محمد اليوبي
عاد مشروع القانون الجنائي إلى نقطة الصفر، بعدما قطع أشواطا من المناقشة والدراسة داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وصلت إلى مرحلة تقديم التعديلات، حيث قررت فرق الأغلبية سحب توقيعها من لائحة التعديلات المقدمة بشكل مشترك، وذلك بعد انقلاب حزب العدالة والتنمية على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، وسحب تعديل متوافق عليه حول تجريم الإثراء غير المشروع.
سحب التوقيعات
وجه توفيق كميل، رئيس فريق التجمع الدستوري، رسالة إلى رئيس لجنة العدل والتشريع، أعلن من خلالها أن فريقه أصبح غير معني بالتعديلات المقدمة من طرف الأغلبية، وقرر سحب توقيعه عليها، وطلب منحه الوقت الكافي لتقديم التعديلات الخاصة بالفريق حول مشروع القانون. وبدوره وجه شقران أمام، رئيس الفريق الاشتراكي، رسالة مماثلة، طلب من خلالها سحب توقيع الفريق على تعديلات فرق الأغلبية، والتمس منحه مهلة كافية لتقديم تعديلات الفريق. كما طالب فريق الحركة الشعبية في رسالة وجهها رئيسه، محمد مبديع، إلى رئيس اللجنة، بتأجيل برمجة دراسة التعديلات المقترحة على مشروع القانون الجنائي، وذلك إلى حين التوافق على هذه التعديلات، بعد قرار فريق حزب العدالة والتنمية سحب بعض التعديلات المشتركة لفرق الأغلبية.
وأوضح مصدر حكومي أن قيادة حزب العدالة والتنمية تصر على الهيمنة في تمرير مشرع القانون الجنائي برؤية حزبية ضيقة، ما جعل هذا المشروع يعود إلى نقطة الصفر من جديد، بعد أن تنصل فريق الحزب الذي يقود الحكومة من التعديلات التوافقية ضمن الأغلبية، ما جعل باقي الفرق تنسحب رسميا من هذا التوافق، وتطلب من رئيس لجنة العدل والتشريع فتح آجال جديدة لإيداع التعديلات.
وأضاف المصدر أنه «في اللحظة التي كان الجميع يترقب توجيه الدعوة لوزير العدل من أجل الحضور إلى اللجنة والشروع في البت في التعديلات المقترحة، يفتعل فريق العدالة والتنمية أزمة داخل فرق الأغلبية، من شأنها أن تزج بهذا المشروع في أفق ملتبس».
انقلاب «البيجيدي»
وكان فريق العدالة والتنمية قد انقلب على حلفائه داخل الأغلبية الحكومية، باتخاذ قرار انفرادي، بسحب التعديلات المقترحة على مشروع القانون الجنائي، المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، بعد التوافق عليها، وقرر الفريق سحب التعديل 31 الذي تقدم به بمعية فرق الأغلبية، بشأن مشروع القانون رقم 10.16، القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والإبقاء على الفرع 4 مكرر المتعلق بـ«الإثراء غير المشروع» كما جاءت به الحكومة في المشروع المذكور، مع تمسك الفريق ببقية التعديلات المقدمة آنفا بمعية فرق الأغلبية، ويتعلق الأمر بالتعديل الذي تقدمت به فرق الأغلبية، حول مواد الإثراء غير المشروع، حيث اقترحت ألا يخضع المعنيون للمحاسبة إلا بعد انتهاء مهامهم، سواء الإدارية أو الانتدابية، وحصر مهمة المحاسبة في المجلس الأعلى للحسابات، والاقتصار في التصريح بالممتلكات بالنسبة إلى المعني وأبنائه فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار الممتلكات المصرح بها قبل تولي المهمة الإدارية أو الانتدابية. واقترحت مكونات الأغلبية، من خلال التعديلات المقترحة، منح الصلاحيات للمجلس الأعلى للحسابات لكي يثبت تجاوز ما تم التصريح به بعد نهاية المهمة وليس أثناءها، ويجب أن تكون المقارنة مع ما صرح به من دخل انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودع المعني بالأمر، وليس مصادر دخله.
وتنص الصيغة الحالية المعروضة على البرلمان أنه «يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويجب في حالة الحكم بالإدانة بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من نفس القانون، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية».
وقال محمد بنعبد القادر، وزير العدل، في تصريح سابق، إن ربط تعثر مشروع القانون الجنائي بالخلاف حول مادة من مواده لا يعد فقط اختزالا للموضوع، بل هو «تضليل للرأي العام وافتعال حالة سياسية مصطنعة لرهانات غير معلنة». وأبرز بنعبد القادر أن «القول بأن تأخر أو تعثر مشروع قانون تعديلي يهم حوالي 80 مادة راجع إلى (مادة) الإثراء غير المشروع، يعد ضغطا وتشويشا على النقاش وتنميطا للتعبير عن وجهة النظر، إذ إن ما أثير حول المشروع يفتقد إلى الدقة وأحيانا كان فيه الكثير من الإثارة والاختزالية»، معتبرا أن هذا الاختزال في التعاطي مع المشروع لن يسهم في إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود. وقال الوزير، الذي حرص على التأكيد على أن المواد المشمولة بالتعديلات في هذا المشروع ليس ضمنها ما يتعلق بالحريات الفردية: «من حق كل الفرق والنواب والفاعلين الإدلاء برأيهم في كل المقتضيات، من أجل تجويدها وإسنادها إلى الأحكام الدستورية والاجتهادات الممكنة، ولا يمكن اعتبار كل من يريد تحديد سقف معين أو يناقش القانون هو ضد أو مع الفساد، فهذا النوع من التصنيفات لا يليق بالعمل المؤسساتي المسؤول والهادف».