شوف تشوف

الرأي

قراءة في «لقاء الرياض» الذي «لم يعد سريا»

عندما تؤكد صحيفة كبرى مثل «الصنداي تايمز» البريطانية وعلى لسان مندوبتها هالة جابر المسؤولة عن ملف «الشرق الأوسط» فيها، وفي تقرير لها من قلب العاصمة السورية دمشق، نبأ زيارة اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري إلى الرياض على ظهر طائرة عسكرية روسية، ولقائه مع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد والملك السعودي القادم، فإن هذا يعني أن هناك طبخة روسية أمريكية بشأن الملف السوري، وربما المنطقة بأسرها على وشك النضوج، وقد يتم التفاهم حولها، أو إعلان بعض مؤشراتها في اللقاء الثلاثي الذي سيجمع بين ثلاثة وزراء هم جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، وعادل الجبير وزير الخارجية السعودي.
من الواضح أن زيارة الأمير بن سلمان إلى موسكو ولقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 29 يونيو الماضي تشكل الأرضية الصلبة لصياغة جديدة لخريطة التحالفات في المنطقة، عنوانها الرئيسي بقاء الدولة السورية، والنظام الحاكم على رأسها، وربما بقاء الرئيس الأسد أيضا لفترة تطول أو تقصر، حسب توافق الأطراف الثلاثة.
مبادرة الرئيس بوتين بتشكيل تحالف رباعي تركي سعودي سوري أردني يتولى محاربة الإرهاب في المنطقة و«الدولة الاسلامية» على وجه الخصوص، جاءت بعد مباركة سعودية، وموافقة سورية، وعدم ممانعة تركية، وترحيب أردني «ساخن»، فقد بدأ الغزل السعودي الروسي يعطي ثماره بامتناع روسيا عن استخدام «الفيتو» ضد قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي وفر الغطاء الأممي للتدخل العسكري السعودي في اليمن، وفرض حظرا على توريد الأسلحة للحوثيين وفرض عقوبات على قادتهم، والسعودية ردت على هذه «المكرمة» باستقبال اللواء المملوك.
صحيفة «الأخبار» اللبنانية المقربة من سورية و«حزب الله» التي انفردت بنبأ زيارة اللواء المملوك للرياض، ونشرت مقتطفات من محضر اللقاء مع الأمير محمد بن سلمان، ألمحت بأن اللواء المملوك كان على درجة كبيرة من «الدهاء» في حواره مع مضيفه السعودي، عندما بدأ اللقاء بإعادة التذكير بالمثلث المصري السوري السعودي الذي حكم المنطقة لأكثر من أربعين عاما، ووصف سياستهم بأنها «اتصفت دائما بالحكمة والعقلانية» بقوله «كيف تمشون وراء مشيخة قطر؟»، ولعل هذا العتاب، ومن قبله التذكير بالعلاقات القوية بين البلدين هو الذي دفع الأمير محمد بن سلمان إلى القيام بزيارة مفاجئة إلى القاهرة ولقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحدوث تحسن كبير في العلاقات المصرية السعودية على إثرها، حسب التقارير الأولية.
الأمير محمد بن سلمان رد على العتاب السوري بالقول «إن مشكلتنا معكم هي تحالفكم مع إيران التي نخوض معها صراعا كبيرا على مستوى المنطقة، ورضيتم أن تكونوا جزءا من الحلف الإيراني الذي نرى أن له أطماعا في المنطقة تهدد كيانات، ومشيتم في لبنان خلف حزب الله الذي يريد تحويل لبنان إلى محمية إيرانية».
سورية لن تبتعد عن إيران، فقد تعرضت لكل ما تعرضت له من دمار بسبب تمسكها بالتحالف معها، إلى جانب أسباب أخرى، ولكنها أقل أهمية، فلو تجاوبت مع الإغراءات «الملياردية» لفك هذا التحالف ربما لما وجدت نفسها في هذا الوضع المأساوي، وإيران ومنظومتها تدرك هذه الحقيقة أيضا، ولا نعتقد أن العداء السعودي لإيران أكبر من العداء الأمريكي وإمكانية الحوار أكبر من احتمالات الصدام.
العتاب هو غسيل القلوب، مثلما يقول المثل العربي، والسياسات العربية تصاغ في معظم جوانبها على العواطف و«الكيمياء» الشخصية، سلبا أو إيجابا، وليس على المصالح، مثلما هو الحال في معظم أنحاء العالم، فالرئيس بشار الأسد يدفع ثمن وصفه لزعماء عرب «بأشباه الرجال»، والعقيد القذافي دفع حياته وحكمه وبعض أولاده ثمنا لمحاولة اغتيال فاشلة للعاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وملاسنة معه في قمة القاهرة، إلى جانب أسباب أخرى ليس هنا مقام ذكرها، أما العلاقات السعودية القطرية فوصلت إلى قاع التدهور لأسباب عديدة أيضا أبرزها شريط منسوب إلى أمير قطر السابق تحدث فيه عن انهيار قريب للسعودية في مكالمة مع القذافي سجلتها مخابرات الأخير، وجرى تسريب مضمونها للعاهل السعودي الراحل، ولا نريد أن ننكأ الجراح، فالقائمة طويلة جدا.
لا نريد استباق الأمور لكننا نرجح أن زيارة اللواء المملوك إلى الرياض، التي لم تنفها الأخيرة حتى كتابة هذه السطور، ربما تفتح الأبواب السعودية السورية المغلقة ولو مواربة، وهناك عدة أسباب تدعم مثل هذا التكهن:
أولا: العقبة الأبرز التي كانت تقف خلف منع أي  تقارب بين البلدين وتتمثل في الأميرين بندر بن سلطان وسعود الفيصل، الأكثر تشددا في السعودية ضد سورية وإسقاط نظامها بالقوة اختفيا، الأول بقرار العاهل السعودي الراحل بإعفائه من منصبه كرئيس للمخابرات ومسؤول عن الملف السوري في 29 أبريل قبل الماضي، والثاني أي الأمير الفيصل فقد أعفاه الخالق من الدنيا بإرداة ربانية قبل شهر، وبعد سحب وزارة الخارجية منه.
ثانيا: فشل معظم الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية في سورية إن لم يكن جميعها، فإقدام مقاتلي جبهة النصرة على خطف وأسر، وربما قتل، 60 متطوعا في «الفرقة 30» دربتهم قيادات عسكرية أمريكية ليكونوا مقدمة لقوة من خمسة آلاف آخرين تتولى قتال «الدولة الاسلامية» قبل بضعة أيام، هو آخر فصول هذا الفشل.
ثالثا: التورط السعودي في اليمن، ورغم بعض إنجازاته الأخيرة في استعادة معظم عدن، فإنه مرشح لكي يطول لسنوات، وربما لعقود، والسعودية بحاجة إلى تهدئة مع سورية، وتوثيق العلاقات مع موسكو للتوصل إلى «تفاهم» مع طهران لاحقا، حول هذا الملف وملفات أخرى ساخنة في المنطقة.
رابعا: «الدولة الاسلامية» خرجت عن السيطرة، وباتت تهدد الرياض نفسها، ومعظم دول المنطقة، وحالة التعبئة العسكرية المكثفة هذه الأيام على الحدود السعودية الشمالية مع العراق تؤكد هذه الحقيقة.
خامسا: عودة الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي إلى سابق عهده بعد زيارة كيري إلى القاهرة، والقاهرة تمسك العصا من الوسط في الأزمة السورية وتتقارب بصمت إيجابي مع إيران.
سادسا: تراجع الدور التركي، وغرق السلطات التركية حليفة السعودية في حرب دموية مع الأكراد وحزب العمال الكردستاني، الأمر الذي قد تترتب عليه مراجعة جذرية للموقف التركي المطالب بشراسة بإسقاط النظام السوري.
لقاء الرياض الذي لم يعد سريا بين اللواء علي المملوك والأمير محمد بن سلمان، هو الذي أسس للقاء الدوحة الثلاثي السعودي الروسي الأمريكي، وحدد «العناصر» الرئيسية للطبخة الموضوعة على موقده، وهو اللقاء الذي سيسبق لقاء الوزير كيري مع بقية وزراء خارجية مجلس التعاون، بهدف طمأنتهم تجاه الاتفاق النووي الإيراني، ولعل هذه «الطبخة» هي المحور الرئيسي لهذه التطمينات.. لننتظر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى