شوف تشوف

الرئيسيةدين و فكر

قتل المرتد وإشكالياته.. وتحول الأمم إلى فتات للأكل.. وتدريب النفس على عدم لوم الآخرين

بقلم:خالص جلبي 

(9) حديث قتل المرتد (أحد إشكالات الحديث) 

(من بدل دينه فاقتلوه) 

هذا الحديث يشكل إرباكا كبيرا لحرية الرأي والمعتقد وحرية التعبير بالتالي، مما دفعني إلى كتابة بحث كبير عن جدلية التفكير والتعبير، أو حرية التفكير والتعبير. وحتى كتابة هذه الأسطر ما زالت المؤسسة الدينية في العالم العربي في تردد لأخذ القرار الحاسم فيها. بالطبع هناك تهرب عملي أمام هذه الإشكالية الضخمة. حتى المعمم الغزالي المشهور، حين سئل عن قتل فرج فودة في مصر، كان رأيه أن هذا كان من حق الدولة، ولكن من قاموا بالفعل (افتأتوا) على حق الدولة بزعمه، وهذا سببه عدم بلورة الرأي في هذه المسألة الحساسة. وأتذكر فتوى الخميني بقتل سلمان رشدي، ويومها كنت في أمريكا، فاستضافني حافظ الشيرازي في قناة، وسألني عن رأيي في المسألة؟ وقلت له يومها: إن رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم اتهم في عرضه، فلم يقتل أحدا، وإنما عوقبوا على الفرية، ويمكن أن تقام دعوى قضائية ضد الرجل، وحتى الصيادي الذي كان يدعي الغيب لم يأمر بقتله، ولم نقرأ عن رسول الرحمة (ص) من إباحة قتل من غير رأيه وارتد. وأذكر أنني اجتمعت بمحمد سليم العوا، المحامي والمفكر المصري، في لقاء سجى للإنتاج الفني بعمان، وكنت قد اطلعت على رأيه في المسألة، وهو رجل مفكر محترم، ولكن المسألة ما زالت عنده تحوم في الضباب. ليس هو فقط، بل الكثير ممن أعرف من المتقين الأبرار لم يحسموا الرأي في هذه القضية الحساسة، وهو ما دفعني إلى كتابة مقالة بعنوان «الطريق باتجاه واحد»، وهو نوع من التخيل عن وفد ذهب إلى اليابان لنشر الإسلام، واحتدمت هناك المناقشات عن هذا الموضوع، ليخلص المؤتمر برفض هذا التوجه. وفي قناعتي أن مثل هذه الأحاديث هي لخدمة الطاغية والحكم الاستبدادي، كما حصل لمحمود طه السوداني، الذي أعدم تحت هذا الحكم الجائر.  

 

(10) حديث القصعة 

ويقصد بها المائدة العامرة وقد اجتمع عليها الضيوف يتمتعون بالطعام، فمن هم؟ وما نوع الطعام؟ سؤال هام من علم التغذية.

يخبرنا الحديث بتحول خطير يطال الأمم، ونحن لا نشكل خرقا للقانون فسوف ينطبق علينا ما جرى للأمم، ويوجد حديث آخر يدعم هذا الحديث. ولكن دعنا في الأول نذكر حديث القصعة، وهي مائدة الطعام. يقول الحديث وكأن الزمن اقترب حين يتحول المسلمون إلى مائدة عامرة يدعى إليها الضيوف ليتناولوا الطعام ساخنا. وما هو الطعام الساخن اللذيذ؟ نحن!

حديث القصعة :

عن ثوبان، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها».

فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال :

«بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال :

«حب الدنيا وكراهية الموت». (سنن أبو داوود وصححه الألباني). 

نلاحظ هنا أن سر التحول في الأمة هو نفسي، حين يقول حين تموت الأمة فلا يهابها الآخرون، بل يجدونها فرصة يقضمونها كما في أطايب الطعام. حدث هذا مع الفتوحات الاستعمارية وانهيار الأمة. وهذا التحول ليس فينا فقط، بل هو قانون الإنتروبيا في كل الوجود، فيتشقق البناء وتنهار البنايات، وينحدر الجسم إلى الشيخوخة، والكائنات إلى الموت، والدول إلى الانقراض، والحضارات إلى نهاية. ومنه جاء في كتاب «فيزياء المستحيل» لميشيو كاكو، أن هذا القدر لا ينجو منه أحد، وأن ثمة عشرة مستويات في الوجود يمكن أن نخترقها ونكسر الاستحالة فيها، وليست استحالة إلا في أمرين: آلات دائمة العمل والاستبصار رؤية المستقبل. اللافت للنظر في الحديث، أنها رؤية مستقبلية عامة، لأنها تخضع لقانون مشترك. ولذا جاء الحديث الداعم لهذا التوجه، أنه لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه، قالوا اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ أي أننا سينطبق علينا ما انطبق على أهل الكتاب في التاريخ. فهذه الدورة التاريخية أثارت انتباهي، ووضعت لها مقالة تفصيلية أضعها في نهاية البحث.

نفهم من هذا الحديث كيف تنتهي الأمة حينما يتكالب عليها الأعداء فتتحول إلى مأدبة طعام يتقاسمها الطالبون، وهذا ينفذ على القانون الذي وضعه ابن خلدون عن زوال الدول، وأن عمر الدولة في المتوسط ثلاثة أجيال، فإذا انقضى الوقت ولم تنهر فلفقد الطالب، وهي الفكرة نفسها التي تقدم بها «أوسفالد شبنغلرOswald Spengler»، المؤرخ والفيلسوف الألماني، في كتابه «تدهور الغرب Der Untergang des Abendlandes»، عن وضع روما يدها على مقدرات شعوب الشرق الأوسط، بفرق رديئة التسليح والقيادة، وأن السبب يعود في هذا إلى ما سماه «فقد قدرة تقرير المصير»، باللغة الألمانية «Selbstbestimmung». 

