شوف تشوف

الرأي

قصة الفياغرا

بقلم: خالص جلبي
كانت مشكلة الرئيس الأمريكي (إيزنهاور EISENHAUER)، قائد حملة إنزال النورماندي في فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وتحرير أوربا من الاحتلال النازي، والتي تسربت إلى الدوائر المحيطة به (العنة IMPOTENT)، أو عجز الانتصاب عند الرجال.
وهي الشكوى نفسها للزعيم الاشتراكي الفوضوي (باكونين BAKUNIN)، كما كانت سابقا للملك الفرنسي (لويس السادس عشر)، الذي أنهى حياته على المقصلة.
وفي المقابل ينقل لنا التاريخ شخصيات ذات قدرة جنسية فائقة من نموذج (راسبوتين)، الذي عاث في القصر الملكي في عهد آخر قيصر روسي (نيقولا الثاني) بتنظيمه الدعارة، داخل الطبقة المخملية الحاكمة مغموسة بدين غامض.
كذلك من القرن الثامن عشر زير النساء المشهور (جياكومو كازانوفاGIACOMO CASANOVA)، (1725- 1798)، و(المركيز دي ساد) الذي اشتهر بأمرين: تناول (الذباب الإسباني) المحتوي على مادة (الكانثادرين السامة CANTHADRIN) كمقوي للباه!
واللذة المقترنة بالتعذيب؛ فأصبحت علما في علم النفس الجنسي؛ فالسادي الذي يسلط العذاب على الآخرين، والمازوخي الذي يتقبله، وهو مركب متبادل فالمازوخي سادي وبالعكس.
وأشار العهد القديم إلى زواج النبي سليمان بالمئات، وعندما ضرب الخوارج معاوية بالسيف على (إسته) في ليلة محاولة اغتياله، خُير بين العرش بدون جنس، أو الموت مع الجنس. فكان حكيما أكثر من الأمريكي الشبق (ماينارد فرنشي MAYNARD FRENCHY) الذي نقلت الصحافة نبأ تحوله إلى جثة، بعد تناول أول حبة من الماسة الزرقاء (مستحضر الفياغرا) كما يسميها مروجو الدواء؛ فقفز إلى الحياة الأخروية على جسر من الجنس!
والكثير من الرجال يشعرون بالإحباط والأزمة الزوجية وفقد الثقة بالنفس وغياب المتعة في الحياة، بفقدهم معلم الرجولة، المرتبط خطأ بالقدرة على الانتصاب، ولم يبحث العلم الظاهرة الجنسية خلال خمسة آلاف سنة بقدر ما بحثها خلال الخمسة أعوام الفائتة، وكان ذلك بمحض الصدفة، وهي ظاهرة عجيبة في الاكتشافات العلمية.
وعندما بدأت شركة «بفايزر PFIZER» الأمريكية، في مطلع التسعينات، في تجربة دوائها الجديد على مرضى القلب والأوعية الدموية، وهو الحقل المتخصصة فيه، أخضعت الدواء للتجربة على 4500 متطوع، هوى منهم ثمانية إلى الموت، بدون أثر في الأفق عن احتمال أي نفع لهذا العقار في مرضى القلب.
كان مركز الأبحاث يضخ بمادة (السيلدينافيل SILDENAFIL) في عروق المرضى على أمل انتعاش القلب وتحسين ترويته، ولكن الأثر كان يتملص ويهرب زاحفا باتجاه الأسفل، وكأنه تحت ضغط جاذبية لا تقاوم، تهرب باتجاه تغذية الأعضاء التناسلية.
كان الدواء عجيبا ومحيرا في تصرفه؛ فهو لا يغذي الدماغ بمزيد من الدم، ولا يسعف القلب بنفحة إنعاش؛ بل كان يهجم بكل ضراوة على الحقل الدموي للأسفل باتجاه الحوض وتفرعاته، إلى درجة شفط الدم من شرايين القلب، وإصابة القلب بالوهط الدوراني فيتساقطون، وبعضهم إلى الموت يتهاوون.
كانت عادة شركة «بفايزر» في قسم الأبحاث صعوبة وجود المتطوعين، ولكنهم مع العقار الجديد وقف الناس في طوابير الانتظار، وإصرار غريب منهم على الاستمرار في تعاطي العقار أشبه بالإدمان، إلى درجة اقتحام البعض مركز البحث يخطف الدواء منه، متلبسا بجريمة سرقة.
وكان هدف الشركة شيئا وما فعلته الآثار الجانبية شيء آخر، مما حرك بعض العقول أن تعيد تقييم الدواء من منظور جديد، وحقل معرفي مختلف ليس من تخصصها ولا به تعنى؛ فالشركة كانت قاب قوسين أو أدنى من ضربة العصر وربح المليارات، في اكتشاف عرق من الذهب الخالص في صحراء الأبحاث بدون بوصلة وخريطة.
كانت أمام كشف نبع منهمر من الذهب، سيتدفق عليها من أسهم البورصات في وول ستريت، عندما قفز سعر السهم لاحقا من 40 دولارا إلى 104 دولارات خلال أشهر قليلة.
كانت المادة الفاعلة هي (السيلدينافيل SILDENAFIL) التي تؤثر على العملية الجنسية بطريقة خاصة؛ فكان عليها اكتشاف كامل تشريح حلقات العمل الجنسي، وكيف تحدث تعيينا؟ وما هي الدارة أو الحلقة التي بها تؤثر؟
في الواقع لا تبدأ العملية الجنسية إلا بشرارة روحية تنطلق من منطقة ما تحت السرير البصري (HYPOTHALAMUS) في الدماغ.
الشرارة تولد مادة هي ما يرمز لها اختصارا بـ(c GMP)(CYCLIC – GUANOSINMONOPHOSPHATE-5) ولنسميها (سيجيم).
هذه الأخيرة تؤثر على العضلات الحَلقَية فترخيها، وهنا بيت القصيد، ونظرة إلى تشريح التروية الدموية عند الرجل، ترينا أن تدفق الدم يأتي عبر شرايين تمر بفوهات تغلق وتفتح حسب الطلب.
هذه الفتحة أشبه بأمكنة فتح وإغلاق صنابير (الدم)، وعند هذه النقطة تعمل المادة الأخيرة.
ولكن ماذا يحدث في العادة؟
الانتصاب عند الرجل لا يتم اعتباطا وبسهولة، بل يمر عبر آلية في غاية التعقيد والأناقة والدقة والاتزان، تقودها (أركسترا) كاملة من سيمفونية أعصاب وعضلات ودم ومني، فأما الأعصاب فتعزف، وتجاوبها العضلات فتتقلص أو ترتخي كأوتار العود، ويرجع الدم الصدى فيسيل ويتدفق كاللحن الشجي في خرير الجداول، والمني يقذف كفوارات الينابيع المحتبسة؛ ليصل إلى الرحم في حملة يزحف فيها في ماراثون جبار، عشرات الملايين من النطف المجهرية تتزاحم، ويقتحم في نهاية العرس ويلتحم بالبويضة السباق الأول الأقوى المتمكن، ويحدث بعده انشطار مهول أفظع من الانقسام الذري من انقسامات، ترفع رقم الخلية من واحد إلى سبعين مليون مليون خلية، بعشرات التخصصات والأعضاء النبيلة والأجهزة المعقدة، والهرمونات المتدفقة، والأحماض المتوازنة، والشوارد المعدنية الناظمة، وقبل هذا وبعده الكائن العاقل الراقي المتفرد الإنسان.
مادة السيلدينافيل تحرض (السيجيم c GMP)، التي ترخي العضلات الحلقية أماكن فتحات صنابير الدم، حيث تمر الشرايين؛ فيحتقن العضو ويضغط الأوردة ويمتلئ الدم؛ ليفرغ بعد أداء مهمة التلقيح بقذف المني في العادة أو حتى بدونه أحيانا، ولكن العضوية تعمل بشكل أكثر ذكاء وأعمق حكمة مما نتصور، فهذه المادة بدورها خاضعة لمفاتيح ضبط علوية من خلال أنزيم يكسر ويفتت هذه المادة كلما تكونت، وإلا انفضح الرجل بانتصاب لا يتوقف، أو احتقان العضو بظاهرة النعوظ الدائم، وهو ألم ما بعده ألم ينتهي بفضيحة وبتر القضيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى