زينب بنموسى
أنا مذ وقعت فيك، لا أسأل الله أن يرفع عني بلاء عشقك، ولا أن يبليك بعشقي، فلا أنا قريبة منه لهذه الدرجة، ولا قلبي متطلب بهذا الشكل.
أنا فقط أسأله أن يساعدني على تجاوز هذه المساحة الشاسعة من الدهشة دون أن تبتلعني، ويلقي إلي بحبل نجاة أطوق به رقبتي فينتشلني من هذا الضياع الذي غرقت فيه بعدك أو يصعد بروحي إلى السماء ويرحمها من هذا العذاب الطويل.
أريده أن يمنحني فقط دقيقتين لا غير أحفظ فيهما ملامح وجهك دون أن يعمي نوره عيني، وتمسح فيها كفي صفحة وجهك، وتستنشق فيها رئتي رائحة جسدك حتى تشبع.
أريد أن أصل لمرحلة التصديق، أن أستطيع لمس هذه التحفة الزجاجية التي تعثر بها قلبي دون أن ترتعش يدي، وأن تتوقف الخلايا العصبية في دماغي عن النبض بهذه الطريقة المستفزة كلما سمعت صوتك، وأن أسمعك دون أن يصدع صوت جدار المقاومة الذي طوقت به قلبي.
أن أهزم الابتسامة البليدة التي ترتسم على وجهي حين تراك عيون قلبي، أتوقف عن التحديق بك كأنك آخر التحف البابلية، وأتحكم في اللمعة التي تقفز من مهجتي إلى أحداقي حين أقبلك في خيالي، وأوقف دمع الفرح الذي يشرب ككائن فضولي من مقلي حين أوشك على وداعك.
أنا فقط أحتاج أن أعبر هذا المحيط الهائل من الانبهار دون أن أغرق، وأطالع الشمس التي تلمع من وجنتيك دون أن يعمي ضوؤها عيني، وأصدق-حتى لو استحالت حقيقتك عندي- أنك هنا لدي، وأن جسدي المتعب من طول الطريق سيرتاح ولو متأخرا بين يديك !
أحتاج أن أفهم كيف أضعفت عيناك جبروتي، وكيف احتلت جنود شوقك أرضي دون أن أقاوم، وكيف قبلت أنا المها ذات الجيد الطويل أن أنحني قسرا، وأقدم فروض الطاعة والولاء بين يديك غير عابئة بأنك مجرد غاصب سحبت من قلبي ملكه دون أن تحتاج لسل سيفك.
لكن ثمة شيء فيك يستدرجني دائما إلى رصيف المأساة، ويرثي صرخات الضحايا الذين أسقطهم الحب.
وأنا بيدين وجلتين، أدفع باب السماء، وأبتهل، وأصلي، وأصرخ ملء حنجرتي تضرعا، ثم أسقط كتفاحة حواء في فم الجحيم، وأنت الرجل الورع الذي لولا الحب الذي استرقته من على جبين القدر لما حصلت عليك.
لذا لم يكن ضروريا أن نكون كفا واحدة، كان يكفي أن تجمعنا سماء واحدة، قصيدة واحدة، وأمل واحد.
وها هو الغياب يتلو علينا الآن ما تيسر من سورة المطر ويغفو على صدري كنجمة طريدة.
لا تسألني لماذا أحبك؟ هل ستسأل غيمة لماذا تبكي؟ أو أرملة لم تنتحب؟ لا تسأل فقط كن رؤوفا بصرخة الوجع التي تمخضت عنها أعماقي.
ليس ضروريا أبدا أن نمشي معا على نفس الطريق، يكفي أن نلمس أفقا واحدا، ونؤمن بشغف واحد، ونكتب معا قصة واحدة تلك التي كتبت على أقدارنا سويا.
مشاءالله المزيد من التوفيق