شوف تشوف

الرئيسية

قس وجدة الذي جسد التعايش الديني وتكفل بالأفارقة النازحين وأوصى بدفنه بالمغرب

حسن البصري

ولد جوزيف ليبين عام 1930 في فرنسا، قضى فترة دراسته بين مسقط رأسه ومدينة نانت، حيث درس الأدب الكلاسيكي والديانات، وأصبح من رواد الرواية القصصية وواحدا من أبرز كتاب الروايات التي تحولت إلى نصوص مسرحية، ونال خلال مساره عدة جوائز بوأته مكانة مرموقة في سجل الرواد.
قضى جوزيف في المغرب حوالي نصف قرن، حل بالدار البيضاء في مهمة ذات طابع ديني وانتقل إلى وجدة، فتحول إلى جزء من ذاكرة هذه المدينة الحدودية، وعلى امتداد مقامه الطويل في العاصمة الشرقية أشرف على الشأن الديني الكاثوليكي باعتباره قسا لكنيسة سان لويس بوجدة.
لم يكن جوزيف، ابن بلدة «سان بير اون غيتس» غرب فرنسا، يعتقد أنه سيقضي أجمل أيام حياته في مدينة مغربية اسمها وجدة، وأنه سيسقط صريعا في عشقها ويقرر أن يدفن جثمانه في جوف تربتها، لكن الأقدار سارت وفق ما يتراقص أمام عيني «البير».
في آخر أيامه، حظي الأب جوزيف بأكثر من مبادرة تكريم، فقال في إحدى مداخلاته ساخرا: «أشعر وكأنكم تشيعوني وتودعوني بنظراتكم الحزينة»، بعد سنة على آخر تكريم خصصته له جمعية «رحاب» بتنسيق مع ولاية وجدة، انتقل الأب إلى مثواه الأخير، حيث سافر إلى فرنسا للاستشفاء وعاد إلى المغرب ملفوفا في صندوق خشبي ليوارى الثرى. توفي ليلة 22 نونبر 2014 بمدينة «نانت» الفرنسية، بعدما مكث في إحدى دور المتقاعدين فترة قصيرة إلى أن توفي وهو في عز النوم، ونقل جثمانه إلى مدينة وجدة بعد أسبوع من رحيله، ليدفن بالمقبرة الأوربية بناء على وصيته.
من المفارقات العجيبة في مراسيم دفن الأب جوزيف، حرص مجموعة من المسيحيين الأفارقة على الإشراف المباشر على عملية الدفن، بينما ألح مسلمون على اقتحام المقبرة المسيحية ودخولها ليرسلوا نظرة الوداع الأخيرة على الراحل.
يجمع أبناء وجدة على أن جوزيف ظل على امتداد وجوده بين أهل المدينة، رمزا للتعايش الديني، كان سباقا للخير أينما حل وارتحل، «لا يفرق في عمله الإنساني بين المسيحيين والمسلمين»، كان من الأوائل الذين اهتموا بمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وأسس أول جمعية تعنى بهم، حتى أنه كان يوفر الكراسي المتحركة والأطراف الاصطناعية للمعاقين المحتاجين من ماله الخاص، وكان أول من اهتم بأوضاع المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، إذ فتح أبواب كنيسة سانت لويس للمهاجرين الذين كانوا في حاجة للمساعدة، وربط الاتصال بالجمعية الخيرية الإسلامية بوجدة من أجل رعاية أبناء المهاجرين الأفارقة.
كان جوزيف ليبين ينصت جيدا لقصص الأفارقة الهاربين من الجوع والفقر، كان قس وجدة يعرف كل حكاياهم الرهيبة، لذا نجح في إقناع أسر وجدية ومنظمات اجتماعية بالتكفل بعدد من الحالات في أوضاع إنسانية صعبة، بل إنه فوت مرافق تابعة لكنيسة سان لويس لجمعيات ثقافية.
لم يكن «جوزيف ليبين» رجل دين عادي، فقد كان كاتبا وروائيا، تظهر إنسانيته في العبارات التي كان يستعملها في نصوصه. إحساسه بمعاناة الآخر تجسد في كتاب «ابن الصحراء»، الذي وصف فيه آلام الطريق التي يقطعها المهاجرون من إفريقيا حتى يصلوا إلى «الفردوس الأوربي»، كما يقول أصدقاؤه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى