قصة الرأس المقطوعة في قلب قرية «تينمل» مهد الدولة الموحدية
يونس جنوحي
غير بعيد، تقع قرية أسني، التي كانت بها وكالة سياحية نشيطة للغاية تعرضت للتنصير. هذه الوكالة اسمها «شامونيكس المغربية».
بصدق، كانت تتموقع جيدا عند ملتقى الجبل وتُعتبر أقرب قرية إلى قمة جبال الأطلس الكبير العملاقة، ما وفّر فرص تسلّق مثيرة لمستكشفي الجبال.
ومع ذلك، فإنها لا تزال مجرد قرية مكونة من الأكواخ الطينية. تتناسب مع المشهد العام، مثل جيرانها من الأكواخ المتناثرة هنا وهناك. ومن بين هذه القرى، كانت الأهم هي «تينمل».
وجود «قْصْر» أو اثنين، في مواقع قيادية في المرتفعات، يشير إلى أهميته، على الرغم من انجراف التربة المحيطة به. كما أنه، عبر الوادي، لم تبدُ «تينمل» مُختلفة عن القرى الأخرى الأمازيغية في المنطقة.
لكن تفحص القرية عن قرب يكشف أثرا أو اثنين يدلان على أمجاد قديمة، لأن هذه القرية، المبنية بالطين، تتشبث بمنحدر جبلي غير مستقر هو مهد السلالة التي عاشت هناك.
في السنوات الأولى المبكرة من القرن الثاني عشر، كانت هناك شخصية محلية، اسمه محمد بن تومرت، حجّ إلى مكة، وعندما كان يصلي قرب قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) رأى أنّ قدره أن يحكم المغرب. وعندما عاد إلى بلده وجد مُريدا له، اسمه عبد المومن، وألقيا معا خُطبا في القرى، ليس فقط عن فضائل الإسلام، ولكن، أيضا، عن عيوب السلطان الذي كان يحكم وقتها.
وطبعا استاء منهما فتراجع الاثنان، قبل أن يصلهما غضبه، إلى قرية «تينمل»، التي كان الوصول إليها وقتها شبه مستحيل.
من هناك حرّضا قبائل الجبال على الثورة.
توفي ابن تومرت قبل أن يُحقق الرؤيا، لكن مُريده واصل الحملة. وبعد وقت قصير صارت القبائل الأمازيغية مُشتعلة، إذ إن السلطان هُزم في حرب شرسة في تلمسان. هرب، لكن حصانه، الذي تملكه الرعب، ألقاه على حافة جُرف. وُجدت الجثة وكان رأسها مقطوعا، وكان رأس الحاكم تدلى على فرع شجرة في «تينمل».
في سنة 1147، سيطر عبد المومن على مراكش وأعلن نفسه سُلطانا. عُرفت سلالته الحاكمة بلقب «الموحدين»، وأنتجت عددا كبيرا من بُناة الصروح الشهيرة، وهو نفسه بنى مسجدا عظيما في «تينمل» ليكون ضريحا لسيده، ابن تومرت.
لكن، يا للحسرة، فقد صار المسجد خرابا مطلقا، يتطلب الأمر قدرا من الخيال لتصور المسجد على أنه عمل من نفس أعمال الرجل، تصور فكرة بناء «الكُتبية» في مراكش.
الآن صار الطريق شديد الانحدار وينعرج على شكل دوائر وحلقات كبيرة لعبور «تيزي نتاست»، التي يبلغ ارتفاعها 7200 قدم. كانت الجبال العالية تبدو قريبة جدا وفي متناول اليد. تنقصها فرادة جبال الألب أو «البرانس»، إذ لم تكن في «تيزي نتاست» سوى قمم قليلة معزولة ومنفردة.
وبدلا من ذلك، كانت هناك تلال كثيرة، ترتفع التلال المتصاعدة بسرعة من السهول المنبسطة، وصولا إلى المرتفعات، وهو ما يعطي انطباعا بوجود قوة هائلة وراء تكوينها.
لا عجب في أن القدماء جعلوا سبب وجود هذه القمم آلهة يمكنها أن تحمل العالم كله على أكتافها.
كان المنظر من تلك الممرات، في اتجاه الشمال، محدودا بالجبال المزدحمة جنبا إلى جنب، لكن، عند النظر جنوبا، يمتد السهل الكبير، الذي توجد فوقه منطقة «سوس»، على بُعد ستة آلاف قدم نحو الأسفل.
من هنا عبر الضباب المتكوّن بسبب ارتفاع درجة الحرارة، تمكن رؤية جبال سلسلة الأطلس الصغير وتحديد أشكال جبالها.
صاحت السيدة التي كانت تعمل في المقصف المتواضع المبني على الممر:
-«آه.. سهل سوس! ها هو أفضل مكان في المغرب!».