قصة فرنسي تجول في المغرب مُتنكرا سنة 1883 ونهايته المأساوية
يونس جنوحي:
لقد أحببتُ القلعة البرتغالية التي تحرس شاطئ موگادور، لأن هؤلاء البحارة المغامرين احتلوا الميناء لفترة. قيل لي إن «أورسون ويلز» استعمل الأسوار خلفية لأحد الأفلام. هذه المرة لفيلم «عُطيل» وليس لـ«الفستان الأسود».
موگادور جذابة، لكنها ليست مهمة بالضرورة. الآن يتكرر اسمها في السجلات الفرنسية. تذكرتُ مسرح موگادور في باريس. سألت نفسي: لماذا؟
ثم جاءني الجواب:
-«الاسم صار موضة العصر في ذلك الوقت. في سنة 1844، هاجم المغاربة الفرنسيين في الجزائر. أحد أوجه انتقام الفرنسيين كان قصف موگادور واحتلالها. الرحلة إلى هناك لم تكن تستحق العناء، لكن الذي كان يقود العملية هو أمير «جوانفيل»، ابن الملك لويس فيليب. وهكذا أضفي طابع خفيف من «الرومانسية» على القصة، وهذا أمر مفهوم على كل حال، ثم صار اسم «موگادور» صيحة من صيحات الموضة العصرية.
لم يكن الفرنسيون، بأي شكل من الأشكال، أول الأوروبيين الذين رسوا بسفنهم هنا. وكان وصولهم إلى «موگادور» بمحض الصدفة فقط. هل ترى تلك الجزيرة هناك على الساحل؟ كان «دريك»، الذي ينحدر من بلادكم، يستخدمها في أغلب الوقت قاعدة عندما يشن هجوما على الإسبان».
علمتُ لاحقا أن معلوماتي لم تكن دقيقة. لقد رسا «دريك» فعلا في الجزيرة، لكن ذلك حدث خلال المراحل الأولى من سفره الشهير حول العالم.
لم يكن «دريك» الزائر المهم الوحيد لموگادور. سجلتُ ما كُتب على لوحة معلقة فوق أحد المنازل تشير إلى أن المنزل كان، في وقت ما، إقامة لـ«فيكومت شالرز دو فوكو» الشهير، المستكشف الفرنسي للمغرب. وهو ضابط عسكري شاب تورط في علاقة «حُب» فضائحية، وتطوع للخدمة الخارجية وأصبح مهتما بالتقاليد العربية بإخلاص تام. وفي سنة 1883، قام برحلة مغامرة عبر المغرب. وكان وقتها هذا النوع من الرحلات خطيرا على أي مسافر نصراني. ولكي يوفر الحماية لنفسه تنكر في زي يهودي. راهن على أن زيه لم يكن مثيرا للشك، وألا أحد سيهتم بمظهر يهودي فقير، وأن الملاح سيوفر له غطاء عن الشكوك الكثيرة التي قد تلاحقه، أفضل من المدينة.
كانت مخططاته وحساباته مستوحاة بشكل جيد. تجول في البلاد لعامين، وصار كتابه «استكشاف في المغرب» واحدا من الكلاسيكيات.
كلمة «استكشاف» مناسِبة لأن كتاباته أثارت الاهتمام الفرنسي الذي أدى في النهاية إلى الحماية، وأعطت صورة واضحة عن الفوضى المُريعة في بلاد المغرب خلال ذلك الوقت، عندما كانت الأوبئة والعبودية رفيقتين للرشوة والفساد وقطع الطرق.
في وقت لاحق، عاد «فوكو» إلى شمال إفريقيا باعتباره واحدا من الرهبان التابعين لـ«الآباء البيض»، وكرس نفسه لخدمة العرب والأمازيغ الذين جعلوا منه وليا صالحا. إلا أنه قُتل على يد قبيلة صحراوية سنة 1916، خلال واحدة من الحملات الدورية للاضطرابات.
سألتُ:
-«هل يوجد هناك أحد في موگادور يتذكره؟».
-«لقد كان هنا سنة 1884، وهي فترة زمنية مضت عليها مدة طويلة، لكن دعنا نَرى».
قادني صديقي لكي نعود إلى الملاح اليهودي، ووجد هناك أحد «الربيين» طاعنا في السن وطرح عليه سؤالي.
قال اليهودي المُسن:
-«لقد عشت هنا حوالي ثمانين سنة. لا أستطيع ادعاء أنني أتذكره. كنت صغيرا بطبيعة الحال، لكنني أتذكر والدي وهو يتحدث عنه في وقت لاحق. لقد وصفه بأنه أحد الرجال الذين أحبوا مُريديهم. لا يمكن أن تكون هناك شهادة أكثر دقة من هذه».