قدم خدماته لمغاربة وجزائريين وعاش بين وجدة وتطوان والبليدة
حسن البصري
ولد فرانز فانون في يوليوز سنة 1925، في مدينة فور دو فرانس بجزر المارتنيك، وهي مستعمرة فرنسية. عرف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز والعنصرية منذ أن كان طالبا، وحين تخرج من الكلية وهو يحمل صفة طبيب نفساني، التحق بالجيش الفرنسي وحارب ضد النازيين. ثم عمل طبيبا عسكريا في الجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي، حيث عين رئيسا لقسم الطب النفسي في مستشفى البليدة بالجزائر، وانخرط مذ ذاك الحين في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وعالج ضحايا طرفي الصراع، من جزائريين وفرنسيين.
في ندوة حول ملامح الحركة الثقافية بوجدة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2018، أوضح الباحث بدر المقري، الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الموقع الجغرافي للمدينة جعلها متعددة الهويات والأبعاد حسب المارشال ليوطي، الذي احتلها في 9 مارس 1907. وأشار الباحث، في المداخلة نفسها، إلى اسم فرانز فانون، حيث قال: «كانت وجدة قاعدة خلفية لقادة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وملاذا لنخبتها السياسية والعسكرية، وإلى الزيارات التي قام بها إليها عدد من قادة حركات التحرير العالمية، من قبيل فرانز فانون وأميلكار كابرال وأغوستينو نيتو، وكان فرانتز قد خطط مع وطنيين مغاربة لفكرة العالم الثالث خلال إقامته بوجدة سنة 1960».
لم تقتصر زيارات هذا المفكر الماريتنكي المناهض للاستعمار على مدينتي وجدة وبركان وما جاورهما، بل زار مدينة تطوان والتقى مفكريها، وكشف، في عدد من كتاباته، عن فحوى تواجده في المغرب.
شعر الفرنسيون بتعاطف فرانز مع الجزائريين، فقرر الفرار إلى تونس، ثم عاد إلى الجزائر مختفيا، ومنها دخل المغرب واستقر في مدينة وجدة، حيث التقى بقيادات مغربية وجزائرية، بل إنه كان معجبا بالفكر الثوري لزعيم الريف عبد الكريم الخطابي، وبمفكري مدينة تطوان التي زارها في الفترة نفسها وقضى فيها أسبوعا كاملا.
خلال تواجده في المغرب، ألح فرانز على زيارة مستشفى الأمراض العقلية في برشيد، بحكم اختصاصه طبيبا نفسانيا، وفيه توقف عند الطرق المتبعة للحد من الانفلات الذهني لدى المرضى، وأعجب بالأجنحة التي كانت موزعة حسب الديانات، جناح للمسلمين وآخر لليهود وثالث للمسيحيين.
في سنة 1961، وبينما كان فرانز فانون خارجا من ثكنة في جبهة القتال الغربية قريبا من مدينة وجدة المغربية، انفجرت قنبلة تحت سيارة «الجيب» التي كان يركبها فأصيب بجروح بالغة في ظهره، وتبين أن الفرنسيين زرعوا في طريق الثكنة ألغاما أصاب أحدها سيارة الطبيب.
ونظرا لعدم توفر العلاج المناسب في وجدة، تم نقل فرانز إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، لكن الأطباء الأمريكيين اكتشفوا فجأة إصابته بمرض سرطان الدم «اللوكيميا»، فلم يكن بإمكانهم فعل الكثير، وبقي فانون يعاني في المستشفى إلى أن توفي في دجنبر 1961 بواشنطن، وعمره لم يتجاوز 36 عاما.
تولت قيادة جبهة التحرير الجزائرية نقل جثمان فانون إلى الجزائر، نزولا عند وصيته، وأقيمت له جنازة عسكرية، ودفن بمدينة الطارف شرق الجزائر.
خلف الراحل عدة كتب، أبرزها: «بشرة بيضاء، أقنعة سوداء» و«المعذبون في الأرض» و«من أجل الثورة الإفريقية»، وأطلق اسمه على مستشفى كبير في الجزائر.