فهـــد وزانــــي شاهــــدي – محام بهيئة فاس
في إطار التعاطي مع جائحة كورونا «كوفيد- 19»، بادرت الحكومة المغربية بتاريخ 23 مارس 2020 إلى إصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والذي بمقتضى المادة الثالثة منه: «تقوم الحكومة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير أو بلاغات». وتعاقب المادة الرابعة من المرسوم بقانون على مخالفة اللأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في الفقرة الثالثة أعلاه بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.
وتطبيقا للمرسوم تم إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، بمقتضى مرسوم رقم 2.20.293 صادر بتاريخ 24 مارس 2020، نشر بالجريدة الرسمية عدد 66867، والذي خولت المادة الثانية منه للسلطات العمومية المعنية صلاحية اتخاذ التدابير اللازمة، من أجل عدم مغادرة الأشخاص لمحلات سكناهم، ومنع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه إلا في حالات المحصورة، تحت طائلة العقوبة المنصوص عليها في المادة الرابعة أعلاه.
ومن أجل تفعيل المقتضيات الزجرية التي جاء بها المرسوم بقانون رقم 2.20.292، تقرر حسب بلاغ رئاسة النيابة العامة المؤرخ في 22 ماي 2020 تحريك المتابعة القضائية في مواجهة ما مجموعه 91623 شخصا، من أجل خرق حالة الطوارئ الصحية. وبعيدا عن النقاشات التي صاحبت إصدار المرسوم أعلاه ذات الصلة بالمشروعية الدستورية، وبالنظر إلى العدد الكبير للقضايا الزجرية الرائجة أمام المحاكم المتعلقة بحالة الطوارئ ولارتباطها بحريات المواطنات والمواطنين، فإنه كان لا بد من التساؤل حول مدى شرعية ومشروعية جنحة خرق تدابير حالة الطوارئ وعدم التقيد بأوامر وقرارات السلطات العمومية، سيما تلك المتعلقة بالخروج من المنزل دون الحصول على ترخيص استثنائي موضوع بلاغ وزير الداخلية الصادر بتاريخ 20 و21 مارس 2020. ولما كانت المادة الرابعة من هذا المرسوم بقانون تجرم كل مخالفة للأوامر والقرارات الصادرة عن السلطة العمومية، فإن ذلك يستدعي التساؤل عن ماهية القرارات والأوامر التي بخرقها تكون جنحة خرق الحجر الصحي قائمة؟
جوابا على ذلك، فالمادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 تجرم عدم التقيد بالقرارات والأوامر الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة منه، التي تنص بالحرف على أنه «… تقوم الحكومة خلال فترة حالة الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الحالة….»، بمعنى أن المخالفة يجب أن تنصب على أوامر أو تدابير تقرر اتخاذها خلال فترة حالة الطوارئ، التي تبتدئ من تاريخ إعلانها إلى غاية نهايتها دون سواها من الإجراءات المتخذة في الحالات العادية، هذا فضلا عن أن المادة 2 من المرسوم رقم 2.20.293 الصادر بتاريخ 24 مارس 2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ تنص هي الأخرى على أن السلطات العمومية المعنية تتخذ التدابير اللازمة، من أجل عدم مغادرة الأشخاص لمحلات سكناهم ومنع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه، والكل في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلنة طبقا للمادة الأولى، وهو ما يعني على أن الأوامر والتدابير التي يعاقب على مخالفتها هي تلك المقررة بعد الإعلان عن حالة الطوارئ، أي خلال الفترة الممتدة من تاريخ 23 مارس إلى غاية 10 يونيو 2020 بعد التمديد، وهذا منطقي إذ إن اكتساب السلطات العمومية لصلاحية التشريع لا يتأتى إلا خلال فترة الطوارئ الصحية، وبالتالي فالتدابير التي يتم اتخاذها خارج فترة الطوارئ الصحية لا تقوم مقام القانون، ومن ثم لا إلزامية لها.
وفي علاقة بالجنحة موضوع المناقشة والمتعلقة بخرق الحجر الصحي المتمثل في مغادرة الأشخاص لمحلات سكناهم دون ترخيص استثنائي، فإنه يتبين من خلال العمل القضائي على أنه يتم الاستناد على قرار لوزير الداخلية، كتدبير تقرر بمقتضاه منع الأشخاص من مغادرة محلات سكناهم دون ترخيص استثنائي يرجع تاريخ إصداره إلى 20 مارس 2020، في حين أن حالة الطوارئ لم تكن سارية المفعول إلا بتاريخ 24 مارس 2020، بعد الإعلان عنها بمقتضى المرسوم 2.20.293، وهو ما يعني أن تدبير المنع تقرر خارج فترة الطوارئ الصحية وقبل سريان مفعولها، وبالتالي لا يقوم مقام القانون ولا إلزامية له، لعدم توفر السلطة العمومية يوم صدوره على صلاحية التشريع.
وبناء على ما ذكر، فإنه احتراما لمبادئ الشرعية والمشروعية وعدم رجعية القوانين، وتكريسا لاختيار المملكة المغربية لبناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، واعتبارا لواجب تطبيق القانون الملقى على عاتق قضاة الأحكام وعلى النيابة العامة إعمالا للفصل 110 من الدستور، فإنه في نظري المتواضع ما دام أن التجريم، حسب المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292، انصب حصرا على مخالفة التدابير والقرارات المتخذة من طرف السلطات العمومية خلال فترة الطوارئ، وما دام أن قرار فرض الترخيص الاستثنائي للخروج صدر قبل سريان مفعولها، فإن مغادرة شخص خارج مقر سكناه دون وثيقة رسمية مسلمة من السلطة المعنية، لا يعتبر مخالفة للأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية في إطار حالة الطوارئ، وبالتالي تكون جنحة خرق تدابير الحجر الصحي غير قائمة في هذه الحالة.