قصة المعارك الضارية التي سبقت احتلال الفرنسيين لقصبة تادلة
يونس جنوحي
الفصل الثاني عشر:
واحة من صُنع الإنسان
ربما كان يجدر بي أن أسمي هذا الفصل: «صحراءٌ صنعها الحُمق». قبل قرون خلت، كانت المنطقة التي زُرتها بعد الدار البيضاء، مزدهرة، ثم جاءت حماقات الإنسان وطيشه ودمرت مزاياها الطبيعية. أُتلفت الغابات بلا رحمة، ما أثّر على وجود المطر وأضعف الأرض.
عندما كان المغرب مملكة مستقلة، لم يتحرك أحد، سلطة وشعبا، لاستعادة الثروة الطبيعية التي بددتها حماقات أسلافهم.
تحركنا بالسيارة جنوبا من الدار البيضاء. كانت المنطقة، التي مررنا بها أولا، خصبة ومخضرة، ولولا نُدرة الأشجار لظننتُ أننا في إنجلترا. لكن بعد أن قطعنا ثلاثين ميلا فضحت قلة المحاصيل حقيقة نُدرة المياه في المنطقة التي تدهورت تدريجيا لكي تصير صحراوية.
حتى في المناطق الزراعية كان طول المنازل أقصر بكثير من تلك التي رأيتها في مناطق الأمازيغ جنوبا.
معظم الناس هنا يفضلون البساطة في البناء. دائرة من الحجارة، بطول قدم واحد أو قدمين، تعلوها خيمة مخروطية الشكل مصنوعة من القش.
وكلما كبرت العائلة وازداد عدد أفرادها، تنضاف خيمة أخرى، إذ إن صنع واحدة أخرى لا يستغرق سوى ساعات قليلة.
لم يكن هذا يعني أن جميع سكان المنطقة فقراء، لكن قلة الطموح في المكان تجعل الناس يفكرون بأنه من الأفضل التصرف هكذا، على أن يسعوا إلى صنع منازل أفضل.
حافظت المساكن البسيطة على فكرة «القْصْر»، إذ رغم بساطة المنازل إلا أنها كانت محاطة بسور من الحجارة والطين والأشواك، أو شجرة فاكهة الصبّار، وأحيانا تكون هذه المنازل محاطة بها جميعا.
يمكن نقل ممتلكات أسرة بأكملها على ظهر حمار واحد فقط، إذ لا تتجاوز عددا قليلا من الحصائر، والزرابي وأدوات الطهي. وكانت في بساطتها تشبه فعلا الأغراض التي تؤثث خيام البدو الرحل، الذين يربطون عيشهم بملاحقة المزارع الكبيرة حتى يتسنى لهم جمع المحاصيل.
مناجم الفوسفاط في خريبگة كانت غاية في الأهمية، إن لم تكن حيوية ولا يمكن تصور المنطقة بدونها.
خلف منطقة الفوسفاط مباشرة، بدت البلاد وكأنها نادرا ما عاشت حروبا واضطرابات خلال القرون القليلة الماضية.
كانت منازل منطقة «بجعد» متجمعة حول بعض المساجد القديمة، وكانت لها سمعة باعتبارها مركزا دينيا، لكن هذا لم يمنع فلاحا في المنطقة من توبيخ زوجته بعد أن أسقطت سلة لوز كانت تحملها في طريقها إلى السوق. وعلى الرغم من معرفتي القليلة باللغة العربية، إلا أنني متأكد أن العديد من كلمات التوبيخ التي تفوه بها أمام زوجته لم تكن موجودة أبدا في القرآن الكريم.
تاريخ منطقة قصبة تادلة كان أكثر تضمنا لأحداث الحروب والقتال. القلعة بناها السلطان مولاي إسماعيل لإيواء فوج من جيشه المكون من الفرسان السود. وهي الآن محتلة من طرف فريق من الجيش الفرنسي، لأنها لا تزال بناية قائمة وتوجد في موقع رائع، متموقعة فوق الوادي.
لم يفز الفرنسيون بهذه القلعة بسهولة. في سنة 1913 خاضوا سلسلة من الاشتباكات الشرسة ضد أحد الزعماء الأمازيغ ورجال عشيرته. فاز الفرنسيون، لكن بقي لديهم نصب تذكاري هائل لتخليد ذكرى 4347 عسكريا، ما بين ضباط وجنود عاديين، سيبقون دائما إشارة إلى الثمن الذي توجب على الفرنسيين دفعه للفوز بالقلعة.