شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

قصة الملاذ المغربي للإسبان

نزحوا بالآلاف إلى «الدار البيضاء» لنصف قرن بحثا عن حياة أفضل:

«بحسب «لوس ريبليكانتي»، التي نقلت قصة أسرة إسبانية انتقلت من مدينة «أليكانتي»، جنوب إسبانيا، إلى الدار البيضاء سنة 1942، فإن آلاف الإسبان قرروا الهروب من إسبانيا وتأسيس حياة جديدة لجمع «الثروة» في المغرب. أي أن هجرتهم كان الهدف منها إطلاق مشاريع تجارية ومالية. وهؤلاء الذين اختاروا المغرب، حسب الصحيفة دائما، فضلوا أن يبدؤوا مشاريعهم بالدار البيضاء، في وقت اختار فيه آلاف الإسبان بدء حياة جديدة في أمريكا اللاتينية.

ونقلت «لوس ريبليكانتي»  قصة سيدة إسبانية سنة 1942، كانت وقتها في قمة وعنفوان شبابها ومراهقتها. اسمها «أسونسيون فيريس»، وجاءت إلى المغرب على أعقاب تداعيات أحداث الحرب. إذ صرحت هذه السيدة للصحيفة، أن والدتها كانت تقوم بإحصاء القنابل التي ألقتها الطائرات على البارجة الفرنسية «جان بارت»، في إطار عمليات القصف التي تعرضت لها إسبانيا في منطقة البحر المتوسط، خلال الحرب العالمية الثانية، قبل تدخل القوات الأمريكية لمساندة الحلفاء.

كانت هذه الشابة الإسبانية لا تتجاوز من العمر عشر سنوات، عندما قررت عائلتها في نونبر 1942 الهجرة إلى الدار البيضاء، تاركة وراءها مدينة «أليكانتي»، بحثا عما وصفته في شهادتها: «حياة أكثر ازدهارا».

يونس جنوحي:

 

 

هكذا قاد الخوف من المستقبل آلاف الإسبان للهجرة إلى المغرب

في هذا الملف نرصد قصصا إنسانية للإسبان الهاربين، أو اللاجئين صوب المغرب، أيام الحماية، ما بين سنتي 1930 و1956، حيث أطلقوا على البلاد: «الملاذ الآمن». الصحافية الإسبانية «بولا كارمونا» بحثت عن هؤلاء الإسبان، رغم أن أغلبهم لم يعودوا على قيد الحياة، ولم يبق منهم إلا قلة فقط يستعيدون ذكرياتهم المغربية بكثير من الحنين، ونقلت لنا أبرز قصصهم وأكثرها إنسانية، ونبشت في صندوق ذكرياتهم المغربية.

صحيفة «لوس ريبليكانتي» نشرت سنة 2021 مقالا تقصت فيه آثار هجرة الإسبان من مختلف مناطق إسبانيا صوب المغرب، خصوصا الدار البيضاء، بحثا عن حياة أفضل.

لكن أصول هذه الهجرة تعود إلى النزوح الأول من الحرب الأهلية لعدد من الفلاحين الإسبان الذين اختاروا المغرب وجهة آمنة لهم، سيما منطقة شمال المغرب خلال بداية عشرينيات القرن الماضي، ومنهم من اشتغلوا في الضيعات الفلاحية، خصوصا بعد سنة 1927، أي بعد أن نُفي محمد عبد الكريم الخطابي إلى «لا رينيون»، بتعاون فرنسي إسباني، وأعلن خبر انتهاء «تمرد» المغاربة.

وقتها كانت مدينة الدار البيضاء تحظى باهتمام الفرنسيين على وجه الخصوص، وبدأ الإسبان يفكرون في النزوح إليها، وجهة بديلة عن الشمال المغربي، حيث بدأت عدد من المشاريع في التراجع، سيما بين تطوان والناظور.

كان الأمر في الدار البيضاء مختلفا، خاصة في فترة بناء المدينة عقب أحداث 1912، إذ كانت البيضاء واعدة لكل الجنسيات الراغبة في إطلاق مشاريع مدرة والبحث عن حياة أفضل.

كان الإسبان يعتبرون الدار البيضاء علامة امتياز كاملة للوجود الفرنسي في المغرب، وحجوا إليها حاملين معهم قصصا تختلف من أسرة إلى أخرى.

«ميلاغروس فيدال» الذي جاء إلى الدار البيضاء في العام 1931، وهو لا يزال وقتها رضيعا، ترعرع في شوارع المدينة وأدرك مبكرا أن أسرته تركت إسبانيا لأسباب سياسية، خصوصا عندما تعرضت بعض ممتلكاتها للتلف، بسبب المظاهرات النقابية، علما أن الأسرة كانت في وضعية مادية مريحة جدا في إسبانيا، كما صرحت أسرته لـ«لوس ريبليكانتي». تزوج سنة 1953 في الدار البيضاء، في عز ازدهار الأعمال التجارية لأسرته، حيث كانوا يستثمرون في الحقول الزراعية.

أنجب «ميلاغروس» ابنين في المغرب، ولكن الأسرة قررت سنة 1963 العودة إلى إسبانيا مسدلة الستار على الحلم المغربي، الذي تقاسمته مع آلاف الأسر الإسبانية الأخرى في المغرب.

يقول الابن في حديثه إلى الصحيفة إن رب الأسرة رأى أنه بعد استقلال المغرب عن فرنسا، ووفاة الملك الراحل محمد الخامس، وتزايد الأصوات المناهضة لكل ما هو استعماري في أوساط السياسيين، لم يعد هناك مكان للأوروبيين في المغرب، رغم أن الاستقلال «حدث بدون عنف، إلا أن مغربة الدولة وأحداث الجزائر أدخلت الخوف في قلوبنا وغادرنا، بالإضافة إلى أن الوضع الإسباني وقتها كان قد بدأ في التحسن»، حسب تصريح الابن دائما.

 

رحلة مُصلح أجهزة الراديو إلى الدار البيضاء بحثا عن حياة أفضل

لم يكن كل الإسبان الذين جاؤوا إلى المغرب، خصوصا الدار البيضاء، بعد سنة 1942، قد اختاروا الهجرة بحثا فقط عن مستقبل أفضل لهم ولتجارتهم. بل كان جزء كبير منهم قد هاجروا إلى المغرب، لكي يبتعدوا عن الأجواء الداخلية المحتقنة بالبلاد، سيما تداعيات الحرب الأهلية التي عصفت بحياة آلاف الإسبان.

جاء في مقال صحيفة «لوس ريبليكانتي» أن الإسباني «فيسينتي فيريز»، الذي كان من بين الإسبان الذين أسسوا حياة جديدة في المغرب هربا من الديكتاتورية، كان قد نزح رفقة أسرته إلى المغرب، لأن العائلة «لم تكن تحب نظام فرانكو، كما أن والده لم يُرد له أن يؤدي الخدمة العسكرية». وهكذا عمل الوالد على إنقاذ الأسرة كاملة، وحرص على أن يحظى الابن «فيسينتي» بحياة جديدة في المغرب، الذي كان في نظر الإسبان وقتها «محمية فرنسية» مزدهرة.

جاء في المقال أيضا أن «فيسينتي» عمل في مجال إصلاح أجهزة الراديو، لكنه بعد فترة من ذلك انضم إلى متجر أدوات مملوك لفرنسي اسمه «جورج مونير» الذي أسس علامة تجارية خاصة به، ميزت متجره الذي كان قبلة لكل الفرنسيين في الدار البيضاء، ممن رغبوا في اقتناء أو إصلاح الأجهزة الكهربائية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

يقول «فيسينتي» إن أكثر من ثلث عمال الشركة كانوا من اليهود المغاربة، بينما كانت الآخرون جميعا فرنسيين، ليبقى «فيسينتي» الإسباني الوحيد بينهم.

المثير في قصة هذا الإسباني أنه أصبح لاحقا أحد أشهر الإسبان في الدار البيضاء ممن سيطروا على مجال الأجهزة الكهربائية، التي أقبل الفرنسيون والأرستقراطيون المغاربة على اقتنائها بكثرة. وسرعان ما أصبح مديرا عاما، للشركة نفسها التي فتحت له المجال لأول مرة لكي يلتحق بصفوفها، بعدما لاحظت أسرته أن لديه ميولا لإصلاح وتركيب الأدوات الكهربائية، والاهتمام بقطعها وأدوات تركيبها.

عاش هذا الاسباني ذكريات مغربية مهمة، شأنه شأن آلاف الإسبان الذين نزحوا إلى المغرب ما بين سنتي 1930 و1950، وصولا إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي. رغم أن الأرقام المسجلة تؤكد أن قمة هجرة الإسبان صوب الدار البيضاء على اعتبار أنها واجهة الوجود الفرنسي في المغرب، ورمز ازدهار اقتصاد الحماية الفرنسية، كانت سنة 1942، وحافظت على إيقاعها إلى حدود بداية الخمسينيات، لتتراجع بعد سنة 1956، حيث اقتصر وصول العائلات الإسبانية إلى المغرب بعد الاستقلال على قلة فقط من الأسر، التي فرت من جحيم نظام فرانكو والأزمات الاقتصادية التي عصفت بإسبانيا، وأغلبها لم تعد إلى إسبانيا إلا بعد سنة 1975.

 

 

 

 

 

 

++++++++++++++++++++++++++++++

«ثورة الريف» لم تمنع الإسبان من اللجوء إلى الشمال

في سنة 1944، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت موجة هجرة للإسبان إلى المغرب، خصوصا إلى منطقة الشمال من الناظور وصولا إلى طنجة. جل هؤلاء المهاجرين كانوا قد جاؤوا إلى المغرب، محاولة منهم لإنقاذ مشاريع عائلية تضررت بسبب الحرب في أوروبا، واختاروا الرحيل لبداية حياة جديدة في المغرب واستثمار ما لديهم في التجارة أو الفلاحة، ثم في مجال العقار، حيث لا تزال إلى اليوم آثار الوجود المعماري الإسباني حاضرة بقوة في مدن شمال المغرب، وما زالت بعض العمارات السكنية التي كانت مملوكة للإسبان شاهدة على المرحلة.

لم يأت هؤلاء المهاجرون من فراغ، بل جاؤوا إلى المغرب متأثرين بما راج في إسبانيا أيام الحرب الأهلية، قبيل قيام نظام فرانكو، عن كون الشمال المغربي أحسن بديل لبداية حياة جديدة بعيدة عن أعين النظام الحديدي، وأيضا لتجاوز الأزمة الخانقة التي عصفت بكل إسبانيا.

هاجر عدد كبير من الإسبان صوب المغرب، قبل الحماية الفرنسية. وحسب بعض الشهادات الأجنبية التي توثق لمرحلة طنجة الدولية قبل سنة 1912، فقد كان الإسبان الجالية الأولى الأكثر حضورا في المغرب. ولاحظ الأجانب، سيما البريطانيين منهم، أن هؤلاء الإسبان في الغالب كانوا يشتغلون في مجال الفنادق، حيث كانت أولى الفنادق العصرية لاستقبال الأجانب والتي أقيمت في طنجة، مملوكة لإسبان هربوا بأموالهم صوب المغرب، خوفا من عدم الاستقرار السياسي الذي شهدته البلاد.

وعند مجيء الحرب العالمية الأولى سنة 1914، ازدادت أعداد الإسبان الوافدين على المغرب، والذين اختاروا بعض المناطق البعيدة عن طنجة، وصولا إلى الناظور، لمباشرة بعض الأعمال الفلاحية، والعمل في الإدارات الفرنسية بالمنطقة.

ورغم أن الثورة في شمال المغرب ضد الوجود الإسباني قد دارت رحاها بعنف، ورفضت أغلب القبائل المغربية التعامل مع الإسبان، إلا أن أعداد الوافدين إلى المغرب كانت في تزايد، إلى أن حلت حرب الريف ضد إسبانيا بقيادة محمد عبد الكريم الخطابي، نواحي أجدير، وصولا إلى شاطئ الحسيمة، ما بين سنتي 1921 و1926.

هذه الثورة ضد كل ما هو إسبانيا لعبت دورا كبيرا في كبح تقدم الإسبان في منطقة الشمال واستقرارهم بها، لكنها لم تقطعه بشكل نهائي. إذ استمر الهاربون الإسبان من تداعيات الحرب العالمية الأولى بعد 1918 في النزوح إلى المغرب، وأصبحت طنجة وتطوان الوعاء الأكبر لهؤلاء الوافدين، حيث أطلقوا في المدينتين مشاريع تجارية، مثل محلات البقالة ومحلات بيع الخدمات، ومنهم من وظفوا عمال مغاربة، خصوصا في مجال المقاهي والفنادق، في عز ثورة الريف.

بعد سنة 1927 عرفت المنطقة استقرارا كبيرا شجع المزيد من الإسبان على المجيء إلى المغرب، لكي تصبح تطوان في ظرف وجيز مدينة عصرية تنافس طنجة الدولية، التي كانت بدورها تعرف حضورا كبيرا جدا للجالية الإسبانية في المغرب. ولم يقتصر وجود الإسبان على الحضور في معالم الحياة اليومية لطنجة، بل وصل الأمر حد إعطاء «هوية» جديدة للمدينة، رغم وجود جاليات أوروبية أخرى، وهكذا أصبحت الكنائس الإسبانية ومقابر الإسبان الأكثر حضورا في طنجة. ولم يكد غمام الحرب العالمية الثانية ينقشع عن المنطقة الدولية في طنجة، حتى كان الإسبان قد أسسوا حياة جديدة في المغرب استمرت منذ 1944، وصولا إلى سنة 1956 و1957، التاريخ الذي أعلن فيه رسميا استعادة المغرب لمدينة طنجة.

لكن المثير أن هناك أعدادا مهمة من الإسبان لم يختاروا المنطقة الإسبانية للاستقرار في المغرب، بل فضلوا الهروب تماما من نظام بلادهم، الذي كان ديكتاتوريا ويحكم البلاد بقبضة من حديد، واختاروا اللجوء إلى المنطقة الفرنسية، أي الدار البيضاء والرباط والنواحي، وأقاموا بهما لسنوات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنهم من لم يغادروا المغرب أبدا حتى بعد استقلال البلاد في مارس 1956.

بقي نزر قليل من الإسبان في الشمال، أو المنطقة الإسبانية كما كان يُطلق عليها، خصوصا بعد ما تم تسليم ممتلكات كثيرة للإسبان سابقا إلى الدولة المغربية، واصلوا حياتهم بين المغاربة إلى حدود 1975، تاريخ إطلاق المسيرة الخضراء، وبعدها بأشهر عاد عدد كبير من الإسبان إلى بلادهم، سيما بعد سقوط نظام فرانكو، ولم تبق منهم إلا أعداد قليلة جدا اختارت الاستقرار النهائي في المغرب، حتى أنه يمكن القول إن جيل المهاجرين الإسبان إلى المغرب قد انقرض.

 

 

قصة مثيرة لأسرة هربت من «أليكانتي» لتستقر بالدار البيضاء

بحسب ما نقلته صحيفة «لوس ريبليكانتي»، فإن آلاف الإسبان اختاروا بعد قصف 1942 لبلادهم، خلال الحرب العالمية الثانية، الانتقال إلى المغرب. هذه الأحداث التي كانت فظيعة وعنيفة، بشهادة من عاشوا ونجوا بحياتهم لكي يرووا الفظاعات التي عاشوها، جعلت أولئك المهاجرين الإسبان يختارون المنطقة الفرنسية في المغرب، لكي ينتقلوا إليها ملجأ لهم ولأسرهم، خصوصا وأن تخوفات من أن تصل إليهم جماعات إسبانية من تلك التي تورطت في الحرب الأهلية بالبلاد، كانت منتشرة بكثرة. لذلك وقع الاختيار على المنطقة الفرنسية، التي لم يكن يتحكم فيها الإسبان ولم تكن لديهم أية سلطة سياسية أو عسكرية عليها، خلال فترة الحرب.

بحسب «لوس ريبليكانتي»، التي نقلت قصة أسرة إسبانية انتقلت من مدينة «أليكانتي» جنوب إسبانيا، إلى الدار البيضاء سنة 1942، فإن آلاف الإسبان قرروا الهروب من إسبانيا وتأسيس حياة جديدة، لجمع «الثروة» في المغرب. أي أن هجرتهم كان الهدف منها إطلاق مشاريع تجارية ومالية. وهؤلاء الذين اختاروا المغرب، حسب الصحيفة دائما، فضلوا أن يبدؤوا مشاريعهم في الدار البيضاء، في وقت اختار فيه آلاف الإسبان بدء حياة جديدة في أمريكا اللاتينية.

ونقلت «لوس ريبليكانتي» قصة سيدة إسبانية سنة 1942، كانت وقتها في قمة وعنفوان شبابها ومراهقتها. اسمها «أسونسيون فيريس»، وجاءت إلى المغرب على أعقاب تداعيات أحداث الحرب. إذ صرحت هذه السيدة للصحيفة بأن والدتها كانت تقوم بإحصاء القنابل التي ألقتها الطائرات على البارجة الفرنسية «جان بارت». في إطار عمليات القصف التي تعرضت لها إسبانيا في منطقة البحر المتوسط، خلال الحرب العالمية الثانية، قبل تدخل القوات الأمريكية لمساندة الحلفاء.

كانت هذه الشابة الإسبانية لا تتجاوز من العمر عشر سنوات، عندما قررت عائلتها في نونبر 1942 الهجرة إلى الدار البيضاء تاركة وراءها مدينة «أليكانتي»، بحثا عما وصفته في شهادتها: «حياة أكثر ازدهارا»، وهو ما حققته الأسرة فعلا، حسب المقال.

اشتغلت عدد من الأسر الإسبانية في مجال التجارة، وفتحت محلات لبيع المواد الغذائية في الدار البيضاء، أو محلات الحرف مثل الخياطة وبيع الملابس الجاهزة، أو إصلاح الساعات.

كانت هذه الحرف اليدوية، التي أتقنتها الأسر الإسبانية، مورد عيشهم في مدينة الدار البيضاء الواعدة، والحافلة بالأجانب. مما جعل هؤلاء الإسبان ينجحون في الاستقرار داخل المغرب بسهولة، منافسين الفرنسيين في مجالات اشتغالهم.

واختار إسبان آخرون الاشتغال في مجال الفلاحة، حيث انتقلت أعداد منهم إلى مدينة الجديدة، أو كما كانت تعرف وقتها بـ«مازاغان». وهناك أسرة أخرى نقلت الصحيفة قصتها، تؤرخ لهذه المرحلة، وهي أسرة زوج «أسونسيون فيريس». إذ إن هذه الشابة التي جاءت إلى الدار البيضاء وعمرها لا يتجاوز عشر سنوات، عاشت تجربة عاطفية تعرفت خلالها على زوجها المستقبلي، الذي جاءت أسرته بدورها من إسبانيا لكي تستقر في «مازاغان». إلا أن أسرة الزوج «سانتياغو كانيزاريس» جاءت إلى المغرب منذ سنة 1914، ويمكن اعتبارها من الأسر الإسبانية الأولى، التي فرت من جحيم الحرب العالمية الأولى، قبل أن تتطور الأمور في إسبانيا إلى الأسوأ.

 

 

قصة حب إسبانية بين الدار البيضاء و«مازاغان»

قصة الأسرتين الإسبانيتين «فيريس» و«كانيزاريس» تستحق فعلا أن تُروى. إذ إن أسرة سانتياكو كانيزاريس جاءت من «مالقا»، بسبب البؤس الذي كانت غارقة فيه. وتصف صحيفة «لوس ريبليكانتي» التي نقلت القصة وضع الأسرة بالمأساوي، قبل الحرب العالمية الأولى، إذ إن جل الأسر الإسبانية كانت تعيش الوضعية نفسها، بسبب الحرب الأهلية الإسبانية التي راح ضحيتها آلاف الإسبان وجربوا التضور جوعا لأول مرة في حياتهم، بسبب الجفاف وانقطاع الطرق وغياب الأمن.

هذه الأسرة هاجرت إلى المغرب بحرا، لكي تصل إلى ميناء «مازاغان» بكل الرمزية التي تمثلها المدينة بالنسبة إلى الإسبان والبرتغاليين على وجه الخصوص.

وعندما استقروا في المغرب منذ سنة 1914، قبل ميلاد الابن الذي تزوج من أسرة «فيريس» عندما جاءت إلى المغرب سنة 1942، ازدهرت الوضعية المالية للجد، الذي أصبح يشتغل في الفلاحة.

وهكذا عندما وُلد سانتياغو في السنة نفسها لوصول العائلة إلى المغرب، بدأت العائلة حياة جديدة بين المغاربة وتعرفت على الفلاحين. حتى أن الابن بدأ يمارس أنواع الرياضات ويحظى بشعبية كبيرة بين أقرانه المغاربة، وعندما اشتد عوده أصبح يساعد والده في أعمال الفلاحة، سيما وأن الأسرة كانت تستأجر الأراضي من الفلاحين المغاربة. وبالموازاة مع ذلك كان الابن يواصل دراسته الإعدادية، ثم الثانوية، وتألق في رياضة الكرة الطائرة وكرة السلة في فريق محلي كان يحظى بشعبية كبيرة في «مازاغان»، وكان أغلب لاعبيه إسبان من أبناء الجالية الإسبانية في المدينة.

المثير أن سانتياغو كان يتحدث العربية والفرنسية بطلاقة، والإسبانية لغته الأم بطبيعة الحال، وعندما تزوج سافر إلى تطوان لكي يبدأ حياة بعيدة عن تجربة والده، فقد كان طموحه أن يشتغل في مجال الترجمة الفورية بين الإسبانية والفرنسية والعربية، وكان يروم إنشاء هيئة وطنية للمترجمين، لكن الحرب سرقته من حلمه، واشتغل في العمل الاستخباراتي في الجيش الإسباني.

وكانت تجربة زواجه الأول فاشلة، لذلك بعد طلاقه جمع أغراضه وعاد إلى الدار البيضاء، ليصبح قريبا من مدينته الأولى «مازاغان» التي وُلد فيها. وعندما استقر في الدار البيضاء تعرف هناك على «أسونسيون فيريس»، عاشا معا في المدينة التي فتحت لهما آفاقا أرحب وحياة أفضل من تلك التي تركاها، على انفراد، خلفهما في إسبانيا. إلى درجة أنهما عاشا في الدار البيضاء سنوات بعد استقلال المغرب ولم يذهبا إلى مدريد إلا في العام 1966، بعد أن تلقى الزوج عرضا للإشراف على فرع أحد البنوك الفرنسية في إسبانيا، بحكم أنه كان يتحدث الفرنسية بطلاقة.

قصة هذه الأسرة مؤثرة، لأن قبور أبوي الزوجين توجد في المغرب، بالإضافة إلى قبور أحبائهم وأعداد كبيرة من الإسبان الذين عاشوا معهم خلال مقامهم في المغرب، ويحسون دائما أن جزءا منهم يبقى مغربيا خالصا، رغم أنهما وُلدا في إسبانيا وعادا إليها. وفي ختام حكاية هذه العائلة، صرحت «أسونسيون» أنها تحس دائما أنها ابنة الدار البيضاء، وعندما تزورها حاليا تحس أن المدينة التي أحبتها وعاشت فيها وقضت فيها طفولتها المبكرة، وتعرفت فيها على الحب وتكوين الأسرة والإنجاب، ما زالت موجودة في ذاكرتها، بعد أن هجرها أغلب الإسبان، في مقابل أقلية فقط لا تزال متمسكة بجذورها في الدار البيضاء، أو «الملاذ» المغربي للإسبان.

 

هجرة مثيرة لأسرة من قادس إلى الدار البيضاء عام 1906

اسمها «مارغريتا أورتيز»، وهي سيدة إسبانية تنتمي إلى الأقلية الإسبانية التي بقيت في المغرب. تقول لصحيفة «لوس ريبليكانتي» إنها كلما تقدمت في السن، كلما أحبت اللغة الإسبانية أكثر. وإنها تحب الاستماع إلى راديو «ناسيونال» الإسباني وتستمتع برقصة الفلامينغو، لكنها تشعر أيضا أنها مغربية وتحب الثقافة الفرنسية.

هذه السيدة تنتمي إلى الجيل الإسباني الذي وُلد في المغرب. إذ إن أسرتها هاجرت إلى الدار البيضاء، هاربة من جحيم «قادس» سنة 1906، وكانت «مارغريتا» ثمرة استقرار الأسرة في المغرب، حيث وُلدت في الدار البيضاء ورأت النور في شوارعها وأزقة الحي الذي كان يسكنه الإسبان في قلب المدينة.

تقول للصحيفة إن أسرتها لم تكن تفكرا نهائيا في العودة إلى إسبانيا، وإنها عاشت دائما مندمجة تماما في المغرب، ولم تشعر أبدا بالعداء أو أي كره لأفرادها باعتبارهم أجانب، بل كان لديهم أصدقاء مغاربة.

في الدار البيضاء تعرف هؤلاء الإسبان على جاليات فرنسية قادمة من بلاد الشام للاستقرار في المغرب. وهو ما مهد لتلاقح فكري وثقافي بين هذه المكونات. إذ كانت الأسر الفرنسية العائدة من الشام إلى الدار البيضاء تبحث عن مستقبل اقتصادي أفضل لأبنائها، خصوصا وأن الدار البيضاء كانت واعدة جدا. في حين كانت الأسر الإسبانية النازحة إلى البيضاء أيضا، أغلبها معارضة للخدمة العسكرية أو هاربة من نظام فرانكو الذي كان يحكم إسبانيا بالحديد والنار.

المثير في قصة هذه الأسرة أنها عمرت طويلا في المغرب، إلى درجة أن الجيلين الثاني والثالث من الأسرة صاروا مغاربة، ولم يعودوا إلى إسبانيا إلا بعد أن ازدهر الاقتصاد الإسباني عند بداية ثمانينيات القرن الماضي، والسقوط النهائي لآخر رموز وورثة فرانكو السياسيين والعسكريين. ولم يعودوا إلى إسبانيا، إلا بعد انتشار أخبار عن تعويضات حكومية وتصفية لممتلكات الأسر التي غادرت إسبانيا صوب المغرب، خلال بداية القرن.

الملاحظ أن هؤلاء الإسبان الذين نزحوا إلى المغرب كانوا يتحدثون الفرنسية والإسبانية، وابتكروا لأنفسهم لغة «وسطية»، رغم تمسكهم بهويتهم الإسبانية، إلا أنه كان يتعين عليهم التعايش مع الفرنسيين، سيما وأنهم كانوا يوجدون في منطقة تسمى «المنطقة الفرنسية»، وكان مفروضا عليهم التأقلم معها والانفتاح على الثقافة الغربية، في وقت كان فيه الإسبان العالقون في إسبانيا شبه منقطعين عن العالم. ففي الوقت الذي تعرفت فيه هذه الأسر على السينما الأمريكية من الدار البيضاء، كان ممنوعا على عائلاتهم في إسبانيا التوفر على المجلات المناهضة لأفكار «فرانكو». وهو ما تسبب لأغلب النازحين إلى المغرب وقتها في صدمة حضارية كبيرة، قبل أن يعتادوا على معالم الحياة العصرية بين فرنسيي المغرب.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى