شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

قانون لا يحتمل التأخير

نص أول دستور للمملكة لسنة 1962، في فصله 14، على أن الإضراب حق مضمون، وأن ‏قانونا تنظيميا سيحدد الشروط والإجراءات اللازمة لممارسة هذا الحق، لكن منذ ذلك التاريخ ‏تعاقبت الحكومات وتغيرت الدساتير ولم يتم النجاح في إخراج هذا القانون التنظيمي الذي ‏بإمكانه تأطير هذا الحق، على الرغم من أهميته في تأطير العلاقة بين المشغل ‏والأجير، وبقي حبيس رفوف البرلمان منذ سنة 2016 منذ آخر محاولة لحكومة بنكيران لإخراجه إلى حيز الوجود.

مقالات ذات صلة

الحكومة الحالية كانت لها مقاربة مغايرة في التعاطي مع هذا الموضوع وتحلت بشجاعة ‏سياسية أكبر حين طرحت هذا القانون على طاولة ‏الحوار الاجتماعي، حيث حمل الاتفاق الاجتماعي لـ29 أبريل 2024، اتفاقا على المبادئ ‏الأساسية لهذا القانون التنظيمي من أجل برمجة مناقشته والمصادقة ‏عليه خلال الدورة ‏البرلمانية الربيعية لسنة 2024، وهو ما حمل أملا في أن المملكة ستتمكن أخيرا من تقنين هذا ‏الحق بعد أزيد من 60 سنة ظل فيها هذا القانون حبيس الرفوف. وجميعنا نتذكر كيف ظهرت ‏الحاجة إلى قانون ليؤطر حق الإضراب في عدة قطاعات حيوية عرفت، في السنوات الأخيرة، إضرابات استثنائية وعشوائية عرقلت سيرها وأثرت على حياة المواطنين. وكيف طفت إلى السطح مشاكل ‏العزل والاقتطاع من الأجر في القطاعات نفسها وكيف لمسنا جميعنا الحاجة إلى إطار قانوني يضمن حكامة ‏ممارسة الحق في الإضراب ويؤطره، ويقطع مع كل سلوك فوضوي بدون ضوابط واضحة.‏

وبعد الاتفاق الاجتماعي لأبريل 2024 تم إحياء مناقشة الموضوع، وفق روح التوافق الوطني ‏الذي بدأ مع مأسسة الحوار الاجتماعي، وعلى ضوء جلسات الحوار الاجتماعي حول المشروع ‏القانون التنظيمي، تم تقديم ‏تعديلات جوهرية ساهمت في تحقيق الإجماع حول مجموعة من ‏‏المواد الهيكلية، سيما منها ‏حذف الإضرابات الممنوعة ‏والعقوبات الحبسية، وتوسيع الفئات المعنية بممارسة حق الإضراب ليشمل المهنيين، ‏والعمال ‏المستقلين والعمال غير الأجراء‎ (‎‏TNS) والعاملات والعمال المنزليين، والمنجميين ‏‏والبحارة والبوابين والصحافيين، وباقي الفئات الخاصة من الأجراء، وحذف منع الإضراب ‏لأهداف سياسية والإضراب بالتناوب.‏

وبتاريخ 24 دجنبر 2024، وبعد مناقشات ماراثونية في مجلس النواب، تمت المصادقة على ‏المشروع بعد قبول 334 تعديلا عكست الحرص على ضمان التوازن بين الحق في الإضراب ‏والحق في العمل في الوقت نفسه، لتتم بعدها إحالته على المستشارين، لتبدأ، مباشرة، بعض ‏الأصوات النقابية في لعب هوايتها المفضلة ومحاولة تأخيره. ‏

إن الدينامية الاقتصادية التي تعرفها بلادنا اليوم تقتضي أن يتم استكمال مسطرة التشريع ‏المتعلق بالإضراب في أقرب الآجال، لذا فإن النقابات والحكومة والبرلمان يجب أن تعي جميعها أنه لم يعد ‏ممكنا أن ننتظر أكثر من أجل إخراج قانون للإضراب، ولا يمكن قبول هدر الزمن التشريعي ‏والحكومي في المزايدات السياسية والحسابات الضيقة، التي تضيع معها مصالح المواطنات ‏والمواطنين ‏وتفرمل المسار الإصلاحي الذي تبنته بلادنا. لذلك لم يعد من المقبول التأخير فيه ‏أكثر والجميع ملزم بالانخراط في هذه السيرورة، ولا يمكن أن نطمح لجلب الاستثمارات ‏الأجنبية من أجل تحقيق إقلاع اقتصادي دون أن تتوفر بلادنا على قانون يؤطر العلاقة بين ‏مختلف أطراف الإنتاج.

الأكيد أنه يجب التثبت بالحق الدستوري، ولكن من غير المقبول ألا تنجح بلادنا في تقنين ‏الإضراب وألا نعرف متى نتحدث عن عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب أو عن ‏احتلال أماكن العمل.‏

‏اليوم، ونحن نتجه إلى المناقشة التفصيلية للمشروع وأيام قليلة تفصلنا عن نهاية هذه الدورة ‏البرلمانية، يجب أن نستحضر جميعا أن مصلحة الوطن تقتضي أن يتم النجاح في إخراج هذا ‏المشروع خلال هذه الدورة البرلمانية وحتى لا يسقط من جديد في شباك الرفوف.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى