شوف تشوف

الرأيالرئيسيةتقارير

قبل السياج بقليل..

 

يونس جنوحي

 

 

كثيرا ما أخرج الإسبان أفلاما وثائقية، وأخرى درامية، وظفوا فيها قصص المهاجرين من دول جنوب الصحراء والرحلة القاسية التي يقطعون أشواطها عبر قارة إفريقيا، وصولا إلى معبري سبتة ومليلية لكي يعبروا بحرا نحو الحلم الأوروبي.

العين الأوروبية تنظر إلى هؤلاء الناس إما على أساس أنهم مصدر مشاكل اقتصاد أوروبا وأمنها، وإما على أساس أنهم أصحاب قصص إنسانية تتعاطف معها المنظمات الإنسانية والحقوقية، لكنها لا تملك أداة سحرية لحل مشاكلهم. أما أحزاب اليمين في كل حكومات أوروبا ومعارضتها داخل المؤسسات الدستورية الاتحادية، فإنها ترى دائما في المهاجرين القادمين من الجنوب الأوروبي، خزانا لتوفير المادة التي تمكنهم من الترافع في الحملات الانتخابية وتقديم وعود للأوروبيين برفع طول السياج الذي يقفز فوقه هؤلاء المهاجرون، لتحدث مآس مثل ما حدث قبل أيام قليلة.

منظمات حقوقية في أوروبا ربطت بين الحادث الأليم، في المعبر، وبين عبور مرشحين للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، القادمين من الجزائر. إذ إن سلطات الجزائر تسجن القادمين من دول جنوب الصحراء الوافدين إليها وتجمعهم في شاحنات وترميهم على الحدود مع المغرب وتتركهم في العراء بدون مؤونة في تناف مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها كل دول العالم. وهؤلاء يتسللون إلى التراب المغربي مشيا على الأقدام ومنهم من يجد نفسه بنواحي فگيگ أو بوعرفة، وآخرون يفضلون البقاء في طاطا وورزازات على المواصلة نحو المجهول. فيما الذين يتوقفون في مليلية أو قرب سبتة، في انتظار العبور، هم محور اهتمام الصحافة الإسبانية.

في سنة 2017، صدر فيلم وثائقي إسباني يتناول حادث تدافع مشابه قفز المئات خلاله فوق السياج في مدينة سبتة نحو المدينة حيث وجهوا الأطفال الذين كانوا برفقتهم إلى مراكز اللجوء، في حين حاول الذين نجحوا في العبور بحرا إلى مدن الجنوب الإسباني لكي يبدؤوا رحلة تحقيق الحلم الأوروبي. وللإشارة فإن أحد لاعبي أكبر الأندية الأوروبية، في كرة القدم، عبر إلى أوروبا بهذه الطريقة مع آلاف المهاجرين.

الفيلم الوثائقي ركز من جهة على قصص هؤلاء المرشحين للعبور بهذه الطريقة المجنونة، التي تكشف اليأس النفسي الذي يتملك المترقبين للحظة العبور، إلى الحد الذي يجعلهم يغامرون بحياتهم بتلك الطريقة المأساوية. ومن جهة أخرى، ركز على قصص بعض موظفي الحرس الإسباني الذين تكون مهمتهم منع هؤلاء المرشحين للهجرة من تسلق السياج المعدني الذي يفصل بين المعبر وبين «الحلم الأوروبي».

هؤلاء الحراس الإسبان منهم من يتعاطف مع المهاجرين، وحتى عندما يقومون بدورهم الأمني في محاولة لإبعاد جحافل المرشحين، فإنهم يتعرضون لانتقادات واتهامات بالعنصرية و»السادية»، خصوصا عندما يتم استعمال الهراوات لثني المرشحين عن تسلق السياج.

الفيلم يعالج اللقطة التي سقط فيها أحد المرشحين من ارتفاع كبير بعدما لوح فرد من الحرس الإسباني بالهراوة قربه، ليخر صريعا على الأرض فورا. وفتح تحقيق في الموضوع وتم الاستماع للحارس الأمني.

بحث سريع في الصحافة الإسبانية يكشف أن هناك صحافيين اشتغلوا على مقالات وتحقيقات وأفلام، خلال السنوات الأخيرة، حاولوا من خلالها تقديم قصص هؤلاء المرشحين بهذه الطريقة التي يراها أغلب الإسبان «جنونية» وغير محسوبة. وهذا الضوء الإعلامي المسلط على هؤلاء المرشحين لا بد وأنه سيغير نظرة ملايين الأوروبيين إلى المهاجرين غير النظاميين، بدل النظرة التي كرسها عنهم اليمين، والتي تذهب دائما في اتجاه أنهم أناس خطرون وتربط بين توافدهم على ضواحي مدن أوروبا وبين ارتفاع منسوب الجريمة، رغم أن أغلبية هؤلاء المرشحين يأتون بحثا عن حياة أفضل لهم ولأسرهم، ويبقون دائما مرتبطين بأوطانهم الأصلية، وهذا ما لا يقوم به أفراد العصابات الخطيرة فعلا في أوروبا، والتي تتاجر في المخدرات والأعضاء ويلاحق «الأنتربول» أعضاءها الحاملين للجنسيات الأوروبية. لكن اليمين يترك كل هذه الحقائق جانبا، ويمسح كل شيء في أفراد من مختلف الأعمار بلغ بهم اليأس درجة تجعلهم يقفزون فوق السياج حتى لو كلفهم الأمر حياتهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى