شوف تشوف

حوادث

قصة شاب عاطل في الرباط قتل أمه لأنها تهينه

كريم أمزيان
تشير إحصاءات متعلقة بوضعية السجناء، الذين صدرت في حقهم أحكام نهائية، في مختلف محاكم المغرب، إلى أن عددا كبيرا من الذين بتت هيآت قضائية في غرفة الجنايات، في ملفاتهم، متهمون بالعنف ضد الأصول، والبعض منهم يتجاوزون ذلك، إلى العنف ضد الأصول المفضي إلى الموت.
في صفحة «غرفة الجنايات» لهذا الأسبوع، تفتح «الأخبار» ملفا متعلقا بجريمة «القتل العمد في حق أحد الأصول»، كانت قد جرت أطوارها في مدينة الرباط، شهر أبريل الماضي، عجل باعتقال المتهم فيه الذي يوجد رهن الاعتقال بسجن سلا، حيث يقضي عقوبته السجنية، وذلك بعد اعتقال شقيقه الطبيب الذي قتل ثلاثة أشخاص وأضرم النار في بيت أسرته، وجلس يتفرج عليه، حتى كاد أبناء حي النهضة بالعاصمة، يشبهونه بالإمبراطور نيرون الذي أحرق روما وأشعل النار في شعبه، في مشهد سادي تاريخي!
في منتصف شهر فبراير الماضي، عقدت غرفة الجنايات الابتدائية، جلسة علنية، كان من بين الملفات المدرجة فيها، ملف الشاب الذي قتل أمه، والذي حضره مواطنون كثر، بعضهم أشفقوا عليه، والبعض الآخر بدا لهم أنه يستحق العقاب، خصوصا أن الحكم الذي صدر في حقه لم يرضهم.

منزل الأسرة التي كانت تعيش في حي النهضة مقفل الآن. الأم وافتها المنية وولداها يوجدان في السجن، وقصتها أصبحت على لسان سكان مدينة الرباط، بعدما تفرق أفرادها بطريقة تبعث على الغرابة. بعضهم رحل إلى دار البقاء، والبعض الآخر مازال حيا يرزق، لكنه يعتبر نفسه يموت ببطء.
قصة هذه الأسرة، بدأت في زوال يوم 10 أبريل 2015، لتصبح عبارة عن ملف يحمل رقما في رف المديرية العامة للأمن الوطني، بولاية أمن الرباط، وبالضبط في دائرة النهضة. في التوقيت نفسه، وبينما كان ضابط الشرطة القضائية مساعد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط، في الدائرة 14، النهضة السويسي- التقدم ولاية أمن الرباط، يزاول مهامه الاعتيادية في مكتبه، توصل فجأة من قاعة المواصلات المحلية بأمر يقضي بضرورة الانتقال إلى أحد العناوين، ما جعله يستقل بمعية مرافق له سيارة المصلحة. وصلا إلى العنوان المذكور ووجدا جثة امرأة مسنة ملقاة على الأرض، ترتدي قميصا أبيض وسروالا بنيا، مضرجة في بركة من الدماء، في باب بيتها الذي قضت فيه حياتها بمعية أبنائها.

معاينة أولية
معاينة ضابط الشرطة جعلته يربط الاتصال بقاعة المواصلات من جديد، من خلال جهاز «التولكي وولكي»، ويشعر مصالح الشرطة هناك، بضرورة حضور عناصر الشرطة القضائية، ومصالح من الشرطة العلمية والتقنية للقيام بإجراءاتها في مسرح الجريمة. لحظات قليلة فقط، مرت بعد ذلك، فحضرت العناصر المطلوبة فورا إلى عين المكان، وبدأت عملية إجراء معاينة على جثة الضحية، والتي تبين من خلالها أنها لفظت أنفاسها الأخيرة، بعدما وجه إليها الجاني ضربات قوية، حتى ارتطم رأسها بالأرض والجدار المحاذي للباب، والدليل على ذلك وجود نزيف في أنفها، وزرقة في عينيها وآثار خدوش في عنقها.
بجانب الجثة عثر المحققون على أساور من المعدن الأصفر، وقرطين اقتلعا من أذنيها، فحملهما عنصر من الشرطة العلمية والتقنية، وحجزهما ووضعهما تحت ختم قضائي مكشوف لفائدة البحث، في الوقت الذي كانت تجري عناصر أخرى مسحا شاملا لمسرح الجريمة والتقطت صورا من جميع الزوايا.
لحظات قليلة، وبينما بدأ المواطنون والأطفال والنساء يتحلقون حول المنزل، تأكد ضابط الشرطة القضائية من هوية الضحية، وتبين له أن الجثة تعود إلى المسماة قيد حياتها (ع.إ.و)، التي رأت النور في مدينة فاس بتاريخ 10 يوليوز 1959، ثم أمر بنقلها على متن سيارة لنقل الأموات، إلى مستودع الأموات البلدي، من أجل إخضاعها للتشريح الطبي والشرعي، ووضع نتائجه رهن إشارة النيابة العامة، ثم أمر بإغلاق «القبو» الذي كانت تقطن فيه، واحتفظ بمفتاحه، إلى حين صدور أوامر وتعليمات بشأنه، ثم شرع في إجراء البحث في ما يخص ظروف وملابسات الجريمة.
من تلقاء ذاته، امتثل شخص نجار يدعى (م.و)، قدم بطاقته الوطنية، وأكد للمحققين أنه كان يشتغل بمنزل الهالكة، وعاين (أ.ب) ابن الضحية يلج المنزل، فوجد أمه جالسة، فعرضها لوابل من السب والشتم، قبل أن يبدأ في ضربها في رأسها، إلى أن سقطت، فغادر المكان وبيده محفظة صفراء اللون.
كانت هذه هي المعطيات التي جرى الحصول عليها، من أجل تحديد هوية الجاني، وهي المعلومات التي تم توزيعها على العناصر التي كانت موجودة بعين المكان، فاتضح أن عددهم قليل، ما جعل ضابط الشرطة يستعين بمخبرين، لإجراء عملية تمشيطية لكل الأمكنة، التي من المحتمل أن يكون المتهم موجودا فيها.
مرت بضع دقائق، فاستقبل الضابط مكالمة هاتفية من أحد المخبرين، فأكد له أن المعني بالأمر جالس في مقهى «هشومة»، الموجودة بشارع أحمد رضى اكديرة، ما جعل جميع العناصر تتجند، فحاصرته في المكان الذي كان فيه، فتمكنت من إيقافه، وأجرت عليه عليه جسا وقائيا، فعثرت لديه على المحفظة المذكورة، وحافظة أوراق بها رخصة سياقته، ونسخة من القرآن الكريم، وكتاب عنوانه «إلى المعلم أتحدث»، وآخر اسمه «جدد حياتك»، وآخر مكتوب باللغة الأنجليزية «The ocean world» وعلبة أدوية من نوع «RELAXIUM»، فحجزت عناصر الشرطة كل هذه الكتب والحاجيات، وصفدت يدي المتهم واقتادته إلى حيث توجد مصلحة الشرطة.
ربط ضابط الشرطة القضائية الاتصال بنائب الوكيل العام للملك، وبعد إخباره بجميع المعطيات المتوفرة بخصوص القضية، وهوية الموقوف، أصدر تعليماته من أجل إحالة المعني بالأمر على عناصر الشرطة القضائية قصد تعميق البحث معه، بخصوص المنسوب إليه.

تحقيقات واعترافات
بمجرد ولوج المتهم مكتب التحقيق أمام عناصر الضابطة القضائية للشرطة القضائية، نقط عنصر اسمه ورقم بطاقته الوطنية في جهاز معلوماتي، فتبين له أن الماثل أمامه، المزداد في مدينة فاس 30 أبريل 1987، والذي كبر في الرباط، ودرس بمدرسة مولاي علي الشريف بحي حسان، ثم التحق بمدرسة طارق بن زياد، بالحي الإداري بالعاصمة، ثم تابع دراسته في ثانوية «للا عائشة»، وبعدها مدرسة خاصة، له سابقة قضائية، إذ جرى تقديمه أمام العدالة لأجل «العنف في حق الأصول –الأم» بتاريخ 05 شتنبر 2014، قبل أن يقدم مجددا على الاعتداء عليها، وفق ما عاينه النجار الذي كان ببيتها، والذي أكد أنه شاهد المتهم يعنف أمه، وأنه حاول منعه من ذلك، غير أن الشاب قوي البنية وجه له ركلة أوقعته فلاذ بالفرار، ليعود بعدها ويجد الضحية جثة هامدة.
بعد ذلك مباشرة، بدأت عناصر الشرطة القضائية في التحقيق مع المتهم، الذي شرع في الاعتراف بشكل تلقائي، باقترافه جريمة قتل في حق أمه، إذ أورد أنه دخل في الصباح في خلاف مع والدته، بعدما رفضت منحه مبلغا ماليا لشراء مخدر الشيرا، فجن جنونه، وفقد صوابه وشرع في عتابها كعادته، وفق التصريحات التي أدلى بها، والتي أكد من خلالها أنه صعد إلى سطح المنزل وهي تنعته بأقبح الأوصاف، منها المخجلة، ثم بدأ يستعد للاستحمام حتى يذهب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، فمنعته من ذلك وفق ما صرح به، وأمرته بالقيام بذلك في سطح المنزل، ما جعله يغادر دون أن يستحم، مشيرا إلى أنه لما عاد إلى المنزل استقبلته ثانية، بعبارات السب والشتم، وهو ما لم يستسغه، وفق تأكيده، فأحكم قبضته عليها، موجها لكمات عدة إلى وجهها. وعلى الرغم من توسلها إليه، لم يهدأ من ضربها في أعضاء متفرقة في جسدها، إلى أن انفلتت من قبضته، وحاولت الخروج مسرعة للاستنجاد بالجيران أو أحد المارة، ليعمد إلى إرجاعها بالقوة، ثم أسقطها أرضا، وأمسكها من شعرها، وضربها في صدرها. وعندما حاول عامل النجارة صده، ضربه هو الآخر، واستمر في تعنيف والدته إلى أن فقدت وعيها وتأكد من أنها فارقت الحياة.
وعن الأسباب والدوافع التي جعلته يقدم على ارتكاب هذه الجريمة في حق والدته، أكد الجاني للمحققين أنه بعد عودته من مدينة طنجة، حيث اشتغل في شركتين، في الآونة الأخيرة، قبل إنهائه حياة أمه، أصبح عاطلا عن العمل، وضاقت به السبل، وأصبح سريع الانفعال، ويفقد صوابه لأتفه الأسباب، ولا يروقه أن تهينه أمه قيد حياتها، ما جعله، وفق ما صرح به، «يعقد العزم على تصفيتها ووضع حد لحياتها».
محاكمة هادئة
مباشرة بعد إنهاء الاستماع إلى الجاني، وإنجاز عناصر الشرطة القضائية محضر البحث التمهيدي، قدمته أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، والذي استمع إليه، قبل أن يحيله على قاضي التحقيق بغرفة الجنايات الابتدائية، وفق ملتمس مؤرخ في 12 أبريل 2015، قصد التحقيق معه، من أجل الجناية المنسوبة إليه، والمتعلقة بـ«القتل العمد لأحد الأصول مع سبق الإصرار والترصد»، قبل أن يحيله بدوره على غرفة الجنايات للشروع في محاكمته.
في 18 فبراير الماضي، فتحت الهيأة القضائية بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، ملف الشاب (أ.ب)، ولما بدأت تستنطقه، كان هادئا وعلامات الوقار تبدو على محياه، كشف جانبا خفيا لم يذكره طيلة مراحل التحقيق، إذ دخل قاعة المحكمة هادئا، ويبدو كأنه فهم لتوه ما يجري حوله، إذ كان حاملا معه سجادة وسبحة واضعا إياها في عنقه، سأله القاضي الذي يترأس الجلسة، فأكد له أنه يستعملها لذكر الله، قبل أن يستمر في سرد كل المعطيات المتعلقة بحياته، إذ أورد أنه ليس الوحيد من يوجد في السجن، بل إن أخاه الطبيب يقضي بدوره عقوبة سجنية، بعدما وضع حدا لحياة ثلاثة أشخاص، دون أن يذكر تفاصيل ذلك، مشيرا إلى أنه كان قد أضرم النار في بيتهم، ويوجد الآن في السجن.
وذلك قبل أن يستمر في الإجابة عن أسئلة الهيأة القضائية والنيابة العامة والمحامين الذين انتصبوا للدفاع عنه في هذه القضية، في إطار المساعدة القضائية، قبل حجز الملف للمداولة ونطق المحكمة بالحكم فيه، إذ طوته بحكمها على الجاني بثلاثين سنة سجنا نافذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى