قانون ترسيم الأمازيغية يدخل حيز التنفيذ بعد 8 سنوات من التعثر
وزارة التربية الوطنية مطالبة بتوظيف الآلاف من الأساتذة لتغطية التراب الوطني
دخل قانون الأمازيغية رقم 26.16 حيز التنفيذ بعد نشره مؤخرا في الجريدة الرسمية. ويحدد القانون الجديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة. وبنشر هذا القانون تكون الحكومة ملزمة باحترام مقتضيات ترسيم هذه اللغة بعد ثماني سنوات تقريبا على دخول دستور 2011 حيز التنفيذ. هذا القانون دخل حيز التنفيذ بالتزامن مع دخول القانون الإطار هو أيضا حيز التنفيذ، ليكون هذان القانونان السند الذي سيقطع مع مرحلة تهميش اللغة الأمازيغية والتلكؤ الحكومي في تعميم تدريسها. سيما وأن الدستور يتحدث عن كونها «رصيدا مشتركا بين المغاربة بدون استثناء»، وهو الاعتراف الذي يعني طي صفحة التعامل مع الأمازيغية كلغة جهوية..، حيث تم البدء في تدريسها في بعض المناطق التي تعرف أكثر كثافة سكانية للعرق الأمازيغي، كالريف وسوس والأطلس المتوسط، في حين أن خطوات تعميم تدريسها منعدمة تماما في جهات عديدة.
صدور هذا القانون سيفرض على الحكومة عموما ووزارة التربية الوطنية توظيف عدد كبير من مدرسي هذه اللغة، فضلا عن تطوير مناهج تدريسها وتعميمها لتشمل كل الأسلاك، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية، بسبب استمرار مشكلات تعليمية في تعميم اللغة المعيارية، رغم مجهودات متميزة للمعهد الاستشاري للأمازيغية في صيغته السابقة. علما أن ترسيم اللغة الأمازيغية هو من بين المستجدات التي جاء بها دستور 2011 حيث تم الاعتراف لأول مرة بالأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية في فصل خاص باللغات، وضمن الأحكام العامة جاء فيه: «تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء». ويوفر الفصل حماية قانونية للأمازيغية من خلال التنصيص على إصدار قانون تنظيمي سيحدد «مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية». كما يوفر هذا الفصل حماية للأمازيغية على المستوى المؤسساتي من خلال التنصيص على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية سيعمل على «حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبته وكيفيات سيره».
ويشكل ترسيم الأمازيغية تتويجا لمسار من النضال والمرافعة لمختلف الفاعلين في الحركة الأمازيغية على امتداد زهاء نصف قرن، كانت أبرز محطاته ميثاق أكادير لسنة 1991 والبيان الأمازيغي لسنة 2000 وخطاب أجدير 2001، الذي شكل نقلة نوعية للقضية الأمازيغية، وكان من ثمراته تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وإقرار حرف تيفناغ وإدماج اللغة الأمازيغية في قطاعي التعليم والإعلام.
وفي هذا السياق، أبرز العديد من النشطاء الأمازيغ، «أن إدماج الأمازيغية في قطاعي التعليم والإعلام منذ 2003 فتح العديد من الأوراش العملية للنهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين، فمسلسل النهوض بالأمازيغية، الذي انطلق مع خطاب أجدير، لم يرافقه قرار دسترة الأمازيغية مما جعل إدماجها في المؤسسات يتم في إطار القوانين السابقة التي لا تقر بوجود الأمازيغية لا كهوية ولا كلغة ولا كثقافة». و«بصدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في الجريدة الرسمية، تكون هذه اللغة قد دخلت في مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة المأسسة في مختلف قطاعات الحياة العامة، وخاصة منها الأكثر حيوية ألا وهي التعليم والإعلام والإدارة والقضاء». وأبرز العديد من هؤلاء النشطاء أنه «من المعلوم أن المجال الوحيد الذي ذكر بالاسم في الدستور في سياق التنصيص على القانون التنظيمي هو مجال التعليم، والعاملون في حقل الأمازيغية يعولون على تفعيل ما ورد في المادتين 3 و4 من هذا القانون واللتين تنصان على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في سنوات التعليم الابتدائي في مدة خمس سنوات، وهذه المرحلة هي القاعدة الأساس وعليها يتوقف نجاح التعليم في المستويات الأخرى. ومعلوم أن كل محاولات التعميم منذ 2003 باءت بالفشل، كما أنه بدون تعليم لغة ما يستحيل تكوين الأطر فيها وإعداد العاملين في قطاعات الدولة المختلفة». ولهذا أعلن هؤلاء الفاعلون المدنيون والحقوقيون قرارهم متابعة هذا الورش باهتمام كبير ورفع الدعاوى القضائية ضد المسؤولين الذين يتهاونون في الوفاء بالتزاماتهم بهذا الصدد، في إشارة واضحة لعدم تنزيل مقتضيات القانون الجديد للأمازيغية..، من منطلق قناعتهم بأن «أوراش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية حياة جديدة لهذه اللغة ودينامية اجتماعية متجددة، حيث سيمكن تفعيل الترسيم من خلق جيل جديد من الناطقين والكتاب والمبدعين بلغة تقول الإحصائيات الرسمية الأخيرة بأنها فقدت ثلثي الناطقين بها في 55 سنة فقط».
بخصوص إدماج الأمازيغية في التعليم، كشفت آخر المعطيات المتوفرة، أن «تدريس الأمازيغية في المغرب بدأ عام 2003، وأن هناك 15 ألف أستاذ جرى إعدادهم، وأن عدد الأساتذة الممارسين فعلياً في تدريس الأمازيغية يبلغ خمسة آلاف أستاذ». وبلغ عدد التلاميذ الذين درسوا الأمازيغية 400 ألف تلميذ في عام 2015، كآخر إحصاء رسمي. فيما أكدت الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030 على ضرورة إدماج اللغة الأمازيغية في مستويات الابتدائي والإعدادي والثانوي. كما أن هناك ثلاث جامعات مغربية تدرس الأمازيغية، فضلاً عن عدد من المؤسسات، من بينها المعهد العالي للإعلام والاتصال.