 

(11) فلا يلومن إلا نفسه 

في مواجهة الأخطاء أو الكوارث يجب تأسيس فلسفة المسؤولية أن يعود الإنسان نفسه أن لا يلوم أحدا، مع كامل الاعتقاد أن الآخر قد يكون مشتركا في المصيبة، ولكن على المرء التعود أن يحفر في الأرض الصحيحة في حديث ظلم النفس، الذي رواه أبو مسلم الخولاني عن ظلم النفس أيضا في عشر فقرات وكأنها اللحن الكوني؛ يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته .. يا عبادي.. وهكذا وفي النهاية إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ومن الغريب أن الغالبية من المسلمين عندهم استعداد أن يلوموا أي جهة، دون مراجعة أنفسهم مرة واحدة. كان الخولاني إذا تلا الحديث جثا على ركبتيه، وهذا يعني أن علينا تجنيد هذه الأحاديث من أجل تصحيح المفاهيم، فليس مثل القرآن والحديث هاديا. 

عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». قال سعيد: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث، جثا على ركبتيه. (صحيح مسلم). 

 

(12) أسرار العشرة الزوجية 

 رواية عائشة رضي الله عنها عن اجتماع نسوي مثير يضم 11 امرأة روين الحياة السرية لأزواجهن، وهذا يعطي فكرة عن العشرة الزوجية ومسؤوليتها.  

حديث أم زرع 

يعتبر هذا الحديث من ينابيع الأدب وتأريخ لحقبة، كما يقوم بتشريح خاص لأحاديث النساء الداخلية الخصوصية ورأي كل امرأة في زوجها، كما يروي أوضاع البيوت ونوعيات الأزواج. وأنا شخصيا استمتعت جدا به حينما حفظته، وأعتبره مع مجموعة أحاديث أخرى من ينابيع الفكر الجميلة. وسوف أحاول فك معنى الكلمات الصعبة التي جاءت كما وردت في كتاب «زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم» للشنقيطي. تروي السيدة عائشة رضي الله عنها قصة 11 امرأة روت كل واحدة وضعها مع زوجها، فقالت: «جلست إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا»، ويبدو أن هناك علاقة حميمة بين هؤلاء الزوجات، «قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث «مهزول» على رأس جبل لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى» ويظهر الذم فيه فلا فائدة منه، ولم تكن الأولى التي ذمت، فقد أكملت الثانية ففضلت أن لا تنشر فضائحه «قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره»، (أي عيوبه). أما الثالثة فيبدو أنها تتحمل على مضض زوج لا يحتمل «قالت الثالثة: زوجي العشنق (أي الطويل المذموم، سيئ الخلق) إن أنطق أطلق وإن اسكت أعلق؟». ولكن حظ الجميع ليس كذلك، حيث يبدو على الرابعة أن عندها زوج عجيب لا تمل صحبته «قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة». وأنا أعرف تهامة من جنوب المملكة، وهي عند الساحل تماما كما ذكرتها المرأة، ولكن ليس في الصيف، وفعلا فإن النوم على شاطئ البحر هناك فيه متعة وارتخاء وهدوء لا يعرفه إلا من ذاقه، ويبدو أن المرأة كانت محظوظة بهذا الرجل. ولكن الخامسة عندها زوج من نوع بين بين، «قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد». والرجل الذي لا يسأل المرأة كثيرا في أمور المنزل، يبقى مريحا نسبيا. إنها مع رجل ملتفت لأعماله وتجاراته، وقد ترك لها حرية التصرف في البيت وهو لا بأس به. أما السادسة فعندها زوج يحمل من الصفات غير المشجعة، سواء في صوت الفم أو الالتفات إلى زوجته، ليضمها أحيانا ونحن هنا نرى شيئا من الصراحة، التي لا نتجرأ في الخوض فيها، حسب ثقافتنا الإسلامية، ولكن عائشة رضي الله عنها تنقل لنا هذه الصور بأمانة «قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث». أما السابعة فقد حظيت بزوج هو كارثة، فهو عيي النطق ومزعج ويستخدم يديه في الضرب، فيكسر الرأس أو الفك، «قالت السابعة: زوجي غياياء (الخيبة) عياياء (ربما عاجز جنسيا) طباقاء (أحمق)، كل داء له داء شجك أو فكك أو جمع كلا لك». يبدو أن هذا الزوج كان شرسا جدا وفاشلا جنسيا. أما الثامنة فقد وصفته على نحو معكوس، فهو طيب الرائحة، ناعم الملمس، «قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب». أما التاسعة فقد وصفت زوجها بالمركز الاجتماعي المرموق والكرم، «قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد (عمود الخيمة)، طويل النجاد (السيف)، عظيم الرماد (من كثرة الضيافة)، قريب البيت من الناد». كذلك وصفت العاشرة زوجها بالكرم «قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟ مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح، وإذا سمعن المزهر (ربما الدف أو عود الغناء فرحا بالضيوف) أيقن أنهن هوالك». وفي النهاية يأتي وصف الحادية عشرة لزوجها وهو بيت القصيد، حيث تصف أم زرع زوجها على هذه الشاكلة في وصف مطول:  «أناس من حلي أذني وملأ من شحم عضدي .. عنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتفنح .. أم أبي زرع عكومها رداح وبيتها فساح.. بنت أبي زرع طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها». وكانت عائشة رضي الله عنها تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لها: كنت لك كأبي زرع لأم زرع. ويبدو أن صفات الرجل الكريم الحليم المثالي كان الناس يتناقلونها يومها في هذه القصة، وكان حظ عائشة هو هذا الرجل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.    

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى