرني ابني سعيد بالقول أنت سبب كل هذه المشاكل، وبعدها ذهب وجمع أغراضه وغادر المنزل وقال وهو يهم بالمغادرة «نساي عندك ولدك اسمه سعيد»، منذ ذلك اليوم انقطعت أخباره عنا ولم يتصل قط».
سفيان الفاضلي : «يجب أن تتفهم الأم ابنها وعلى الزوجين ولوج دورات تكوينية قبل دخول القفص الذهبي»
يقول سفيان الفاضلي، رئيس الرابطة الوطنية للمدربين والمستشارين المغاربة، إن ظاهرة تفضيل الزوج لزوجته على حساب أمه تقودنا وبشكل مباشر إلى طبيعة نمط شخصية الزوج، فالزوج الإمعة أو الزوج ذو نمط الشخصية الإمعة يمتاز بمجموعة من السلوكات التواصلية التي تبرر تفضيله لزوجته على حساب أمه، فهو ذلك الزوج الذي يقول دائما نعم لزوجته دون تفكير، وهو ذلك الرجل الذي لا يرتبط بأي كلام مع الغير دون مشورة زوجته ومهما كان هذا الغير، ويوافق زوجته في أي شيء تقوله لتجنب الدخول معها في مواجهة أو احتكاك وللحصول على رضاها.
ويؤكد الفاضلي على أن هذا الزوج الذي يتصرف مثل «سكرتير» للزوجة وليس كزوج غيور ومحافظ فهو ليس لديه مانع من قبول دعوة أي غريب على العشاء في الخارج مع زوجته طالما أن زوجته وافقت على ذلك. عندما تزور هذا الزوج ببيته، فإنك تحتك بزوجته والتواصل أكثر مما تحتك معه، بل غالبا لا يكون لديه أدنى مانع من أن يخرج لقضاء حاجة معينة خارج البيت ويترك الضيف الغريب مع زوجته اعتمادا منه على الثقة الكبيرة التي يتوهم أنه يوليها لزوجته، ويضيف أنه من البديهي إذن أن تستلب الزوجة زوجها على حساب أمه، خصوصا وأنه يكون سعيدا بهذا الدور الذليل والخانع أمام زوجته، لاسيما إذا كانت هذه الأخيرة أنانية وتعتبر الأم وكأنها ضرة وليست أما أو الطمع، مما يحفزها على توتير علاقته بأمه خصوصا وأهله عموما.
ويوضح الفاضلي أن الكثير من الأزواج يعيشون حالة استسلام تامة لزوجاتهم ليصبحوا تابعين لهن غير قادرين على مخالفة إملاءاتهن مما يجعلهم يعيشون ضعفا شديدا في اختياراتهم لأنهم يكونون مسيرين من قبلهن بشكل مطلق، خصوصا وأنه توجد مجموعة من النساء يفضلن في شريك حياتهن أن يكون إمعيا ضعيفا مستسلما دون أن ينتبهن إلى العواقب الوخيمة على الأبناء في المستقبل.
وفي ما يخص الأسباب التي تدفع الزوج إلى اختيار هذا الدور، يرى رئيس الرابطة الوطنية للمدربين والمستشارين المغاربة أن شخصية الزوج تثأتر كثيرا بطبيعة العلاقة التواصلية بين أبويه منذ الصغر وتنعكس على صورة الشاب في أسرته الجديدة، فحينما يعيش في أسرة طبيعة التواصل الأبوي فيها يمتاز بالتسلط بحيث يكون الأب متسلطا على الأم، فإن ذلك ينعكس على شخصية الزوج الجديد ويصبح طرفا نقيضا لنمط والده، حتى يتسنى له بذلك خلق نوع من التعويض فيخضع لزوجته. كما أن الزوجة عندما تشعر بأن زوجها تخلى عن بعض مسؤولياته أو شعرت بضعفه أو تردده، فإنها قد تتولى زمام القرار في الحياة الزوجية والتي قد تضعف من موقف وقوة الزوج شيئا فشيئا.
ويتوجه الفاضلي إلى والدة الزوج قائلا إن الأم الذكية هي التي تفهم موقف الزوج، بحيث لا تتحول إلى معارض وتكون حزبا هي وبناتها ضد زوجة الابن، بل هي من تتفهم طبيعة ابنها وتعرف نقط ضعفه وتحاول أن تعامله بالطريقة التي تناسبه. ومقابل ذلك يرى أن الزوجة الذكية هي من تكون لنفسها شخصية متوازنة بأن تتفهم طبيعة نمط زوجها فلا تتسلط عليه بل تشجعه على تحمل المسؤولية والتقدير الذاتي، كما أنه في ظل تطور المجتمع أصبح من الضروري اليوم ولوج دورات تدريبية متخصصة في هذا المجال للشباب والبنات قبل دخولهم عش الزوجية.