قصة النمساوي الذي ادعى أنه من سلالة السلاطين ومات سجينا
يونس جنوحي
تملك طنجة قصبة قديمة رائعة، توجد داخلها مباني الحكومة، الخزينة القديمة، المحاكم، السجون، القصر، ثم إقامة أو إقامتان إداريتان. توجد هذه القصبة شمال المدينة، وعندما تتجه صعودا تصل إلى أزقة ضيقة شديدة الانحدار، إلى أن تصل إلى بوابة مزينة بطريقة رائعة، وقد تم الآن تبييضها، وهي ما يفصل المدينة الإدارية عن المدينة العادية.
إن أول ما تلمحه عين المرء، تقريبا، بمجرد وصوله إلى المكان، هو بناية المحكمة. كانت جدرانها تقف حادّة كما لو أنها مبنية بالصُلب وسقفها مدعوما بصفوف من الأعمدة ذات الأقواس على شكل حدوة الحصان، وتقدم مظهرا لا يختلف في شيء عن الصناديق الموجودة في المسرح.
هناك مجموعة من الأدراج تؤدي إلى المستوى الأرضي المفضي إلى الخزينة، وهو الاستخدام الأصلي لهذه البناية عند إنشائها. إنها الآن مُدمرة بالكامل، حتى أن زليج الأرضية مكسور ومفقود في بعض المساحات، والأبواب معلقة وخارجة من مفاصلها. ولا يوجد في المكان حاليا إلى متسول أو اثنان يستظلان به خلال حرارة النهار من الشمس الحارقة، ولا شك أنهما ينامان هناك في الليل أيضا. على يسار هذا المبنى، وفي الزاوية اليُمنى منه، توجد ساحة مشابهة، إلى حد ما، لتلك التي توجد في بناية المحكمة..، حيث يوجد بها المكان الذي يتم فيه جلد المُدانين، على الرغم من أنه لا يتم استخدامه في كثير من الأحيان لهذا الغرض، ويُستخدم بشكل عام مكانا لاستراحة الجنود المرافقين للباشا. الأعمدة في هذا المكان مصنوعة من الرخام وتيجانها مكسوة بالرخام المدعم بـ«الكورنثي».
على يمين بناية الخزينة، يوجد مبنيان يُستعملان سجنين منفصلين، وهما على التوالي سجن مخصص لسكان القرية وآخر لسكان المدينة. وهي وكر مروع مليء بالسكان الأصليين للمنطقة، الشبيهين بالجياع، ومعظمهم ربما لم يرتكبوا أي جريمة على الإطلاق.
يا له من تاريخ تمكن كتابته عن سجون المغرب! يا لها من مآس ارتُكبت وراء جدران هذه السجون!
هناك قصة قد تكون الأكثر إثارة على الإطلاق. ولا أستطيع هنا أن أرويها انطلاقا من مصدر محدد. قبل سنوات قليلة، ظهر في طنجة فجأة رجل نمساوي يتحدث العربية قليلا ومعه كاتبه الخاص. قصته تبقى غريبة فعلا. لقد ادعى أنه ابن السلطان، أو حفيد أحد السلاطين السابقين، نسيتُ اسمه. قال إنه اختُطف في طفولته ودرس في الخارج، لكنه احتفظ بمعرفة طفيفة بلغته الأم. سافر داخل البلاد طولا وعرضا ونشر هذه الحكاية عن نفسه. وهذه القصة تركت انطباعا كبيرا في عقول المغاربة. وسواء حاول الاستيلاء على العرش أو على الأقل الحصول على المال من الحكومة المغربية، فإنه لم يظهر له أثر مرة أخرى نهائيا، لكن أمله في الآخرين خاب. أمر السلطان باعتقاله وزُج به في سجن طنجة. وهنا تم استدعاؤه من طرف القنصل النمساوي، الذي أخبره أنه يتعين عليه فقط أن يعترف بأنه نمساوي الجنسية، وسيتم إطلاق سراحه فورا، لكنه، تحت وقع صدمة الجميع، أصرّ على أنه مغربي.
يوما بعد يوم، كانت فرص معانقة الحرية بالنسبة له تزداد، بمجرد أن يعترف بأنه أحد الرعايا النمساويين في المغرب. وهذا الأمر كانت المفوضية النمساوية متيقنة منه، إذ كان القنصل فعلا قادرا على إخراجه فورا من السجن بمجرد أن يعترف بأنه مواطن نمساوي. لكن لا، فقد بقي متمسكا بموقفه، إلى أن مر شهر تقريبا على اعتقاله، مع القتلة واللصوص المغاربة، ومات متأثرا بالجوع والإجهاد.