حسن البصري:
مات حدو جادور البطل العالمي للعدو الريفي، وصل إلى خط النهاية دون أن يشعر به أحد، وضعوه في تابوت ثم سلموه لحفار القبور وقالوا له ابحث له عن قبر، وثلة من فقهاء المقابر وماء عطر.
توفي حدو البطل العالمي الذي كان يلتهم المسافات بعد معاناة طويلة مع المرض، مات قبل الوصول إلى موعد المراقبة الصحية المحجوز في طوابير طويلة. فأحيل على المصطفين في طوابير الباحثين عن قبر.
لم تكن جنازة البطل تضاهي قيمة حدو البطل الزموري الذي رفع راية المغرب عاليا في المحافل الدولية، لم يعثروا له على قبر يستريح فيه، فأفتى عليهم بواب المقبرة بدفنه في ممر صغير يصعب الوصول إليه، إلا بالقفز فوق باقي القبور. وكأن زواره أبطال في القفز بالزانة أو سباقات النط فوق الحواجز.
في المقبرة القبور محجوزة، والمقابر «العائلية» موضة الحياة ما بعد الموت، تساءلت لماذا لا تفكر مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين في اقتناء مقابر لأبطال يوشكون على بلوغ خط نهاية السباق، صونا لكرامتهم بعد الممات.
صحيح أن الجيل الحالي لا يعرف من أبطال الركض إلا البقالي والكروج وبيدوان وفي أحسن الحالات عويطة ونوال، إلا أن الراسخين في الركض يعرفون أن الفتى الأمازيغي القادم من هضاب تيداس كان أسطورة لألعاب القوى المغربية، في زمن كان فيه جزاء ميدالية ذهبية «طبطبة» على الكتف.
لم يكن للبطل جادور مدرب مستشهر أو معد بدني أو أخصائي تغذية، فقد كانت وجبته الأساسية شاي وكسرة خبز وزيت بلدي، وحين تألق في الألعاب المدرسية بالخميسات وفي الألعاب العسكرية والمدنية، وتمكن من قهر كبار العدائين، قالوا هذا بطل بالفطرة لن يكلفنا سوى قميص وصدرية وحذاء رياضي.
حين يعتزل أبطال الكرة يركضون نحو استوديوهات التحليل الرياضي، ويراكمون شهادات التدريب ويقفزون فوق الجميع بحثا عن مستشهر لفترة الاعتزال، بينما أنهى حدو جادور مساره الرياضي جنديا في صفوف القوات المسلحة الملكية، وشارك في معركة أمغالا الشهيرة، مصرا على مواصلة الركض في مضمار الصحراء وراء ميليشيات الانفصاليين.
آمن العداء العالمي أن بطولات أخرى تنتظره في الصحراء، فحمله الجنود على الأكتاف كما يحمل محطمو الأرقام القياسية وصناع المجد الرياضي. لكن المرض تربص به وقضى الوقت المستقطع من مساره المهني في المستشفى العسكري بالعيون، لينهي الخدمة بكيس جانبي لكل غاية مفيدة.
اعتزل الرياضة والخدمة وظل بالرغم من الداء والأعداء يحضر ملتقيات مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، التي اختارته ضمن بعثة الحج، وقضى أيامه الأخيرة في بيته بمدينة سلا وهو يجتر الأحزان بعد أن فقد أعز الأحباب.
عاش حدو فوق منصات التتويج في زمن بالأبيض والأسود، وانتهى في قبر لا يسع مجده. كانت المسافة بين الاعتزال والقبر قاسية ركضها حافي القدمين وسط رائحة الدواء، بينما ينام أبطال آخرون على وسادة الريع يعالجون خارج الوطن يدرس أبناؤهم خارج الوطن، يستخلصون شهادة الوفاة من خارج الوطن، وحين يداهمهم الموت يتركون وصية الدفن في تربة الوطن.
ليس جادور البطل الوحيد الذي توقف لديه عداد السعادة، فقد كانت فاطمة زوجة البطل العالمي عبد السلام الراضي، مجبرة على بيع ميداليته الفضية التي حصل عليها في أولمبياد روما لأحد باعة التحف القديمة بجوطية فاس، لتأمين مصاريف الدواء. دفن الراضي في صمت وتلقت أرملته الثكلى وعودا في ليلة التأبين، وحين تخلصت من ثوب الحداد وحاولت الاتصال بأصحاب القرار تصدت لها علبة صوتية تقول: «مخاطبكم مشغول المرجو ترك رسالتكم».
لم يتركوا لأساطير الرياضة البسطاء إلا المحارات الفارغة، لذا سيكون رهان العدائين الأول هو الحصول على قبر اقتصادي آمن.