شوف تشوف

الرئيسية

قصة سقوط الذئاب المنفردة في شباك «البسيج» قبل ترويع احتفالات رأس السنة

القنيطرة: محمد سليكي
لا تزال عملية تفكيك فرق كومندو المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، يوم الجمعة المنصرم خلايا نائمة لـ «داعش»، تفيض بالمفاجآت وتتمخض عن التحقيقات الجارية حولها أوامر بالملاحقات. خلايا تنظيم «داعش»، التي كانت تنشط بالقنيطرة وسلا وقصبة تادلة ودوار «غرم لعلام» (جماعة دير لقصيبة بإقليم بني ملال) و»أيت إسحاق» (إقليم خنيفرة)، ستكشف التحقيقات التمهيدية أن ما يجمع بين مشروع عناصرها الدموي أكثر مما يفرق بينهم. التحقيقات المنجزة مع خلية القنيطرة، تحت إشراف النيابة العام المختصة، ستؤكد أن عناصرها بلغوا مراحل متقدمة في التخطيط والتحضير لمشروع إرهابي خطير يهدف إلى تنفيذ سلسلة من العمليات التخريبية، تروم استهداف زعزعة أمن واستقرار المملكة وبث الرعب في صفوف المواطنين. خطورة هذه الخلية التي حجز لديها كومندو تحت قيادة حبوب الشرقاوي، الرجل الثاني بـ «البسيج»، داخل منزل في طور البناء بحي الوفاء بالقنيطرة، أسلحة نارية وذخيرة حية وسواطير.. ستجعل هذا الموقع في قلب تحقيق صحافي لجريدة «الأخبار»، أعدته حول أسرار ما وصف بـ «صيد الجمعة الثمين»، عند المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع لـ «الديستي».
لم يكن عدد من رواد صلاة الفجر بمسجد «الغفران» بحي الوفاء (واحد) يوم الجمعة المنصرم بالقنيطرة، يعتقدون أنهم سيصادفون مشهدا من مشاهد أفلام «الآكشن» على أرض الواقع، لكن بأبطال من عناصر كومندو المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.

المداهمة ومخزن الأسلحة
في حدود الساعة السادسة صباحا من يوم الجمعة المنصرم، سيفرض رجال كومندو من «البسيج»، وهم يشهرون أسلحتهم النارية استعداد لمواجهة الاحتمال الأسوأ، طوقا أمنيا حول منزل من طابقين في طور البناء يؤوي ثلاثة موالين مفترضين لتنظيم «الدولة الإسلامية».
كانت الواجهة التجارية لهذا المنزل، والتي عبر الموقوفون منها إلى سيارات الأمن وهم معصوبو الأعين ومقيدو الأيدي، مفتوحة على مسجد «الغفران»، بينما كان مدخل هذا البيت/ المخبأ، يوجد في زقاق خلف ما يسمى بشارع الروض، مسرح عملية إيقاف أخطر خلية إرهابية على أبواب احتفالات رأس السنة.
عبد القادر، أحد القاطنين بحي الوفا (واحد) ممن قبلوا التحدث إلى «الأخبار» حول هذه الخلية. يقول: «ما حصل فجر الجمعة المنصرم لازال لم يصدقه الكثير من المواطنين هنا بحي الوفا». هذا الموظف الحكومي السابق سيضيف وهو يترجل نحو مسجد «الغفران» لأداء صلاة الظهر: «هؤلاء المعتقلون كانوا يقطنون في ذلك المنزل الذي يقع بين روض للأطفال ومحلبة باسم الله، كعمال في النقش على الجبص ولا أحد كان يعتقد أنهم يحملون مشروعا إرهابيا».
تركنا عبد القادر وهو يهم بدخول المسجد، وتوجهنا إلى «محلبة باسم الله» التي كان يتردد عليها «الكباصة» المتابعون بقانون الإرهاب، بينما كاميرات مدرسة خاصة التي تضم مستويات، حضانة وروض وابتدائي، تضع محيطها تحت المراقبة، بمن فيهم أباء وأولياء التلاميذ وسيارة النقل المدرسي.. وعابري السبيل.
قبل مواصلة سرد شهادات عدد من جيران مخزن أسلحة من أضحى يطلق عليهم بـ «كباصة داعش»، ونقل ردود عابري ما يسمى بشارع «الروض» حيث يوجد منزل مداهمة هذه الخلية، لا بد من الكشف، أولا، عن أسرار المشروع الإرهابي، المحبط على مقربة من حلول الساعة الصفر لتنفيذه..

المستهدفون من خلية «داعش»
تفيد معطيات «الأخبار» المتوصل بها حول هذه الخلايا النائمة أن هناك خيطا رفيعا يجمع ما بين العناصر المتهمة بالانخراط في أجندة إرهابية تحت راية «داعش» الموقوفة يوم الجمعة المنصرم، وعنصرين آخرين جرى إيقافهما الخميس الماضي، بكل من فاس وأولاد تايمة.
مهمة خلية القنيطرة المسلحة، حسب المعطيات المتوفرة، كانت تنتظر الضوء الأخضر من مجنديها داخل «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بتنسيق مع قادة ميدانيين لهذا التنظيم، للقيام بأعمال إرهابية تتجاوز حصد تمويلات لـ «داعش» عن طريق ما يسمى بـ»الفيء»، إلى تنفيذ أي أمر بالاغتيال أو الهجوم المسلح.. تنزيلا لسلسلة من العمليات التخريبية خطط لها، بهدف زعزعة أمن واستقرار المملكة وبث الرعب في صفوف المواطنين.
عناصر خلية القنيطرة، التي يبدو أنها تدربت على تفكيك وتركيب المسدسات، إضافة إلى العناصر الموقوفة وفق ذات المعطيات، رغم سقوطهم في شباك «البسيج» في مناطق متفرقة، إلا أنهم يشكلون حلقة واحدة.
تشبع هذه العناصر الموقوفة باستراتيجية «داعش» الجديدة يجعلهم يميلون إلى القيام بعمليات إرهابية داخل بلد تواجدهم، وفق سعيد لكحل الباحث في التنظيمات الإرهابية والمنحدر من مدينة القنيطرة، والذي يؤكد أن «تنفيذ عملياتهم التخريبية قد لا ينحصر في استهداف ناقلات للأموال فقط كما خططوا لذلك، بقدر ما قد ينتقل الأمر إلى أهداف أخرى، حسب الأمر، كتصفية شخصيات ترمز للدولة».
فما هي إذن قصة أسلحة تنفيذ هذا المشروع الإرهابي تحت لواء «داعش» والتي كانت مخبأة بالقنيطرة في انتظار استعمالها لإغراق احتفالات رأس السنة في حمامات دم بكل من القنيطرة وفاس وطنجة تحديدا، لولا يقظة الأجهزة الموازية والضربة الاستباقية للمكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع لـ «الديستي»؟.

قصة أسلحة «غزوة» رأس السنة
لم تذكر وزارة الداخلية في بلاغها الرسمي مصدر الأسلحة المحجوزة ولا كيف وصلت إلى يد أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية» بالقنيطرة، حفاظا ربما على سرية التحقيق لفائدة البحث المتواصل، لكنها حددت بوضوح نوعيتها ومكان تخزينها قبل أن يدق تنظيم «داعش» ساعة الصفر لاستعمالها.
لقد أظهرت التحريات أن المشتبه فيهم، الذين كانوا يعتزمون الالتحاق بصفوف ما يسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية» بالساحة السورية-العراقية أو فرعه بليبيا، تلقوا تعليمات من هذا التنظيم الإرهابي للقيام برصد منشآت ومواقع حيوية ببعض مدن المملكة من أجل استهدافها باستعمال أسلحة نارية ومتفجرات، وذلك وفق المخططات التوسعية لـ «داعش» خارج مناطق نفوذه.
أفراد هذه الخلية الذين كانوا على صلة وثيقة بمقاتلين مغاربة بصفوف «داعش» بكل من سوريا وليبيا للحصول على الدعم اللوجستيكي اللازم لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية، حجز لديهم كومندو «البسيج» أسلحة نارية وذخيرة حية وهي ملفوفة بعناية فائقة بـ «صكوتش البضائع «ومدفونة في حمام الطابق الأول، من منزل حي الوفا «المشمع» بالقنيطرة. عدد المحجوزات التي عثر عليها خلال مداهمة هذا المنزل بلغت سبع محجوزات، اختلفت بين مسدسين وشاحن خراطيش و25 خرطوشة عيار 9 ملمتر وأوراق مالية وثلاثة هواتف نقالة وبطائق تعبئة هاتفية.
حجز الأسلحة جعل قيادة أفراد كومندو الضابط السامي، حبوب الشرقاوي المكلف بقضايا الإرهاب في المكتب المركزي للأبحاث القضائية، تسخر وسائل ومعدات متطورة أثناء عمليات مداهمة وإيقاف المشتبه فيهم، منها استعمال طائرة هليكوبتر تابعة للدرك الملكي، بغرض نقلهم إلى مقرات إقامتهم من أجل استكمال إجراءات التفتيش والحجز، اعتمادا كذلك على «سكانير» يدوي يعمل بأشعة «اكس» ذات القدرة على تحديد كل العبوات المشبوهة من أسلحة ومتفجرات. عمليات تمشيط وتفتيش مقرات إقامة هذه الخلية التي كانت تنشط بالقنيطرة وسلا وقصبة تادلة ودوار»غرم لعلام» (جماعة دير لقصيبة بإقليم بني ملال) و»أيت إسحاق» (إقليم خنيفرة)، قادت بحضور عناصر المختبر الوطني للشرطة العلمية، إلى العثور كذلك بحوزة عناصر هذه الخلية على أسلحة بيضاء وسواطير، بالإضافة إلى منشورات تدعو إلى «الجهاد» و»التكفير» ومخطوطات تشيد بما يسمى بـ»الدولة الإسلامية» وسروال بذلة حربية وحاسوب وكذا رسومات تجسد لراية هذا التنظيم الإرهابي…

سكان الوفا.. «هنا كانو الإرهابيين»
«هنا كانو الإرهابيين».. تكاد تكون هذه العبارة الأكثر تداولا بين الناس بحي «الوفا 1» بمنطقة الساكنية شرق القنيطرة. والمقصود بالعبارة هو المنزل الذي اعتقلت بداخله الجمعة المنصرم، عناصر كومندو المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ثلاثة متهمين بالإرهاب بحوزتهم أسلحة نارية وذخيرة حية. ينحدر الموقوفون بالقنيطرة، من مدينة بني ملال، وهي المدينة التي اعتقل في نفوذ جهتها بكل من قصبة تادلة ودوار «غرم لعلام» (جماعة دير لقصيبة بإقليم بني ملال) و»أيت إسحاق» (إقليم خنيفرة)، خمسة أفراد من عناصر هذه الخلية التسعة.
غالبية مهنيي البناء الذين قابلتهم «الأخبار» في زيارتها للمنزل الذي اعتقل أفراد الخلية به وحجزت بداخله الأسلحة، كانوا ينفون معرفتهم بهؤلاء «الكباصة» وبشيوع أسمائهم وصفاتهم وسط أوراش البناء المفتوحة بحي الوفا (واحد) حاليا المعروف بـ(دوار سوق السبت) القصديري حتى وقت قريب..
بجوار منزل «الحسناوي»، المهاجر المنحدر من مدينة سيدي سليمان، الذي كان الجمعة المنصرم مسرحا لعملية مداهمة عناصر عبد الحق الخيام، مدير جهاز «البسيج» لمخزن سلاح الخلية، توجد محلبة «باسم الله»، كواحدة من المحلات التي كان يتردد عليها «الكباصة» الثلاثة.
كان لإخفاء الهوية دور كبير في محاولة فك لسان مسؤول المحلبة كي يكشف عما يعرفه عن زبنائه ممن أضحى يطلق عليهم بـ «كباصة داعش». يقول هذا الشاب بحذر شديد: «كان كينزل من هاد الدار لي شاد عليا مرارا أصغرهم سنا لشراء بعض المواد الغذائية».
مسير المحلبة نفسه يضيف: «الدار ديال مغربي في إسبانيا وهما شلوح كانو كيصاوبو الكبص»، مبرزا أن هؤلاء لم تكن تظهر عليهم علامات التطرف أو الغلو في الدين كما أنهم «لم يكونوا يختلطون بالناس».
توافد الزبناء على محلبة «باسم الله» التي كان يرتادها أفراد خلية القنيطرة الثلاثة ألجم لسان الشاب الذي بداخلها، الذي ختم حديثه مع «الأخبار» قائلا: «لي يقلب على شي حاجة كيلقاها والله يحفظ بلادنا»، في وقت، كانت فيه كاميرات مراقبة المدرسة الخاصة المجاورة لمنزل مسرح المداهمة، ترصد كل شيء في محيطها..

الباحث سعيد لكحل: «الخلية كانت تنتظر تعليمات تنفيذ عملياتها الإرهابية»
قال سعيد لكحل، الباحث في الجماعات الإسلامية والإرهاب، إن خلية القنيطرة التي يقطن بها، بالنظر إلى خطورة الأسلحة المحجوزة لديها، كانت مستعدة لتنفيذ مشروع إرهابي نوعي وقتما تلقت الأمر بذلك، سواء من قادة تنظيم الدولة بالداخل أو بالخارج وتحديدا بسوريا.
وأكد لكحل في حديث إلى «الأخبار»، أنه يتضح من خلال المعطيات الأولية أن خلية القنيطرة حاولت تمويه السلطات المختصة باختيار حي «الوفا» الشعبي الجديد للتواري عن الأنظار والإعداد لتنفيذ مشروع التنظيم الإرهابي.
وأوضح لكحل أن العناصر الموقوفة اختارت بعناية، حي «الوفا» كي تتستر عن مشروعها الإرهابي بقبعة «الكباصة»، باعتباره أولا، فضاء سكني لاتزال أوراش البناء به مفتوحة وثانيا لاستقطابه سكان غرباء عن مدينة القنيطرة، وثالثا لانفتاحه على مناطق خارج الرقابة الأمنية كعين السبع والمخاليف وأولاد عرفة معقل مختلف تلوينات الجماعات السلفية والاسلاموية، ورابعا لاحتضانه هذه المناطق التي تشكل غالبية جماعة الساكنية، أحزمة فقر كبيرة..
وأبرز لكحل أن عناصر خلية القنيطرة، تشكل إلى جانب العناصر الموقوفة مشروع واحد يدين بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، وإن كان البعد المكاني بين تلك العناصر حاضرا، يوضح لكحل، «فان التنسيق وتلقي الأوامر الدموية يجعل خلايا «داعش» تشتغل كما لو أنها في رقعة واحدة».
واعتبر المتحدث نفسه أنه من خلال الأهداف المعلنة لهذه الخلية، والتي جرى إحباطها مبكرا، يتضح أنها كانت تتبع استراتيجية «داعش» الجديدة والمتمثلة في القيام بعمليات داخل البلد المستهدف قبل الالتحاق بالتنظيم، أخذا بعين الاعتبار، يضيف لكحل» أن أزيد من 2000 مغربي يقاتلون بسوريا ومنهم من له مواقع قيادية، ما يطرح السؤال حول عدد المتعاطفين معهم داخل المملكة».
وبينما نبه سعيد لكحل إلى أن خلية القنيطرة وعبرها تنظيم «داعش» كانت تهدف من خلال تهديداتها ومخططاتها الإرهابية إلى إحداث ثقب في علاقة ثقة المواطن بالأمن عن طريق استهداف شخصيات عامة ومؤسسات ترمز إلى الدولة، شدد على أن أجهزة مكافحة الإرهاب بالمغرب عرفت تطورا كبيرا في مهنيتها منذ عام 2003 ما توج اليوم بإحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع لمديرية مراقبة التراب الوطني، الذي أثبت فعالية ضرباته الاستباقية ضد الإرهاب.
يشار إلى أن التتبع الدقيق، بناء على معلومات استخباراتية، كان قد كشف أن أفراد هذه الخلية المتشبعين بالنهج الدموي لـ «داعش»، بلغوا مراحل متقدمة في التخطيط والتحضير لمشروع إرهابي خطير، بتنسيق مع قادة ميدانيين لهذا التنظيم، بهدف تنفيذ سلسلة من العمليات التخريبية تستهدف زعزعة أمن واستقرار المملكة وبث الرعب في صفوف المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى