قرار أممي مستحق
ليس نرجسية مرضية ذاك الشعور الذي يتملكنا شعبا ومؤسسات، إزاء شهادات الاعتراف المتوالية التي تحققها دولتنا في عدد من القضايا التي تشغل بال المنتظم الدولي، فهذا الشعور يتأسس على إنجازات ميدانية ملموسة، وعلى نتائج فعالة كانت نتاجا لتخطيط وجهد وعمل جاد، ليبقى المغرب في قلب الاهتمام العالمي. آخر هذه شهادات الاعتراف بما يقدمه المغرب من خدمات لحماية الأمن الكوني من التطرف، هي افتتاح ناصر بوريطة، وزير الخارجية، مصحوبا بمسؤولين أمميين وشخصيات دبلوماسية، أول أمس، مقرا لمكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، وهو الأول من نوعه في القارة الإفريقية.
أن يتخذ المسؤولون في الأمم المتحدة قرارا بإحداث مكتب لمكافحة الإرهاب بالمغرب دون سواه من بلدان القارة السمراء، فهذا في حد ذاته إنجاز يستحق التنويه بمؤسساتنا وسياساتنا، التي تحولت إلى نموذج يحتذى به في محاربة الإرهاب، وهو قرار أممي لا يجامل بلدنا، ولا يرمي الورود تحت أرجلها ولا يمنحها ما لا تستحقه، بلا شك، هو قرار اتخذ بعد استطلاعات دقيقة، وخضع لمعايير عميقة، من أجل إعلانه بهذه القوة والقناعة.
فالأمم المتحدة تدرك يقينا أن الرؤية التي تنطلق منها جهود بلدنا في مكافحة الإرهاب منذ سنوات، تتجاوز كل ما هو تهديد وطني فحسب، وإنما التعاون مع المنتظم الدولي والدول الكبرى، لتعطيل التهديدات الإرهابية وضمان استقرار المحيط الإقليمي القريب والمحيط الدولي الأبعد، وبالتالي فإن الرؤية المغربية قائمة على أن انتفاء خطر الإرهاب والتطرف داخل الحدود الوطنية، أو عدم وجود تهديد آني عليها لا يعني عدم وجود تهديد إرهابي مستقبلي ينتج في بؤر التوتر البعيدة، وبالتالي لا يستدعي ذلك انتفاء المغرب في مواجهة الخطر الإرهابي في كل بقاع العالم، حتى تلك التي لا يربطها بالمغرب جوار جغرافي أو استراتيجي.
وما جعل المغرب يحظى بالاعتراف الأممي على ما عداه من دول إفريقيا، خصوصا الجارة الشرقية التي تغرق في مستنقع التطرف بسبب سياساتها المترهلة، أن مواجهة ظاهرة الإرهاب أصبحت على رأس أولويات صناع القرار في بلدنا وعلى رأسهم الملك محمد السادس، ليس فقط في ما يتعلق بوضع الاستراتيجيات الأمنية الفعالة وتبادل المعطيات الاستخباراتية المهمة، بل أضحى موضوع الحد من التطرف وتجفيف منابعه محركا أساسيا لسياستنا الخارجية وعلاقاتنا الدبلوماسية، فلا يمكن أن تحظى العلاقات المغربية مع باقي الدول بنوع من الاستمرار والنجاح، دون التوافق على حماية تلك العلاقات من الخطر الإرهابي وتحدياته.
وإذا كان قرار الأمم المتحدة بتشريف بلدنا باحتضان عين الإرهاب على إفريقيا، فإن هذا القرار بفرض علينا مسؤولية جسيمة ويضعنا أمام تحديات كبرى، أقلها أن تحدي الحفاظ على حسن الظن الأممي المحصل عليه عن جدارة واستحقاق، والتطور إلى الأمام في محاربة التطرف والإرهاب بكافة أشكاله، وطبعا نتوفر في ظل ملكية قوية تقوم على إمارة المؤمنين، ومؤسسات أمنية صلبة، ومجتمع رافض للعنف والتطرف على كل الضمانات التي تضمن استمرار بلدنا في قيادة الحرب على الإرهاب واستئصال جذوره.