قرارات حساسة اتخذت دائما بعد «سهرات» الجنرالات السرية
يونس جنوحي
هي مجموعة من التعيينات الغامضة صنعت قوة مافيا الجنرالات. حتى أن هشام عبود، عندما كان في قلب المؤسسة العسكرية مسؤولا عن ديوان أهم جنرال في الجزائر، لم يكن يعرف من سيرحل ومن سيبقى. كانت تنقيلات الجنرالات في المناصب الأمنية الحساسة تتغير بحسب الاجتماعات السرية التي يعقدونها في ما بينهم، ولا يحضرها أي موظف سواهم. ويخرجون من السهرة بمناصب جديدة وأخرى طُويت بدون محاسبة.
يقول هشام عبود عن هذه المسألة، متحدثا عن الجنرال توفيق: «بسرعة فهم رئيس الجمهورية (الشاذلي بن جديد) أن المحيطين به سوف يبعدونه عن الملفات السرية، بتأثير من أصهاره. في غضون ثلاثة أيام فقط بعد تنصيبه، وقّع رئيس الجمهورية قرارا بموجبه يصبح الليوتنان كولونيل توفيق خلفا للجنرال حسين بن المعلم على رأس جهاز DADS (قسم شؤون الدفاع والأمن). قام توفيق بتجربة قبعات أمنية كثيرة. الشرطة، الشرطة العسكرية والدرك الوطني. في هذا المنصب الجديد (DADS) سوف يُخرج ما في جعبته وينخرط كليا في اللعبة ويصبح أحد كبار متخذي القرارات في البلاد».
سهرات
على طول هذه المذكرات، في بدايتها وحتى نهايتها، تحدث هشام عبود عن ما أسماه اللقاءات السرية للجنرالات، والتي لم يكن يحضرها سواهم. حيث يخرجون منها إلى بيوتهم. وفي صباح اليوم الموالي تظهر نتائج تلك السهرات في التعيينات والإعفاءات والمحاكمات وقمع المظاهرات وحتى اتخاذ قرارات الحكومة. لم يكن الجو الذي مارس فيه هشام عبود مهمته في الإشراف على مكاتب بعض هؤلاء الجنرالات وهم ينتقلون أمامه من مصلحة إلى أخرى، صحيا. فقد كان مرهقا توقع قرارات اليوم الموالي وما قد تحمله من تغييرات. كان هؤلاء الجنرالات وحدهم الثابتين في الجزائر، بينما كان كل شيء يتغير بما في ذلك رئيس الجمهورية نفسه.
هذه السهرات كُتب عنها كثيرا، لكن السهرات الحقيقية كانت تُعقد خارج الجزائر. فقد كان المسؤولون العسكريون في سفارات الجزائر حول العالم، يضطلعون بمهمة ترتيب مقرات للسهرات الخاصة بهؤلاء الجنرالات، خصوصا في ليبيا التي كان الجنرال توفيق، أو محمد مدين كما يعرف في الخارج (بحكم أن اسم محمد مدين مدون في جوازه الدبلوماسي بينما الجزائر كلها تطلق عليه لقب الجنرال توفيق) يشتغل فيها مسؤولا عن سفارة الجزائر، ويشغل منصبا حساسا أكثر أهمية من منصب السفير، الذي لم يكن يعرف أي شيء عن مهام الجنرال توفيق هناك.
كان هذا الجنرال يسافر كثيرا إلى إيطاليا من العاصمة الليبية طرابلس، ويسهر على تنظيم سهرات خاصة له ولأصدقائه. وغالبا ما تم اتخاذ قرارات مؤثرة جدا في الحكومة الجزائرية ساعات فقط على نهاية تلك السهرات الحاسمة التي لم يكن أحد يعرف نهائيا ما يُقال فيها.
لقد كان الجنرالات الأحد عشر حريصين جدا على خصوصيتهم. فحتى الشاذلي بن جديد، الذي كانت زوجته نافذة جدا ولديها كلمة مسموعة وسط هؤلاء الجنرالات الذين صنعت بنفسها بعضهم، لم يكن يعرف مضمون تلك الاجتماعات العسكرية.
من الأمور المثيرة، أيضا، بخصوص طريقة اشتغال هؤلاء الجنرالات، كما أشار إليها هشام عبود، أنهم أرسلوا بعض موظفيهم للتدرب في روسيا على يد المخابرات الروسية الـKGB.
لكن هذه الجزئية تحتاج إلى ما يدعمها من أدلة. بحكم أن الجزائريين كانوا قد أطلقوا إشاعات كثيرة في فترة «الحرب الباردة» مع المغرب، مفادها أن الجزائريين يرسلون خيرة أطرهم للتدرب المخابراتي والعسكري في روسيا لخوض حرب مخابراتية ضد المغرب. لكن الحقيقة أن أي حرب لم تكن، بقدر ما قام هؤلاء الجنرالات من خلال مساعديهم بالتجسس على السياسيين الجزائريين معارضين ومحايدين. حيث كان هؤلاء الموظفون يبرعون في مسألة واحدة فقط، وهي الولاء للجنرالات وكتابة التقارير ضد الموظفين. تلك التقارير التي تليها الإعفاءات والعقوبات الإدارية بدون أي جلسة استماع أو محاكمة. لقد كانت الجزائر كلها تسير بإيقاع واحد، وهو العمل لصالح الجيش.